رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد عبدالحميد عنوز 18 أبريل، 2016 0 تعليق

في زيارة تاريخية لمصر- الملك سلمان يؤسس لشراكة سياسية واقتصادية وأمنية بين البلدين

الملك سلمان: زيارتي تأتي لتعزيز العلاقات التاريخية بين السعودية ومصر؛ فالمملكة حكومةً وشعباً تقف بجوار شقيقتها في مواجهة كل ما يحاك ضدها

الهواري: لو اجتمعت مصر مع بلاد الحرمين كتفا بكتف على منهج أهل السنة والجماعة فإن هذا سيغير خارطة المنطقة، وتكون بداية انطلاقة لخير المسلمين في بلاد الأرض

أتت زيارة الملك سلمان لمصر في سياق تاريخي حساس واستكمالاً لتطور كبير في السياسة الخارجية السعودية التي شارك الملك سلمان في صياغتها وتنفيذيها

 

     في ظروف عصيبة تمر بها الأمة العربية والإسلامية، ألقت بظلالها الكئيبة على المنطقة شرقًا وغربًا، أتت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر لتبعث في النفوس أملاً، بإمكانية تغيير المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة التي شهدت تساقطاً لأوراق كثيرة من قوة الدول العربية وعافيتها، بدءًا بالعراق مرورًا بسوريا ولبنان وليبيا انتهاء بالأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها مصر.

استقبال حافل

     وقد وصل العاهل السعودي إلى القاهرة، مساء الخميس 7 إبريل 2016، تلبية لدعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في زيارة رسمية استمرت خمسة أيام، لتعزيز العلاقات بين البلدين، وأتت مراسم الاستقبال الخاصة التي تم ترتيبها لهذه الزيارة التي تعد الأولى لمصر بعد توليه الحكم لتعكس حجم الترحيب الكبير والحفاوة الشديدة من الإدارة المصرية للملك.

أرفع وسام مصري

وتقديرًا لهذه الزيارة أهدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العاهل السعودي الملك سلمان (قلادة النيل)، وهي أرفع وسام مصري، وقال السيسي: إن هذا الإهداء يأتي «تعبيرًا عن مشاعر الإخاء والإعزاز والمحبة التي تكنها مصر للملك حكومة وشعبًا».

محبة وتقدير

     من جانبه عبر العاهل السعودي في كلمته عن عمق محبته وتقديره لمصر ومكانتها في المنطقة، وعن عمق العلاقات المصرية السعودية وضرورتها التاريخية والجغرافية؛ حيث قال: زيارتي تأتي لتعزيز العلاقات التاريخية بين السعودية ومصر، وأضاف: إن «المملكة العربية السعودية حكومةً وشعباً تقف بجوار شقيقتها مصر في مواجهة كل ما يحاك ضدها».

تحديات وهموم مشتركة

أتت زيارة الملك سلمان لمصر في سياق تاريخي حساس واستكمالاً لتطور كبير في السياسة الخارجية السعودية التي شارك الملك سلمان في صياغتها وتنفيذيها وقت أن كان وزيرًا للدفاع ووليًا للعهد في ولاية الملك عبد الله.

     وبعد أن تمت مبايعة الملك سلمان، ملكاً للمملكة العربية السعودية، في 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 23 يناير 2015م، كانت التحديات في المنطقة قد وصلت إلى ذروتها ولاسيما التهديد الكبير الذي مثله التوغل الحوثي في اليمن مدعومًا من إيران، الذي استهدف تطويق السعودية ومصر والخليج والسيطرة على باب المندب، ذلك بعد أن تعاظم التوغل الإيراني في العراق بعد سقوطه، وكذلك في سوريا ولبنان، ثم السعي في زعزعة استقرار الخليج العربي ومحاولة الغزو الثقافي والسياسي لمصر.

اتفاقيات اقتصادية كبرى

     لم تكن الزيارة مجرد زيارة عادية أو بروتوكولية، وإنما حفلت بالعديد من الفعاليات القوية، وشهدت توقيع عدد من الاتفاقات السياسية والاقتصادية غير المسبوقة التي تعكس قدر الحرص على تحويل الاتفاق في الهموم والرؤى إلى واقع حقيقي ملموس بالنسبة لأبناء الأمة الإسلامية عموما ولأبناء البلدين الشقيقين خصوصا؛ حيث تم توقيع اتفاقيات اقتصادية بين البلدين بحجم ٢٥ مليار دولار؛ حيث سيتم توجيه ١.٧ مليار دولار لتنمية سيناء وإقامة عدد من المشروعات الصناعية والسكنية والخدمية بها لدعم عمق الأمن القومي المصري والسعودي.

 ترسيم الحدود

     ومن أبرز ما تم الاتفاق عليه في هذه الزيارة التاريخية ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية؛ بحيث يشمل الاتفاق تحديد تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في مدخل خليج العقبة اللتين تمثلان نقطة مهمة في عمق الأمن القومي المصري والسعودي ونقطة تماس مع الكيان اليهودي.

     فضلا عن ترسيم الحدود؛ حيث تم الاتفاق على إنشاء جسر بري يربط مصر بالملكة وهو مشروع قديم حان الوقت لتنفيذيه بما يعود بالخير على البلدين؛ حيث سيرفع التبادل التجاري بين البلدين، وسيكون منفذًا دوليا للمشاريع الواعدة، ويربط بين شبه جزيرة سيناء وشمال غرب المملكة، بطول من 7- 10 كيلومترات فوق الماء، والجسر سيشمل خط سكك حديدية لقطار شحن، ويوفر البضائع الخليجية والأوروبية أيا ما كانت تستغرقها للوصول إلى مصر ومنها إلى الدول الأوروبية.

     ومن المتوقع أن يصل عائد التجارة من إنشاء الجسر البري بين البلدين إلى 200 مليار دولار سنويا، مشيرا إلى أن الجسر سيكون أول رابط بين عرب آسيا وأفريقيا، وكان الرئيس السيسي قد اقترح تسمية الجسر بجسر الملك سلمان تقديراً لجهوده ودوره في إنفاذ هذا المشروع.

الملك سلمان في الأزهر

     كما زار الملك سلمان الأزهر، في زيارة هي الأولى من نوعها، للقاء فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر؛ حيث وضع الدكتور أحمد الطيب وخادم الحرمين الشريفين حجر الأساس لمدينة البعوث الإسلامية الجديدة، بالتجمع الخامس التى تقيمها المملكة للطلاب الوافدين الدارسين فى جامعة الأزهر، قرر الملك سلمان استكمال المرحلة الثانية لمدينة البعوث الإسلامية الجديدة على نفقته.

زيارة تاريخية للبرلمان

     وللمرة الأولى تاريخياً، ألقى الملك سلمان خطاباً أمام مجلس النواب، وهو أول حاكم عربي يلقي بيانًا أمام برلمان مصري؛ إذ لم يسبق أن ألقى رئيس دولة أخرى خطابا أمام البرلمان، واقتصرت مشاركة رؤساء الدول على حضور جلسات البرلمانات السابقة؛ مما يعكس حجم الرغبة لدى الجانبين في تطوير العلاقات السياسية والوصول بها إلى ذروة التنسيق والتعاون المشترك.

ترحيب شعبي كبير

     شغلت الزيارة التاريخية حديث المصريين لأيام عدة كونها تأتي في وقت يشعر فيه الجميع بخطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، ولم تخل أحاديث قيادات الدعوة السلفية بمصر من الاهتمام بالزيارة وما فتحته من أبواب للأمل؛ حيث وصف الشيخ شريف الهواري رئيس المكتب التنفيذي بالدعوة السلفية الملك سلمان بأنه (سلمان الخير)، وأردف: أنه قد ساقه الله في فترة عصيبة وقت تخطيط الدولة الصفوية بمعاونة الغرب للسيطرة على المنطقة بعد أن كسرت لبنان وسوريا والعراق، ثم المكيدة لتطويق بلاد الحرمين ومصر من خلال السيطرة على اليمن وباب المندب في خطة مدروسة وسط تراخ من الحكام العرب إلى وقت قريب حتى جاء سلمان الحزم وبتوفيق من الله تصدى لهذه المخططات بعد قراءته للمشهد، وقرب علماء السنة، وجعلهم أهل مشورته؛ وهذا مما يستبشر به خيرا، وهذا مما يشكر عليه؛ فجزاه الله خيرا.

     وأضاف: إن هذه الزيارة لمصر تأتي في وقت عصيب؛ فمصر حصن الحصون، وشوكة في حلق الشعوبيين، ولو اجتمعت مع بلاد الحرمين كتفا بكتف على منهج أهل السنة والجماعة فإن هذا سيغير الخارطة على الأرض، وتكون الزيارة بداية انطلاقة لخير المسلمين في بلاد الارض؛ فنبارك هذه الزيارة ونرجو أن تتكرر، وتؤتي ثمارها إن شاء الله.

أبعاد ودلالات الزيارة

جاءت هذه الزيارة لتعلن للعالم تضامن القيادتيْن العُظمييْن في العالم العربي (السعودية والمصرية) لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد العربية؛ لذلك فهذه الزيارة لها دلالات وأبعاد من أهمها:

- دحض الشائعات، وإخراس الألسنة التي تشكك في قوة العلاقات السعودية المصرية ومتانتها.

- إفشال مخطط التقسيم والتفتيت بالتنسيق بين الدولتيْن، ومواجهة الخطط الرامية إلى ذلك.

- دعم التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين؛ حيث أعلنت القيادة السعودية أنّ أمن مصر من أمن الخليج، وإعلان القيادة المصرية أنّ أمن الخليج العربي خط أحمر، وأمنها من أمن مصر.

- التعاون الاقتصادي والاستثماري لدعم اقتصاد مصر، وتحوّل السعودية من مُموِّل لمشروعات استثمارية في مصر إلى شريك يُسهم بخبراته في التخطيط والتنفيذ.

     أخيرًا، فلا شك أن البلدين مصر والسعودية تجمعُهما الكثير من القواسم والمصالح المشتركة، والقواعد التي تحكم وتُنَظِّم العلاقة بينهما، وإذا كان هناك اختلاف أحياناً أوعدم اتفاق كامل في بعض الملفات؛ فإن هذا لا يمنع وجود توافق على المشهد العام والأهداف العريضة والخطوط الأساسية والمصالح المشتركة، والعمل بنظام وثيق لتحقيق مصالح مشتركة يتصدرها الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط التي تعصف بها الحروب والفتن والصراعات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك