رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالله متولي 11 مارس، 2013 0 تعليق

في مؤتمر بعنوان «الموقف الشرعي من التطاول على الإسلام ومقدساته» شارك فيه نخبة متميزة من أهل العلم والاختصاص – الإساءة إلى الإسلام.. أمر متجدد.. والناس تتباين في المواقف حياله بين مصيب ومغالٍ وغير مبالٍ

 

نظمت الكلية مؤتمرا تحت عنوان: «الموقف الشرعي من التطاول على الإسلام ومقدساته»، تحت رعاية عميد الكلية الدكتور مبارك سيف الهاجري، ورأس اللجنة العلمية للمؤتمرالدكتور حمد الهاجري أستاذ الفقه المقارن بالكلية، وأدار جلسات الحوار الدكتور وليد العلي، وقد دعي للمؤتمر نخبة من أهل العلم والاختصاص الذين شاركوا بأبحاث وورقات عمل لمناقشة هذه القضية وتحديد أبعادها خلال منهج الإسلام الوسطي في التعامل مع الجميع مسلمين وغيرهم.

     وقد خلص المؤتمر إلى مجموعة من النتائج والتوصيات المهمة التي تؤكد على أن التنسيق وتضافر الجهود واجب على المسلمين في مواجهة المتطاولين على الإسلام ومقدساته، كما أن المؤتمرين قد ركزوا على أن الإساءة إلى الإسلام ومقدساته أمر مستمر ويتجدد بين الفينة والأخرى لأسباب كثيرة، كما أن الناس تتباين مواقفهم حيال هذا الأمر: فمنهم من يصيب في تصرفاته، ومنهم من يغالي حباً لدينه وتعظيماً له، ومنهم من يتجاوز المشروع إلى الممنوع، ومنهم من تمر عليه الأحداث ولم يحرك ساكناً كأنها لم تحدث.. ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع وطرحه برؤية شرعية متوازنة، تقوي الإيمان في نفوس المسلمين، وترسخ الغيرة على الإسلام ومقدساته، وتؤكد على نصرته والدفاع عنه في إطار الأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة.

     وقد شارك في المؤتمر الدكتور عبدالعزيز بن محمد السعيد أستاذ السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي قدم بحثاً بعنوان: «موقف المسلم من التطاول على الإسلام ومقدساته»، وشارك فيه أيضاً الأستاذ الدكتور أحمد محمد هليل قاضي قضاة المملكة الأردنية الهاشمية، الذي قدم بحثاً بعنوان: «التطاول على الإسلام ومقدساته: دوافعه ومسوّغاته»، كما شارك فضيلة الشيخ أحمد المرابط مفتي موريتانيا بورقة عمل بعنوان: «أسباب ودوافع التطاول على الإسلام ومقدساته»، أما الدكتور سليمان بن سليم الله الرحيلي أستاذ الدراسات العليا وأستاذ الفتوى بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فقد قدم بحثاً بعنوان: «حكم التطاول على المقدسات الإسلامية والتوبة منه والآثار المترتبة على ذلك».

أسباب ودوافع

     تحت عنوان: (أسباب ودوافع التطاول على الإسلام ومقدساته) قدم سماحة مفتي جمهورية موريتانيا الشيخ أحمد المرابط ورقة عمل مشتملة على ثلاثة مباحث في الموضوع، وخاتمة، ومن أهم ماجاء فيه:

 أسباب ودوافع التطاول على الإسلام ومقدساته:

1 - تنافر المسلمين فيما بينهم: إن تنافر المسلمين فيما بينهم من أخطر الأسباب التي أسقطت هيبتهم من قلوب أعدائهم ودفعتهم إلى التطاول على الإسلام ومقدساته طمعا منهم في القضاء على دين الإسلام الذي أخبرنا ربنا أنهم لا يزالون يحاربوننا ليردونا عنه فقال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُواْ} (البقرة: 217)، فالآية وإن كانت نزلت في كفار قريش حسب ما ذكره المفسرون، تعم غيرهم من أعداء الإسلام؛ إذ القاعدة الأصولية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

2 - تسليط أعداء المسلمين عليهم: لا شك أن تسليط أعداء الإسلام على المسلمين بسبب تقصير المسلمين في التمسك بدينهم، من الدوافع التي دفعت أعداء المسلمين إلى التطاول على الإسلام ومقدساته، وقد بين الله في محكم كتابه أن تقصير المسلمين في امتثال أمره تعالى وأمر رسوله سبب في تسليط أعدائهم عليهم، جاء ذلك في قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165).

3 - ضعف المسلمين عن المقاومة: لا شك أن ما يلمسه أعداءُ الإسلام من ضعف المسلمين عن المقاومة دفعهم للتطاول على الإسلام ومقدساته، فهم يروْنَ أن سائر أنواع القوّة الماديّة بأيديهم، ولهم أن يقبلوا ما شاؤوا ويرفضوا ما شاؤوا، ولو أن المسلمين أعدوا العدة الإيمانية المتمثلة في امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه وفق ما شرع لهم، لجعل الله لهم فرجا ومخرجا من عدوهم المتطاول على إسلامهم ومقدساتهم، كما جعل للمؤمنين مع النبي فرجا ومخرجا من عدوهم الذي تألَّبَ عليهم ذلك التألُّب الذي قال الله تعالى فيه: {إِذْ جَاءوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب: 11).

واجب المسلمين تجاه التطاول على الإسلام ومقدساته:

1 - ابتعاد المسلمين عن أسباب الفرقة: ان واجب المسلمين الابتعاد عن أسباب الفرقة؛ عملا بمقتضى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103)، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ اِلاَّ بِحَبْلٍ مِّن اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} (آل عمران: 112) أي بعهد وذمة، وقيل {بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ} يعني القرآن، كما في حديث الحارث الأعور عن عليٍّ موقوفا في صفة القرآن «هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم»، وقوله: {وَلاَ تَفَرَّقُوا} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف.

2 - التشاور والائتمار بالمعروف بين المسلمين: إن تشاور المسلمين بينهم في ما ليس فيه أمرٌ ولا نهيٌ من الشارع، مطلبٌ شرعيٌّ لا غنى لهم عنه، أمّا ما فيه أمرٌ أو نهيٌ من الشارع فيتعيّن فيه الاِئْتمار بأمر الشارع والانتهاء بنهيه لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36).

3 - تنسيق المسلمين فيما بينهم وتضافر جهودهم: إن تنسيق المسلمين فيما بينهم وتضافر جهودهم في سائر القضايا الإسلامية، أمرهم الله به حيث قال: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2).

     فعلى المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى ويبتعدوا عن التعاون عن الإثم والعدوان حتى يتحقق اتصافهم بما وصفهم به النبي[ حيث قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبَّك بين أصابعه»، أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري.

التطاول... دوافعه ومسوّغاته

     فيما قدم الأستاذ الدكتور أحمد محمد هليل قاضي قضاة المملكة الأردنية الهاشمية بحثا بعنوان: (التطاول على الإسلام ومقدساته.. دوافعه ومسوّغاته)،جاء فيه: من خلال استقراء محاولات التطاول على الإسلام قديما وحديثا تبين أن أسباب هذا التطاول تتمثل فيما يلي:

- أولا: العداء الديني والعقدي وقد أخبر الله عن هذا العداء للإسلام في كتابه العزيز الحكيم في أكثر من موضع، يقول تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإذا نادَيْتُمْ اإلَى الصَّلاةِ أتَّخَذُوها هُزُوًا وَلَعِبًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُون} (المائدة: 57 - 58).

- ثانيا: الحسد: يبين الله سبحانه وتعالى أن من أسباب تطاول الأعداء على دين الله الحسد، يقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ اِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (البقرة: 109).

- ثالثا: الصد عن سبيل الله: أعداء الإسلام بينهم وبين أنفسهم يعرفون أنهم على ضلال، ويعرفون حقيقة ضلالهم، ويعرفون أن صراط الله المستقيم هو في دين الإسلام، ولكنهم لا يريدون أن يتمتع غيرهم في النور، ويبقون وحدهم يتخبطون في الظلمات، فيحاولون جاهدين صد الناس عن ذلك النور بكل ما استطاعوا من حيل.

- رابعا: المكابرة والبغي: أعداء الإسلام يعرفون أن الإسلام هو الحق، ولكن تأخذهم العزة بالإثم فكيف لهم أن يتركوا دياناتهم ويتبعوا دين الإسلام؟! فيتجهوا إلى إثارة الشكوك حول دين الإسلام، قال تعالى مخبرا عن حالهم قبل الإسلام وأنهم كانوا ينتظرون مجيء هذا النبي: {وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباءُ بِغَضَب عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِين} (البقرة: 89 - 90):

- خامسا: الكراهية والبغضاء: من أسباب تطاول أعداء الله على الإسلام الكراهية والبغضاء للمسلمين، وقد أخبر سبحانه عن ذلك على الرغم من تسامح المسلمين في معاملتهم فقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا ودُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هأَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران: 118 - 119).

- سادسا: بروز التيارات المتطرفة في الغرب: وقد بدأت هذه التيارات تشن حربا على الإسلام وعلى الدول الإسلامية وتصفها بالتخلف والرجعية بقصد إضعاف الروح المعنوية للمسلمين وتشكيكهم في عقيدتهم وفي دينهم وفي حضارتهم العريقة، واستغلت هذه التيارات نفوذها في الغرب لتنفث سمها على الإسلام وعلى المسلمين وعلى رموز الإسلام ومقدساته.

 موقف المسلم من التطاول

     من جانبه قدم الدكتور عبدالعزيز بن محمد السعيد أستاذ السنة وعلومها المشارك بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، بحثا بعنوان «موقف المسلم من التطاول على الإسلام ومقدساته»، قال فيه بعد المقدمة: لقد أحسنت كلية الشريعة بجامعة الكويت صنعا حين عقدت هذا المؤتمر، الذي سيكون له بإذن الله حظا من الإسهام في بيان الوجهة الشرعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ونقد التصرفات وردود الأفعال.

ولأن المؤتمر ذو محاور متعددة، فسيكون هذا البحث مخصصا إن شاء الله لبيان موقف المسلم من التطاول على الإسلام ومقدساته، مشتملا على ثلاثة مباحث:

الموقف العقدي

     إن عقيدة المؤمن المشتملة على الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، حلوه ومره، تجعله ثابتا على الحق، ملازما له، مستقيما عليه، وإذا بلغه شيء من الإساءة للإسلام، والاستطالة عليه، فان موقفه يكون كالآتي:

- أولا: الإيمان بأن ذلك واقع بتقدير الله ومشيئته، كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49).، ولما سأل جبريل النبي[ عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: «صدقت».

- ثانيا: اعتقاد أن هذه الاعتداءات ابتلاء من الله لأهل الإيمان، ليزداد المؤمن إيمانا، ويتميز عن أهل النفاق، ويرتكس المنافق في ذنوبه، ويخلع ربقة الإسلام من عنقه من كان إسلامه لحظوظ الدنيا، كما في قوله تعالى إخبارا عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحج: 11).

- ثالثا: اعتقاد بطلان كل ما يتنافى مع الإسلام، أويصفه بالنقص وعدم الكمال، أويتخذه هزوا، أوينتهك حرماته، أويؤول إلى عدم تعظيم شعائره، أويقدح في النبي[، في خَلْقه، أوخُلقه، أو بلاغه ورسالته، على أي وجه كان ذلك، بصريح القول ومنطوقه، أومفهومه وفحواه، أو لازمه، أوبالفعل، أو الإشارة، أوالرسم والتمثيل، جدّا كان ذلك أو هزلا.

الموقف السلوكي والأخلاقي

- أولا: العدل، وهو واجب مع المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والقريب والبعيد، والعدو والصديق، في عموم الأمكنة والأزمنة والأحوال، فقد أمر الله بذلك أمرا عاما مطلقا، كما أمر به أمرا خاصا ومقيدا فقال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ} (النحل: 90) وقال: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ اِلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(النساء: 58) وقال: {وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات: 9).

     وبهذا يعلم ان المسلم يعامل المسيء بالعدل حتى ولو كان كافرا، وهو ما تقضي به الأدلة الشرعية، فإن تجاوزها كان ظالما معتديا، مخالفا لقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (الشورى: 40).

- ثانيا: الصدق: مدار الإسلام على الصدق، فتوحيد الله صدق، والقرآن صدق، والانبياء جاءوا بالصدق ودعوا اليه، وأتباعهم على الحق يدعون إلى الصدق، كما قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33)

- ثالثا: الرفق في التعاطي مع الحدث: والرفق خلاف العنف، وهو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل؛ ولهذا جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «من يحرم الرفق يحرم الخير».

- رابعا: الغضب: والغضب لحرمات الله إذا انتهكت منهج نبوي كريم؛ لأن الغضب في هذا الموضع محمود لكونه متعلقا بحق الله جل وعلا، والباعث عليه تعظيم الله، وتعظيم حرماته، المدلول عليه بقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (الحج: 30)، فإذا قام هذا التعظيم في قلب المؤمن كره ما خالفه، وغضب لانتهاكه، ثم أنكره على الطريقة الشرعية.

حكم التطاول والتوبة منه

     تحت عنوان: «حكم التطاول على المقدسات الإسلامية والتوبة منه والآثار المترتبة على ذلك» قدم الدكتور سليمان بن سليم الله الرحيلي، أستاذ الدراسات العليا وأستاذ كرسي الفتوى وضوابطها بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بحثا قسّمه بعد المقدمة إلى خمسة مباحث جاءت على النحو التالي:

- المبحث الأول: سب الله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وفيه مطلبان:

- المطلب الأول: حكم السب والآثار المترتبة على ذلك: اتفق العلماء على أن سب الله تعالى محرم تحريما مغلظا وجريمة كبرى وكفر أكبر، قال القاضي عياض رحمه الله: « لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم، وقال ابن حزم رحمه الله: « وأما سَبُّ اللَّهِ تَعَالَى فما على ظَهْرِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ يُخَالِفُ في أَنَّهُ كُفْرٌ»، وقال ابن عبد البر رحمه الله: «قال إسحق: وقد أجمع المسلمون أن من سب الله عز وجل... أنه كافر بذلك»، وقال ابن قدامة رحمه الله: «ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أم جادا، قال الله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ}(التوبة: 65-66).

     ويترتب على ذلك أنه يقتل، قال عبد الله بن الإمام أحمد: «سألت أبي عن رجل قال لرجل يا بن كذا وكذا أنت ومن خلقك، قال أبي: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم تضرب عنقه»، قال ابن جزي: « وأما من سب الله تعالى... فإن كان مسلما قتل اتفاقا، واختلف العلماء هل يستتاب أم لا؟ على قولين:

- الأول: يقتل ولا يستتاب، والقول الثاني: لا يقتل حتى يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

- المطلب الثاني: حكم التوبة من سب الله تعالى وآثارها: التوبة من هذه الجريمة الكبرى فرض لازم، فإن الله أوجب التوبة من جميع الذنوب وهذه من قطعيات الشريعة، يقول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (مريم: 60).

     لكن ما آثار هذه التوبة من سب الله تعالى؟ اتفق العلماء على أن من تاب من سب الله توبة صادقة مستجمعة لشروطها أنها تنفعه عند الله سبحانه وتعالى، ونص بعض العلماء على أن الذمي إذا سب الله عز وجل ثم أسلم يسقط عنه القتل.

- المبحث الثاني: في سب خاتم الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، وفيه مطلبان:

- المطلب الأول: حكم السب والآثار المترتبة عليه: سب النبي محمد صلى الله عليه وسلم جريمة كبرى وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على أنه كفر، قال ابن عبد البر: قال إسحاق: وقد أجمع المسلمون أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله تعالى أو قتل نبيا من أنبياء الله تعالى أنه كافر بذلك، وقال السبكي رحمه الله: «أما سب النبي صلى الله عليه وسلم فالإجماع منعقد على أنه كفر والاستهزاء به كفر».

- المطلب الثاني: حكم التوبة من السب والآثار المترتبة عليها:

     قد اتفق العلماء على أن من تاب توبة صادقة مستجمعة الشروط تنفعه عند الله تعالى، قال ابن قدامة رحمه الله: «والخلاف في سقوط القتل عنه، فأما توبته فيما بينه وبين الله تعالى فمقبولة، فإن الله تعالى يقبل التوبة من الذنوب كلها».

     يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر: 53، ولكن ما آثار توبته على أحكام الدنيا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:القول الأول: أن توبته لا تسقط عنه القتل وهو قول الأكثر، والقول الثاني: أن توبته تسقط عنه القتل.

جريمة كبرى

وخلص الدكتور الرحيلي في خاتمة بحثه إلى القول: بعد هذا التطواف مع ما قرره الفقهاء في هذا الباب العظيم أشير إلى نقاط منها:

- النقطة الأولى: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله من أركان الإيمان ولا يصح إيمان إلا به.

- النقطة الثانية: أن التطاول على هذه المقدسات وسبها أعظم الجرائم؛ إذ هو كفر ولاجرم أعظم من الكفر.

- النقطة الثالثة: أن من سب واحدة من هذه المقدسات حكمه القتل مسلما كان أم كافرا.

- النقطة الرابعة: أن من تاب من التطاول على هذه المقدسات توبة صادقة مستجمعة لشروطها تنفعه التوبة عند الله.

- النقطة الخامسة: أن قتل ساب هذه المقدسات بعد توبته مسألة اجتهادية يرجع فيها للقضاء الشرعي ويوازن فيها القاضي بين المصالح والمفاسد.

- النقطة السادسة: نوصي ولاة الأمور في البلدان الإسلامية بضرورة النص على تجريم التطاول على هذه المقدسات وأن عقوبته القتل.

- النقطة السابعة: نوصي القضاة في البلدان الإسلامية بالعمل على صيانة هذه المقدسات من التطاول بإصدار الحكم الشرعي الرادع في هذه الجريمة.

- النقطة الثامنة: نوصي العلماء وطلاب العلم بنشر الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر العظيم.

- النقطة التاسعة: نوصي الجهات القائمة على المساجد في الدول الإسلامية بتوجيه الخطباء بالتحدث عن هذا الأمر وبيان أن التطاول على المقدسات جريمة كبرى وليس من الحرية في شيء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك