رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 27 سبتمبر، 2016 0 تعليق

في سبيل اختراق المجتمعات الإسلامية- الصـوفية ترقــع ثوبهـا سياسـيا

المعتقد الصوفي يدور حول مجموعة من المعاني الوجدانية الغامضة الملفقة من فلسفات عدة لاتجمعها وحدة أو نسق مستقيم وما هو إلا تعذيب للنفس بترك المباحات إلى الإغراق في الشهوات المحرمة بغرض التزكية

ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب

يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي

أراد المنظرون الغربيون توظيف الطرق الصوفية في مواجهة الحركات الإسلامية باعتبارها الممثل الأساسي لغالبية مسلمي العالم

ينبغي على الدول الإسلامية الانتباه إلى هذا الخطر الذي من شأنه تقويض الدول الإسلامية من الداخل لصالح أعدائها كما حدث في عصور الضعف والانحطاط

شهد شهر أكتوبر 2013 تأسيس «المنظمة الصوفية العالمية » في فرنسا بمشاركة قادة الصوفية بتركيا وإيران وباكستان والمغرب والجزائر وتونس وليبيا

الصوفية أصبحت أحد أدوات الغرب في مواجهة الإسلام الأصولي لكونها أبعد عن التمسك بالقرآن والسنة وأكثر احتفاءً بالبدع والخرافات على مستوى الاعتقاد والممارسة السلوكية

تبنى الرئيس الروسي بوتين دعم الصوفية في الشيشان وعيّن واحدًا من المنتمين للطريقة القادرية رئيسًا وهو رمضان قديروف أحد أقوى حلفاء الكرملين في القوقاز الآن

 

من أهم أدوات الغرب في مواجهته للإسلام الأصولي هو دعم الحركات الصوفية والقبورية لكونها أبعد عن التمسك بالقرآن والسنة، وأكثر احتفاء بالبدع والخرافات على مستوى الاعتقاد والممارسة؛ مما يعطي صورة مشوهة ومنحرفة عن الإسلام، فضلا عما تلبست به الصوفية عبر التاريخ من نبذ الجهاد والتعاون مع المحتلين تحت دعوى أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، فضلا عن المعتقدات الجبرية التي تغلب على الفكر الصوفي.

من هنا فإنه ينبغي على الدول الإسلامية الانتباه إلى هذا الخطر الداخلي الذي من شأنه تقويض الدول الإسلامية من الداخل لصالح أعدائها، كما حدث في عصور الضعف والانحطاط التي امتلأت فيها الدول الإسلامية بالبدع والمحدثات والشركيات الصوفية فصارت لقمة سائغة في أيدي الجيوش الغربية في الحقبة الاستعمارية، كما ينبغي على العلماء والدعاة السلفيين وقادة العمل الإسلامي على مستوى العالم الانتباه لهذا المخطط ومداخله الفكرية والاجتماعية والعمل على نشر السنة ومواجهة هذه الانحرافات العقدية والتسامي فوق الخلافات الصغيرة لمواجهة هذا الخطر الداهم.

     وقد أرجع زكي ساريتوبارك -محاضر في قسم الدراسات الدينية بجامعة جون كارول- سبب التوتر في العالم الإسلامي إلى الصراع المستمر بين الوهابية والصوفية، ورأى ضرورة التحالف مع الطرق الصوفية في معركتها ضد الحركات المتطرفة، وتمثل مصدر الإغراء بالنسبة له في سعي المتصوفة للوصول إلى «الحقيقة» في مقابل مطالبة العلماء التقليديين بتطبيق «الشريعة» وهو ما يمثل نقطة التقاء مهمة مع الغرب، ورأى ساريتوبارك أن المكانة المرموقة للخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لدى النقشبندية تساعد على إقامة علاقة وطيدة بين الشيعة والمتصوفة؛ لأن شخصية علي مهمة جداً للمسلمين، ويمكن أن يمثل القاسم المشترك بخلاف السلفية التي تشن حرباً على المذهبين؛ ولأن السلفية شديدة التمسك بالأثر المتمثل في القرآن والسنة، كانت الخطة إعادة نفخ الروح في الأفكار الخرافية التي لا خطام لها ولا زمام، ولا سقف لشطحاتها؛ فكان هذا الشعار هو المرفوع عالميا بوضوح بعد أحداث 11 سبتمبر.

الصوفية.. إطلالة تاريخية

     لن نحتاج في هذه المقدمة إلى الغوص المعتاد في البقعة المظلمة حول كونه صوفاً أو صفاءاً أو صفة أو كونه مصطلحاً عربياً أصلاً أو غير ذلك؛ فيكفينا من عجائب هذا الفكر الغامض أن الباحثين عبر التاريخ أجهدوا أنفسهم في معرفة أصل تسميته أو على الأقل معناه؛ فلم يصلوا إلى شيء؛ مما ينبئك إما عن حالة من التخبط والعشوائية الشديدة في تكوين فكرة ومعتقد يدعي أصحابه أنه الفهم السليم للإسلام، ولعل من العجائب أيضاً أن هناك ما يشبه الاتفاق على أن البيئة الأولى التي ظهر فيها الفكر الصوفي في نهاية القرن الثالث الهجري كانت بيئة غير سنية على اختلاف بين كونها البصرة أم الكوفة؛ حيث المرتع الخصب لكل من أراد أن يدخل في دين الله ما ليس منه.

ما الصوفية؟

     العنت نفسه الذي تجده في تحرير معنى المصطلح، ستجده في التعرف على ماهية المعتقد الصوفي؛ إذ يدور حول مجموعة من المعاني الوجدانية الغامضة الملفقة من فلسفات عدة لاتجمعها وحدة أو نسق مستقيم؛ فشذوذ من هنا إلى نزق من هناك، وتعذيب للنفس بترك المباحات إلى الإغراق في الشهوات المحرمة بغرض التزكية، إشكالية ربما لا يحلها إلا العدد الذي لا يكاد يحصى للطرق الصوفية التي أدخلت إلى الثقافة العامة عبارة (كل شيخ وله طريقة)، التي تنبئك عن حالة من التشرذم في الاختيارات العقدية والسلوكية لا تقوم غالباً إلا على الهوى والتشهي.

     وبرغم هذا فإن الشائع عن الصوفية في الأوساط الإسلامية والغربية أنها طريقة لتهذيب النفس من خلال حرمانها من المباحات، والتأمل الفلسفي في حقائق الحياة والوجود، وربما كان مسؤولاً عن هذه الصورة الحالمة وجود بعض الزهاد الصالحين في بدايات عصور الفتوح الإسلامي وشيوع صور من الأمارة ومتع الدنيا التي لم تكن موجودة في الصدر الأول؛ مما دفع بعضهم إلى اعتزال هذه الفتن وتغليب جانب الزهد التزاماً به وتذكيراً للمسلمين، لكن تبقى هذه الحالات شديدة الفردية حتى إنها لتعد بالاسم على أصابع اليد الواحدة، وربما لا تخلو من مؤاخذات كتلك التي توجد عند أصغر درجة لزاوية الانحرافات.

البداية والظهور

     ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب، وظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:

الطبقة الأولى

     كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم مثل الجنيد بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار الجنيد وهو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة.

     ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة كثرة الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب؛ حيث حدث الالتقاء ببعضهم؛ مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم ؛ مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية.

الطبقة الثانية

     خلطت الزهد بعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء، والاتحاد، والحلول، والسكر، والصحو، والكشف، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية؛ مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن، ومن أهم أعلام هذه الطبقة: أبواليزيد البسطامي ت263هـ، ذوالنون المصري ت245هـ، الحلاج ت309هـ، أبوسعيد الخزار 277 286هـ، الحكيم الترمذي ت320هـ، أبوبكر الشبلي 334هـ.

الطبقة الثالثة

     وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف التي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية.

     ومن أشهر رموز هذه الطبقة: الحلاج ت309هـ، السهروردي 587هـ، ابن عربي ت638هـ، ابن الفارض 632هـ، ابن سبعين ت 667 هـ، الحـلاج: أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 309هـ ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي، ونشأ في واسط بالعراق، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجهت إليه:

1- اتصاله بالقرامطة.

2- قوله «أنا الحق».

3- اعتقاد أتباعه ألوهيته.

4- قوله في الحج؛ حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها.

البداية الفعلية للطرق الصوفية

     يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها؛ حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني، المتوفى سنة 561ه نسب إليه أتباعه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله -تعالى- من معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وتصرفه في الكون حياً أو ميتاً، فضلا عن مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة.

     ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه: «قدمي هذه على رقبة كل ولي لله»، وكان يقول: «من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له»، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية.

     كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ت 540هـ، ويطلق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وينسج حوله كتَّاب الصوفية - كدأبهم مع من ينتسبون إليهم - الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية..

     في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقب بالشيخ الأكبر، أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي.

- محيي الدين ابن عربي: الملقب بالشيخ الكبر 560-638ه رئيس مدرسة وحدة الوجود، يعد نفسه خاتم الأولياء، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله.

- أبو الحسن الشاذلي 593-656ه: صاحب ابن عربي، من أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656ه أبوالعباس ت686ه، وإبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي ت675ه، وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672ه.

وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية، وانتشرت الفوضى بينهم وبدأت مرحلة الدراويش.

     ومن أهم ماتتميز به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية، وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة، كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.

ظهور مصطلح الصوفية السياسية

     وفقا لمفهوم الكثرة العددية والتيار الغالب  أراد المنظرون الغربيون توظيف الطرق الصوفية في مواجهة الحركات الإسلامية باعتبارها الممثل الأساسي لغالبية مسلمي العالم؛ حيث أشارت الأرقام آنذاك إلى أن عدد الصوفية في العالم يبلغ 280 طريقة، منها 76 طريقة في مصر، و 40 طريقة في السودان، و 13 طريقة ليبيا في ونحو 30 طريقة في الجزائر، و20 طريقة في اليمن، فضلا عن الطرق المحلية في مختلف الدول؛ مثلت ظاهرة الصوفية العابرة للحدود مصدر إغراء للإستراتيجيين الغربيين في مواجهة التطرف، وعلى رأس هذه الطرق: القادرية، والرفاعية، والشاذلية، والنقشبندية، وغيرها من الحركات التي تتجاوز حدود الدول.

     وقد دفعت هذه الكثرة العددية وما اتسم به زعماء الطرق من ميل إلى التحالف مع السلطات السياسية في البلدان العربية إلى ظهور تيار : (الصوفية السياسية ) في مصر والجزائر واليمن والمغرب، من خلال إنشاء أحزاب صوفية كما حدث في مصر، أو من خلال دمج الطرق الصوفية في الهيئات الرسمية للحكم كما هو الحال في المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر أيضاً.

الجانب الأسيوي

     وعلى الجانب الأسيوي من العالم الإسلامي، يقوم السياسيون في باكستان باستمرار بزيارة الأضرحة الصوفية للتعبير عن روابطهم بالطرق الصوفية بوصفها قواعد دينية لشرعيتهم السياسية، على النقيض من الأفكار الجهادية التي يستند لها الإسلاميون عامة، وطالبان خاصة، أما إلى الشمال في شرق أوروبا، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الآخر قد فطن إلى تلك الآلية منذ زمن، وتبنى دعم الصوفية في الشيشان لمواجهة مسلحيها الإسلاميين، بل وعيّن واحدًا من المنتمين للطريقة الصوفية القادرية رئيسًا لجمهورية الشيشان، وهو رمضان قديروف، وهو أحد أقوى حلفاء الكرملين في القوقاز الآن، الذي يستخدم علاقاته بالطرق الصوفية لتعزيز سياسات الانفتاح على روسيا ونبذ دعاوى التطرف والاستقلال معًا، وهو الذي قام منذ أيام برعاية مؤتمر الصوفية والأشاعرة في جروزني بهدف إعادة تعريف مصطلح أهل السنة والجماعة وجعله قاصراً على الأشاعرة والماتريدية وإخراج السلفيين من هذه الدائرة، ومحاولة استعداء الدول الإسلامية ضد السلفية والوهابية في مظهر استقطابي واضح يتنافى مع ما يظهره المؤتمرون من محاولة جمع شمل الأمة.

الاهتمام الغربي بالصوفية

     ما فعلته روسيا في القوقاز جاء سابقاً بخطوة للتوصيات البحثية الغربية العديدة التي ظهرت في أوروبا وأمريكا بعد 11 سبتمبر حين تصورت أن التصوف يمكن أن يكون الطريق الأمثل والأفضل بالنسبة لها للإسلام قياسا على التجربة التركية الحديثة التي قامت على  طريقة صوفية هي النقشبندية التي في النهاية أنتجت حزب الرفاه، وأنتجت حزب العدالة والتنمية الذي يحكم في تركيا الآن، وقياسا على ذلك رأت أميركا أن بإمكان الصوفية أن توائم ما بين الإسلام والقيم الديمقراطية وبين التصور العلماني في فضائه الواسع، ومن ثم احتضنت هذا التصور بناء على توصيات المراكز البحثية العديدة مثل راند وكارنيجي ونيكسون،  ومعهد الولايات المتحدة للسلام منذ عام 2001 وما تلاه، وهو الدور الذي جاء استكمالاً لما كان يقوم به المستشرقون قبل عقود من التفتيش في التاريخ والتراث الإسلامي لإفادة الغرب بكل ما من شأنه الطعن في الإسلام وتقويض سلطانه.

عبد الوهاب المسيري

     يقـول البـاحث د. عبد الوهاب المسيـري -رحمه الله-: ممـا له دلالـته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية. ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين ابن عربي وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي.

     وهذا التلخيص من الدكتور المسيري يؤكده تتبع الدراسات المتتالية الصادرة عن المراكز البحثية الغربية والفعاليات والهيئات التي أنشئت بناء على توصياتها.

تحالف استراتيجي

     ففي عام 2002، أصدرت مؤسسة (راند) دراسة دعت فيها إلى تأسيس تحالف استراتيجي مع الصوفية لمواجهة التطرف الديني في العالم الإسلامي، تلاها استضافة مركز (نيكسون) مؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن لاستكشاف دور الصوفية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

     وفي شهر أكتوبر 2003 استضاف مركز (نيكسون) في واشنطن مؤتمر برنامج الأمن الدولي لاستكشاف مدى دور الصوفية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

     كان الغرض من الاجتماع تعريف صناع القرار في الإدارة الأمريكية بالدور الذي يمكن أن تمارسه الطرق الصوفية في الحقل السياسي، إلا أن الحديث تحول إلى مناقشة آليات القضاء على الفكر: الوهابي-السلفي الذي تمثله المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال تنشيط الحركات الصوفية واستخدامها في مواجهة هذا الفكر الذي نسبت إليه جميع الحركات الإرهابية في العالم الإسلامي.

التحالف مع الطرق الصوفية

     وفي السياق نفسه أرجع (ساريتوبارك) -محاضر في قسم الدراسات الدينية بجامعة (جون كارول)- سبب التوتر في العالم الإسامي إلى الصراع المستمر بين الوهابية والصوفية، ورأى ضرورة التحالف مع الطرق الصوفية في معركتها ضد الحركات المتطرفة، وتمثل مصدر الإغراء بالنسبة له في سعي المتصوفة للوصول إلى الحقيقة في مقابل مطالبة العلماء التقليديين بتطبيق (الشريعة) وهو ما يمثل نقطة التقاء مهمة مع الغرب.

على قائمة الزيارات

     وسار الباحث الأمريكي (ستيفن شوارتز) على نهج سابقيه؛ حيث حض المسؤولين الأمريكيين على: «تعلم المزيد عن الصوفية، والتعامل مع شيوخها ومريديها، والتعرف على ميولها الأساسية »، مضيفاً: «يجب على أعضاء السلك الديبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من (بريشتينا) في كوسوفو إلى (كشغر) في غرب الصين، ومن (فاس) في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا (جاكرتا) أن يضعوا الصوفيين المحليين على قائمة زياراتهم الدورية.

     وهذا عين ما التزمه كل من (توماس رايلي) السفير الأمريكي في المغرب ونظيره في مصر (فرانسيس ريتشارد دوني)، من التقرب من رموز الطرق الصوفية عام 2006؛ حيث شارك (دوني) أهالي مدينة طنطا بمصر احتفالاتهم بمولد السيد البدوي، وفي الفترة نفسها حضر (توماس رايلي )احتفال المولد النبوي الذي أحيته الطريقة القادرية البودشيشية، التي شهدت انتشارًا واسعاً في السنوات الأخيرة بين الأطر العليا في المغرب.

عقول وقلوب ودولارات

     وفي تقرير نشرته مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) الأمريكية بعنوان (عقول وقلوب ودولارات) نشر عام (2005م) يقول التقرير في إحدى فقراته: «يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة، وبينما لا يستطيع الرسميون الأمريكيون أن يُقِرُّوا الصوفية علناً، بسبب فصل الدين عن الدولة في الدستور الأمريكي، فإنهم يدفعون علناً باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية، ومن بين البنود المقترحة هنا: استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها)

فاعليات وتحركات غربية

     شهد شهر أكتوبر 2013 تأسيس (المنظمة الصوفية العالمية) في فرنسا بمشاركة قادة الصوفية بتركيا وإيران وباكستان والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، وقال أحمد التسقياني عضو «المجلس الصوفي الأعلى: إن المنظمة سوف يكون لها دور محوري في الدول الإسلامية كافة؛ لأنها سوف تعمل على محاربة الأفكار المتطرفة التي أنتجتها التيارات السلفية على مدار سنوات كاملة استغلت فيها هذه التيارات الجهل الذي يتمتع به غالبية الشباب المسلم.

فاعليات وتحركات عربية

     بناءً على التوصيات الغربية بجعل التحركات العربية هي رأس الحربة في دعم الصوفية وإحيائها بدأت عملية التحشيد السياسي للطرق الصوفية العابرة للحدود؛ حيث عقد المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية في شهر أبريل 2003 بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، وأعلن في العراق تأسيس (الأمانة العليا للإفتاء والتدريس والبحوث والتصوف الإسلامي) يناير 2004، وعقد في شهر سبتمبر من العام نفسه المؤتمر الأول لمجموعة (سيدي شيكر العالمية للمنتسبين إلى التصوف) تحت رعاية حكومية، تبعه المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب أفريقيا في شهر ديسمبر 2004، في حين أقامت الجماهيرية الليبية مؤتمرًا دولياً سبتمبر 2005 بعنوان: «الطرق الصوفية في أفريقيا: حاضرها ومستقبلها، وفي عام (2003م) شهدت مدينة (الإسكندرية) في الفترة من (18 ـ 21) إبريل المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية بمدينة الإسكندرية وقد انعقدت جلسات المؤتمر بمكتبة الإسكندرية برعاية جهات دوليةومحلية، وفي سبتمبر من عام (2004م) تم افتتاح الأكاديمية الصوفية بمصر .

     وفي 9/1/2004م أعلن في العراق عن تشكيل «الأمانة العليا للإفتاء والتدريس والبحوث والتصوف الإسلامي» التي من أهدافها «إنشاء المدارس الدينية ودعم الطرق الصوفية».

     وفي ديسمبر من عام (2004م) أقيم في عاصمة مالي (باماكو) المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب أفريقيا تحت شعار: (التصوف أصالة وتجدد). 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك