رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 10 يناير، 2012 0 تعليق

في ظل هوجة الانتخابات في العالم العربي- التمويل الأجنبي والنعرات الطائفية تقود شخصيات مشبوهة لسدة البرلمان

 

منذ اندلاع ما يطلق عليه الربيع العربي الذي أسهم حتى الآن في سقوط عدد من الأنظمة العربية بدءًا من نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ومرورًا بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وأخيرًا وليس آخرًا العقيد الليبي القتيل معمر القذافي والحبل على الجرار في ظل توتر الأوضاع في كل من اليمن وسورية التي يقاتل فيها النظام الطائفي معركته الأخيرة للبقاء حتى لو جاء ذلك على جثث الآلاف من مواطنيه، فالمنطقة تشهد مستجدات أو لنقل ظواهر غير معتادة لم تكن متوقعة في أغلب الأحيان.

       فقد أسفر سقوط الأنظمة المتتالي ومعها أدوات القمع والديكتاتورية إلى فتح أبواب الحريات في عدد من الدول العربية التي طالت دولها أنظمة بن علي ومبارك والقذافي فقد سعت العديد من القوى السياسية إلى صياغة دساتير جديدة تعكس أجواء الحرية التي تسود هذه البلدان، وتم فتح أبواب الانتخابات في كل من مصر وتونس والمغرب.

ظواهر سلبية

       بقدر ما كان مريحًا انتهاء عصور القمع الفكري والعقدي وتنفس فئات عديدة في المجتمع العربي نسمات الحرية ولاسيما التيارات الإسلامية التي عانت طويلاً من الظلم والتهميش بل مورس ضدها أبشع أنواع القمع وهي نسمات استغلتها التيارات الإسلامية لاستعادة أرضيتها وهو ما ظهر جليًا في تحقيق الإسلاميين نتائج لافتة بقدر ما أثارت موجة الانتخابات التي شهدتها هذه البلدان من مظاهر سلبية كان أهمها اختفاء معايير الكفاءة والتقوى فيمن يرشحون أنفسهم للمقاعد النيابية، حيث سارعت قطاعات عديدة من التيارات السياسية إلى ترشيح أنفسها للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية دون أن يمتلك أي منها القدرات والمؤهلات لتحمل مسؤولية الولاية العامة، بل إن بعض هذه البلدان شهدت إقدام عدد من المواطنين من لا يمتلكون إلا ما وفرته مناهج الدراسة في المراحل الإعدادية والثانوية لخوض غمار معارك شديدة الشراسة يجب أن يتوافر فيمن يخوضها متطلبات معينة منها الكفاءة أو القدرة والمؤهلات ناهيك عن التقوى وحسن المعتقد والسمعة الطيبة بين بني وطنه.

خطب جسيم

       غير أن هذه المعايير الدقيقة التي عكسها حديث الرسول والنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم  حينما قال «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيام خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها»، وهي ألفاظ توضح مدى جسامة الخطب وأهمية المسؤولية الملقاة على عاتق من يولي مثل هذه المسؤوليات.

       ويزيد هذه الأعباء الاشتراطات التي كرسها حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم  «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالمسؤولية هنا أو بالأحرى الأمانة شاملة لكل من الإمارة العامة والخاصة كما يفيد تكرار لفظ «راع»؛ إذ إن رعاية الإمام هي ولاية أمور الرعية والحياطة من ورائهم وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل هي: القيام على أهله بالحق والنفقة عليهم وحسن العشرة، ورعاية المرأة: حسن التدبير في بيت زوجها والقيام بما هو مطلوب منها في أمر بيته، ورعاية الخادم: حفظ مال سيده والقيام بأعماله.

مصالح الرعية

       ولا شك أن الغرض من هذا التشريع هو تحقيق مصالح العباد وتعيين الكفء الجدير بشغل هذه المسؤولية ولكن إذا لاحظنا ما يحدث حاليًا في المتقدمين لشغل المناصب العامة أو الخاصة في البلدان العربية فسنجد العجب العجاب فبنظرة فاحصة على قوائم المرشحين في الانتخابات التشريعية في بلد بحجم مصر تجد العجب العجاب، فهناك شخصيات لم تعرف فيها أبدًا تعاطيها مع العمل العام غير أنها قدمت نفسها للانتخابات البرلمانية دون أن تملك القدرة أو الجدارة والثقافة اللازمة لشغل مثل هذه المناصب، بل وجدنا أناسا لا يتمتعون بأبسط مؤهلات العمل السياسي أو مظاهره المتمثلة في التخصص في أحد المجالات أو التمتع بخبرة في قضايا التشريع أو الاقتصاد أو أن يكون المرشح صاحب مشروع في أي من القضايا الحيوية التي تهم عموم المواطنين مثل الصحة أو التعليم أو مختلف الخدمات حتى يستطيع أن يقدم شيئًا ذا قيمة لمواطنيه ووطنه وأمته.

       بل إن ما يزيد الطين بلة أن أغلب من طرحوا تصورات للمرحلة القادمة أو قدموا أوراق ترشيحهم للانتخابات لم يضعوا في اعتبارهم تقديم مشاريع قوانين تخص إقامة شرع الله أو الدفاع عن حدوده ولاسيما أن أغلب المرشحين لا يمتلكون قدرات أو علم شرعي يجعلهم قادرين على نصرة دين الله.

       والمؤسف أن جهود الرويبضة ومحاولة اعتلائهم صدارة المشهد ينسجم مع حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم : «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة» حتى إذا كان ذلك مجرد علامة صغرى على قيامها.

       واللافت في الفترة الأخيرة أن انكسار القيود قد سمح للصالح والطالح بأن يحاول التصدي للعمل العام دون ضوابط أو قواعد رغم أن أغلب دول العالم تضع مثل هذه القواعد والضوابط كشروط لمن يشغلون مثل هذه المناصب ولكن يبدو أن هذه هي الفوضى الخلاقة التي يتحدثون عنها.

مؤامرة شرسة

       ويذهب بعضهم إلى أن الفوضى التي تمر بها بلداننا هي فوضى المقصود منها إضعاف الأمة وقطع الطريق عليها للاستفادة من الطاقات الموجودة بها وإخلاء الساحة من الكفاءات ليتصدرها أناس لا علاقة لهم بالتحديات التي تجابه الأمة حتى يسهل ابتلاعها حين يبتعد الأكفاء الأتقياء وذوو الجدارة لصالح معدومي الكفاءة والخبرة.

       وتذكر أدبيات السياسة واقعة خطيرة حين نجحت روسيا في تفكيك شبكة تجسس أمريكية خطيرة ومعقدة استمرت في العمل داخل بلدان الاتحاد السوفييتي السابق لعدة عقود وإبان التحقيق مع رئيس هذه الشبكة أسقط في أيدي المحققين إذ إن المهمة التي كانت تقوم بها هذه الشبكة هي تعيين الشخصيات غير المناسبة في الوظائف غير المناسبة سعيًا لإضعاف كيان الدولة وإسقاطها في نهاية المطاف.

قدرة وتقوى

       لعل هذه الحادثة لا تختلف كثيرًا عما تشهده بلداننا حاليًا، فهناك أقزام يحاولون تصدر المشهد والسعي للوصول لمناصب عامة أو خاصة دون أن يمتلكوا بحسب د. عبدالغفار حلال عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر الشروط اللازمة التي وضعها الإسلام لمن يشغل المناصب العامة وهي العلم والقدرة والقوة والعدل، فإذا اجتمعت هذه الصفات في شخص معين برأي الأمة فهو مؤهل لشغل هذا المنصب، أما العكس فإنها الكارثة فلو حاولنا النظر بدقة إلى ما جاء به القرآن والسنة في هذا السياق نجد أن حديث ابنة شعيب: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} فالقوة هنا بمعنى امتلاك القدرة على تحصيل العمل والقيام به على خير وجه والأمانة، فضلاً عما يتمتع به الشخص من ورع ديني وأخلاقي وهذا ما لا نجده حاليًا في أغلب المتصدرين للعمل العام.

       ورأى  أن وضع ضوابط وقيود على المرشحين للبرلمان ولمجلس الشعب أمر تنظيمي يحض عليه الشرع الذي اعتبر المصلحة العامة للأمة في مقدمة الأولويات التي ينبغي صيانتها لاسيما أن مثل هذا النائب سيكون مكلفًا بالتشريع للأمة والمحافظة على مصالحها، فإذا لم يكن قويًا وقادرًا فلتذهب الأمة إلى مزبلة التاريخ.

       ولفت إلى أن طلب الولاية أمر شديد الخطورة، بل إن هناك إجماعًا بين علماء المسلمين على كراهة طلب الولاية مثلما قال رسولنا من حديث عبدالرحمن بن سمرة «لا تسأل الإمارة» رغم أن بعضهم لم يجد مانعًا من تقدم من يجد في نفسه القدرات لشغل المنصب كما حدث مع سيدنا يوسف لكني أميل للرأي الأول.

غياب المعايير

       وقد غابت معايير الكفاءة والقدرة والجدارة لصالح معايير غربية أو بالأحرى لا يصل الأمر إلى وصفها بالمعايير، حيث نجد شخصيات لا تتمتع بالكفاءة تحاول تصدر المشهد معتمدة على معايير العصبية والصلات القبلية، أو معتمدة على دعم أطراف خارجية تريد السيطرة على المؤسسات المنوط بها التشريع ووضع القوانين لتمرير أجندة خارجية تريد العبث بهوية الأمة دون أن تجد الرجال الأكفاء القادرين على التصدي لهذه المخططات.

       ويجب علينا هنا الآن تجاهل أن مخطط تفريغ الأمة من مصادر قوتها يندرج تحت أطر مشروع الفوضى الخلاقة الذي يرغب الغرب في تنفيذه في بلداننا حيث يسعى للقضاء على القلب الصلب للأمة المتمثل في علمائها الأتقياء والأنقياء لصالح شراذم تسير في فلكه وتسبح بحمده.

معايير معقدة

       وهذا أمر شديد الخطورة كونه يصعد بغير الأكفاء إلى مؤسسات الحكم بدعم غربي يحولهم إلى طابور خامس ينفذون مؤامرات أعداء الأمة، وهو أمر ينبغي على دولنا ومؤسساتنا أن تضع حلاً لهذه الأزمة عبر منظومة واضحة وشروط محددة يوضعها د. سيف الدين عبدالفتاح أستاذ النظم السياسية بجامعة القاهرة حيث يشدد على أهمية أن يتمتع من يتقدم لعضوية المجالس التشريعية بالحد الأدنى من المؤهلات والقدرات اللازمة لشغل هذه الوظيفة، معتبرًا أن الكفاءة والقوة والعدل والتقوى من أهم المعايير التي ينبغي أن يتمتع بها شاغل المهام التشريعية.

       ولا ينبغي هنا التأكيد كذلك والكلام مازال للدكتور يوسف على ضرورة أن يحترم أي شخص يصل البرلمان للمنظومة القيمية للأمة ولا يقدم من التشريعات ما يخالف هذه المنظومة حتى يقطع الطريق تمامًا على حزمة القيم الغربية التي يسعى أعداء الأمة لفرضها علينا عبر من يحملون أجندتهم في المجالس التشريعية.

       وشدد على أن من الشروط التي ينبغي أن يتحلى بها عضو البرلمان أن يلتزم بمعايير شديدة التعقيد وأن توضع قيود على استخدام المال والتمويل الأجنبي في الانتخابات حتى لا نفاجأ بتيارات بعيدة كل البعد عن منظومتنا أو يتصدى لمشاكلنا من ليس أهلاً لها بشكل يقود الأمة للنفق المظلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك