رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 أغسطس، 2016 0 تعليق

في ظل تخوفات غربية زيارة أردوغان لبوتين.. هل تغير خارطة السياسة العالمية؟

من المنتظر أن تسهم هذه الزيارة في إعادة ترميم العلاقات المتصدعة بين أنقرة وموسكو التي توترت بشكل حاد عقب إسقاط الطائرة الروسية شمال سوريا نوفمبر الماضي

القمة بعثت برسالة تحذير خطيرة للولايات المتحدة وأوروبا وأكدت أن كلا البلدين ليس معزولا وأن لديه خيارات أخرى

أكد ميخائيل غورباتشوف أن إعادة تفعيل الحوار بين تركيا وروسيا سينعكس بالإيجاب ليس على سياسة البلدين فحسب وإنما على السياسة العالمية

 

أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه اتفق مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، على إيجاد تسوية للأزمة السورية «بطرائق ديمقراطية»، رغم اختلاف وجهات نظر الطرفين حولها، وأضاف بوتين في مؤتمر صحفي عقده الزعيمان عقب جلسة المشاورات التي دارت بينهما الثلاثاء الماضي 9 يوليو: من المعروف وجود اختلافات في وجهات نظر الطرفين حيال حل الأزمة في سوريا، واتفقنا بخصوص إيجاد تسوية بمشاركة وزراء خارجيتنا والاستخبارات، فلا يمكن التوصل إلى حلول ديمقراطية إلا بطرائق ديمقراطية؛ فهدفنا واحد بشأن حل الأزمة السورية، وسنعمل من أجل إيجاد حل مناسب لهذا النهج المشترك.

     وأكد بوتين أن الطرفين أجريا محادثات ملموسة وبناءة، وتناولا العلاقات الثنائية، وقضايا إقليمية ودولية، مضيفاً أن وجود الرئيس التركي هنا -رغم الظروف الصعبة في بلاده- دليل على رغبة أكيدة في تحسين العلاقات، وجعل أولوية بلاده في العودة بالعلاقات إلى ماقبل الأزمة، وهذا هدف مهم للغاية.

العلاقات التجارية

     وحول تنشيط العلاقات التجارية بين البلدين، أكد أن الطرفين تبادلا الآراء حول نزع القيود عن الشركات التركية والأفراد. وستركز بلاده على تكثيف الاستثمارات والتبادل التجاري مع تركيا، ومناقشة استئناف الرحلات السياحية من روسيا إلى تركيا، مضيفًا: سنقوم برفع القيود (الاقتصادية) عن تركيا تدريجياً، وتفعيل آليات التعاون، وعقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة في الخريف المقبل، وقمة لجنة التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى العام المقبل.

إعادة العلاقات

      من جانبه أكد أردوغان أن روسيا وتركيا ستعيدان العلاقات أفضل مما كانت عليه قبل الأزمة بينهما، مؤكداً أن العلاقات التركية الروسية مستقرة الآن أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك بفضل الإرادة السياسية، ودعم الرأي العام.

      وأوضح أن الجانبين مصممان للغاية، ويمتلكان الإرادة اللازمة لإعادة العلاقات إلى مستواها السابق، وحتى أبعد من ذلك، وأعتقد أن تطلعات شعبي البلدين هي أيضاً في هذا الاتجاه. ونتيجة للمحادثات التي أجريناها اليوم، اتخذنا قرارات من شأنها نقل العلاقات بين البلدين إلى المستويات المطلوبة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.

خطوات متعاقبة

     وبيّن الرئيس التركي، أن خطوات متعاقبة (مع روسيا) من شأنها إحياء مجلس التعاون رفيع المستوى، وتحقيق رحلات شارتر، ورفع الحظر عن التدابير المتعلقة بالعلاقات التجارية، بينها السلع الزراعية، وفسح المجال أمام المستثمرين الأتراك في روسيا وإلغاء التأشيرات.

     وأضاف أردوغان أنه تم الاتفاق على إزالة جميع العوائق التي تعترض رجال الأعمال والمستثمرين في كلا الدولتين وتفعيل الرحلات السياحية، وعلى إنشاء الصندوق التركي الروسي للاستثمارات المشتركة، وسيتم زيادة التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وبين أن بلاده كانت تستهدف إيصال حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى 100 مليار دولار، مؤكدا عزم بلاده على تحقيق هذا الهدف.

     وتابع: “سنمنح محطة أق قويو النووية وضعية الاستثمار الاستراتيجي، ونتخذ الخطوات اللازمة في هذا الخصوص، وأتفقنا على إنشاء الصندوق التركي الروسي للاستثمارات المشتركة، وسنزيد تعاوننا في مجال الصناعات الدفاعية.

التعاون الثقافي

     من جانبه أكد بوتين أن حكومة بلاده تعد برنامجًا لتكثيف التعاون الثقافي والتجاري بين البلدين لعام 2016، وتابع : ناقشنا إعادة إنعاش الرحلات السياحية من روسيا إلى تركيا التي توقفت لفترة، وطلبنا ضمانات أمنية وحصلنا عليها من تركيا.

     وأوضح بوتين، أنه سيتم الابتعاد عن البيروقراطية التي تعترض تنفيذ المشاريع الثنائية بين البلدين، مشيرا إلى أن موضوع الإعفاء من التأشيرة مرتبط بالعلاقات الاقتصادية ونحن جادون في رغبتنا بإلغائها.

نتائج الزيارة

     أكد عدد من الخبراء أنه من المنتظر أن تسهم هذه الزيارة في إعادة ترميم العلاقات المتصدعة بين أنقرة وموسكو التي توترت توتراً حاداً عقب إسقاط الطائرة الروسية شمال سوريا نوفمبر الماضي، ولكن ذلك يحتاج -بحسب محللين سياسيين- إلى مرونة في التعاطي مع الملفات الخلافية.

     ويرى المحللون أن اللقاء الذي جمع بين بوتين -أحد أهم حلفاء النظام- وأردوغان، -بوصفه أبرز حليف للمعارضة- قد يسفر عن مقايضة (تاريخية) بين الجانبين بشأن الملف السوري، ولاسيما في حلب التي باتت السيطرة عليها عنوانا للانتصار سواء للمعارضة أم للنظام.

     وحول الوضع في سوريا قال الرئيس الروسي: من المعروف وجود اختلافات في وجهات نظر الطرفين حيال حل الأزمة في سوريا، وقد اتفقنا بخصوص إيجاد تسوية بمشاركة وزراء خارجيتنا والاستخبارات، ولا يمكن التوصل إلى حلول ديمقراطية إلا بطرائق ديمقراطية، هدفنا واحد بشأن حل الأزمة السورية، وسنعمل من أجل إيجاد حل مناسب.

     من جانبه عبر الرئيس التركي عن شكره لنظيره الروسي على توجيهه الدعوة وحسن الضيافة، مؤكدا أن اللقاء كان مثمرا عقب فترة طويلة من التوتر الذي حصل بعد إسقاط المقاتلة الروسية.

وأكد أردوغان أن البلدين مصممتان على إعادة العلاقات كما كانت، بل تعمل على نقلها إلى أقوى مما كانت عليه.

منع التقسيم

     وفي هذا السياق قال رئيس مركز القدس للدراسات، المحلل السياسي عريب الرنتاوي: إن نتائج هذه القمة لن يكون له تأثير مباشر بشأن ما تشهده معركة حلب، أو حتى على الموقف التركي من الملف السوري عموما؛ إذ إن تركيا من الصعب عليها التفريط بحلفائها، في إشارة إلى فصائل المعارضة السورية.

     واستدرك الرنتاوي “إلا أن القمة قد تؤدي لدور تركي أكثر ليونة من النظام السوري، وستدعم التوجه لتبني خيار الحل السياسي. ورأى الرنتاوي أن التقارب التركي الروسي، سيسهم في منع تنفيذ مخطط لتقسيم سوريا، وهو ما قد يلبي الحد الأدنى للمطالب التركية، والمتمثل بمنع قيام كيان مستقل للأكراد شمال سوريا.

      وكانت أنقرة أعربت مرارا عن خشيتها من قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية شمال سوريا، بعد الانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب الكردية، وطلبت من موسكو وقف دعم الأكراد السوريين، وتحظى قوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الأكراد عمادها الرئيس، بدعم من واشنطن وموسكو على حد سواء.

مقايضة تاريخية

     من جانبه، رجّح المحلل السياسي والكاتب الصحفي فهد الخيطان أن تتم مقايضة تاريخية بين الطرفين، ستلتزم خلالها تركيا بوقف دعم المعارضة السورية مقابل التزام روسيا بالتوقف عن دعم المسلحين الأكراد والوقوف في وجه إقامة منطقة حكم ذاتي لهم شمال سوريا.

رسالة تحذير خطيرة

     من جهتها أبرزت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية, القمة التي جمعت الرئيسين الروسي ونظيره التركي, وقالت: إنها بعثت برسالة تحذير خطيرة للولايات المتحدة وأوروبا، وأضافت الصحيفة في تعليق لها, أن كلا البلدين يريد أن يظهر للولايات المتحدة وأوروبا, أنه ليس معزولا، وأن لديه خيارات أخرى، وهو ما من شأنه أن يثير قلق الغرب, بالنظر إلى أن تركيا عضواً في حلف الناتو؛ بينما تناصب روسيا الحلف العداء وتسعى لتفكيكه.

     وتابعت الصحيفة: تركيا تشعر بأن حلفاءها الغربيين فشلوا في دعمها بعد المحاولة الانقلابية في 15 يوليو، كما تنتقد بشدة تركيز العواصم الغربية على حملة التطهير التي تنفذها في صفوف المؤسسة العسكرية تحديدا. واستطردت الصحيفة  رغم أن العلاقات كانت متوترة للغاية بين أنقرة وموسكو منذ إسقاط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية في نوفمبر من العام الماضي, إلا أن بوتين لا يترك أي مشكلة بين دول حلف الناتو إلا ويستغلها؛ ولذا أعرب مرارا عن دعمه لأردوغان منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة.

قلق ألماني

     وفي هذا السياق أعربت وزيرة الدفاع الألمانية (أورسولا فون دير لاين)، عن أملها في ألا يؤدي تحسن العلاقات التركية الروسية لدرجة تصبح فيها موسكو حليفا أمنيا بديلا لأنقرة عوضا عن حلف الناتو، جاء ذلك في كلمة لها خلال زيارتها قاعدة (فريتزلار) الجوية، حيث لفتت إلى أنها على يقين أن تركيا تدرك أهمية حلف الناتو بالنسبة إليها، مضيفة أن أنقرة تعرف الطرف الذي تقف إلى جانبه (في إشارة إلى حلف الناتو).

     وأوضحت فون دير لاين، أن تركيا حليف في غاية الأهمية بالنسبة للناتو، وأنها أدت مهاما كبيرة في سبيل أمن التحالف خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أنه في حال تردد تركيا فإنها تستطيع التعرف على حلفائها الحقيقيين ومدى أهميتهم.

     تجدر الإشارة إلى أن التقارب التركي الروسي أثار الكثير من الجدل والقلق في القارة الأوروبية؛ حيث أكد وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير قبيل اللقاء المرتقب بين أردوغان وبوتين، على أن تركيا تعد حليفا مهما لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، معربا عن أمله في أنها ستواصل البقاء في موقعها هذا من الحلف، واصفا التقارب بالتطور الجيد، ومضيفا: لكنني لا أعتقد أن هذه العلاقة سترقى إلى درجة تصبح فيها روسيا حليفا أمنيا بالنسبة لتركيا.

 قلق أمريكي

     وفي السياق ذاته صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إليزابيث ترودو، بأن لقاء الرئيس التركي رجب طيب أرودغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لن يضعف علاقة تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذكرت ترودو في مؤتمر صحفي، أن اللقاء الذي جمع بوتين وأردوغان، لن يسبب شرخاً في العلاقات التركية الأمريكية.

السياسة العالمية

     من جانبه أوضح رئيس الاتحاد الروسي السابق (ميخائيل غورباتشوف) أن إعادة تفعيل الحوار بين تركيا وروسيا سينعكس بالإيجاب ليس على سياسة البلدين فحسب، وإنما على السياسة العالمية، جاء ذلك في تصريح غورباتشوف لوكالة (ريا نوفوستي) الروسية؛ إذ قال: أرى أن القرار الذي اتخذ من قبل الزعيمين أردوغان وبوتين للاجتماع سوية قرار صائب، والسير خطوة بخطوة نحو إعادة تفعيل الحوار أمر إيجابي بالنسبة إلى تركيا، وبالنسبة إلينا، وبالنسبة إلى السياسة العالمية أيضا.

      ولفت غورباتشوف الانتباه إلى أن توجه أردوغان نحو تحسين علاقات بلاده مع روسيا، ولاسيما في المرحلة الراهنة كان قرارا سياسيا صائبا.

- أخيرًا: كثيرة هي الدلالات والمؤشرات لهذه الزيارة التاريخية التي جاءت في وقت شديد الحساسية بالنسبة لتركيا والمنطقة بأسرها، والأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن كثير من التساؤلات والاستفهامات التي تركتها تلك الزيارة؛ ولعل أبرزها التساؤل حول سياسة تركيا الخارجية وعلاقتها بأوروبا وأمريكا على وجه الخصوص.!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك