رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 12 مارس، 2018 0 تعليق

قاعدة: اختيار الأصلح وضوابطها الشرعية

 

هذه قاعدة عظيمة من قواعد الشرع وأصل كبير من  أصول السياسة الشرعية وباب دقيق من أبواب الولايات الدينية والوظائف الدنيوية، وغالب الخطأ فيها ينشأ من ثلاث جهات:  من جهة الجهل بتأصيلها وتصورها وتحديد مفهومها. ومن جهة تنزيلها وتطبيقها على الواقع. ومن جهة عدم اعتبارها بالكلية لنقص الديانة والورع .

ويمكن تلخيص موجبات فهمها وتطبيقها بالأمور الآتية:

- الأول:  في كل ولاية وعمل يقدم الأصلح لتلك الولاية أوالعمل، والأصلح في كل ولاية يكون بحسب تلك الولاية، فتارة يكون الأصلح هو القوي، وتارة يكون الأصلح التقي بحسب الولاية نفسها.

- الثاني: المعيار في الأصلح يكون معياراً شرعيّاً لا عقليّاً محضاً باعتبار القوة والأمانة، والعلم والعدالة، والخبرة والديانة؛ فالأوصاف ثنائية، وعند التعذر يصار إلى أحدهما بحسب الولاية، قال -تعالى-: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وقال -تعالى-: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.

- الثالث: إن اختيار الأصلح من الأحكام الواجبة لا من الأحكام المستحبة، فإذا تعيّن الأصلح للولاية، صار اختياره وتقديمه في الولايات والأعمال على الوجوب لا على الاستحباب، ولا يجوز التوقف إلا مع عدم العلم بالأصلح، أو مع العجز عن الاختيار .

- الرابع : فرق بين اختيار الأعدل والأتقى وبين اختيار الأصلح؛ فلا يلزم أن يكون الأصلح في كل ولاية هو الأعدل والأتقى، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة؛ فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها.

     فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضررًا فيها؛ فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا، كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يُغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي؛ فقوته للمسلمين؛ وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف؛ فصلاحه لنفسه، وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر(مجموع الفتاوى 28/ 255) .

- الخامس: لا تتم معرفة الأصلح في كل ولاية إلا بمعرفة مقصود تلك الولاية من جهة، ومعرفة الطريق الموصل إلى المقصود، وبمن تقوم به الولاية من جهة ثانية، أما مع الجهل بمقصود الولاية أو مع الجهل بطريقها؛ فيتعذر تعيين الأصلح.

- السادس:  قيام الولايات بالأقل خير من تعطيلها طلبا للأكثر؛ فتعطيل الولايات تعطيل لضروريّ أو حاجيّ، يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله-: «إِذا لم نجد عدلاً يقوم بالولايات الْعَامَّة والخاصة قدم الْفَاجِر على الأفجر، والخائن على الأخون؛ لِأَن حفظ الْبَعْض أولى من تَضْييع الْكل»(كتاب الفوائد في اختصار المقاصد، ص 85).

- السابع: يُراعى عند اختيار الأصلح ما يقتضيه واجب الوقت ، ودواعي الحاجة، ومرتبة المصلحة باعتبار عمومها أو خصوصها، والأصلح في كل أمر من أمور الدين والدنيا، يختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص؛ فالأصلح في كل حال بحسب ذلك الحال .

- الثامن: لا يقدم الصالح على الأصلح إلا عند النفور من الأصلح، أو لاعتبار المصلحة الراجحة .

- التاسع: التخيير بين الأشياء منها ما يكون تخيير (شهوة) ومنها ما يكون تخيير (مصلحة)، وقاعدة اختيار الأصلح مبنية على الدوام على المصلحة لا على الشهوة، وهنا فائدة ذكرها شيخ الإسلام -رحمه الله-؛ فقال: «التخيير في الشرع نوعان : فمن خيّر فيما يفعله لغيره بولايته عليه وبوكالة مطلقة، لم يبح له فيها فعل ما شاء، بل عليه أن يختار الأصلح ، وأما من تصرف لنفسه؛ فتارة يأمره الشرع باختيار ما هو الأصلح بحسب اجتهاده، وتارة يبيح له ما شاء من الأنواع التي خير بينها» (مجموع الفتاوى ٢٤/ ١٢١) .

وفِي الموضع ينبغي التذكير بتنبيهين الأول:

-  أن العبد إذا تصرف لغيره، يختار له الأصلح .

-  وإذا تصرف لنفسه؛ فتارة يختار الأصلح وتارة يختار الأيسر، وتارة يختار الأشهى، بحسب المقام لهذا جاء في الحديث: «ما خُيّر رسول الله[ بين أمرين إلا اختار  أيسرهما»، وهذا محمول على أمر الدنيا وكان الاختيار لنفسه.

والتنبيه الثاني: أن اختيار الأصلح يحتاج إلى نظر خاص؛ فهو من الأمور الاجتهادية، ولا إنكار فيه إذا كان الترجيح مبنيا على العلم والعدل، لا على الهوى والجهل .

- الأمر العاشر: العدول عن الأصلح إلى الصالح مع إمكان ترجيح الأصلح يكون تركا لواجب .

إذ اختيار الأصلح :

- يدفع الفتنة .

- ويحفظ المصلحة .

- ويعين على اجتماع الكلمة .

- وينزل الناس منازلهم .

- ويسوسهم بالعلم والعدل .

والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك