رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عرض: فيصل المطيري 26 مارس، 2012 0 تعليق

في دراسة حول المؤثرات في تربية الطفل: الإعلان التلفزيوني يحمل دلالات عميقة تشوش تصورات الأطفال ومفاهيمهم

 

العلاقة القائمة بين الأطفال والتلفاز تستند إلى مجموعة من العوامل أهمها: ساعات المشاهدة وحجم التعرض وخطورة التأثير

الطفل مطبوع على محاكاة ما قد يراه من شخصيات على الشاشة، والعبرة هنا بنوع القدوة التي يحتذيها الطفل نموذجاً ومعلماً في الفكر والشكل والسلوك.

تأتي خطورة غرس مثل هذه القيم عند الإناث أولاً، مع ما تعنيه هذه المصطلحات «الحرية، الانطلاقة، الجمال والقبول من الآخرين» على قيمهم


في مجال الدراسات العلمية التي تتعلق بالمؤثرات التي تسهم في تربية الطفل في العصر الحديث قام الدكتور محمد بن علي السويد عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام كلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بإجراء دراسة تحليلية تقويمية لعينة من إعلانات قنوات الأطفال المتخصصة، وقد حدد الدكتور قناة «سبيس تون» نموذجاً، وذلك لمحاولة تشخيص صورة الطفل في الإعلان التلفزيوني وعلاقتها بالقيم الاجتماعية والتربوية.

        ويبدأ الباحث الدكتور محمد في بداية دراسته التي عنون لها بالعنوان التالي: «صورة الطفل في الإعلان التلفزيوني» بمقدمة يبين فيها أن العلاقة القائمة بين الأطفال والتلفزيون تستند إلى مجموعة من العوامل أهمها: ساعات المشاهدة وحجم التعرض، وبروز ثقافة الصورة ودلالتها، وخطورة التأثير التراكمي للمضمون التلفزيوني.. فإذا أضيف إلى ذلك ضعف ارتباط الطفل المعاصر بمؤسسات التنشئة التقليدية، يمكن إدراك مدى عمق التأثيرات الاجتماعية والتربوية للثقافة التلفزيونية، ومن بين المضامين التلفزيونية المؤثِّرة على الأطفال: المضمون الإعلاني التلفزيوني، المتجذر في الصناعة التلفزيونية والممول الأساسي لها، وهذه خاصية مهمة للإعلان التلفزيوني، أما الخاصية الأخرى فهي أن التلفاز وسيلة مناسبة لعرض الإعلانات، مما يكسبه خاصية إعلامية تساعد على نجاحه وإقبال الناس على مشاهدته

        ويضيف الدكتور بأنه وفي إطار جاذبية الإعلان التلفزيوني بالنسبة للطفل توصف الإعلانات في القنوات الغربية والأمريكية تحديداً بالممتعة في حد ذاتها؛ «لأنها تقدم معلومة ثقافية وتوعوية وفكاهية تجعل متابعتها جزءاً من نمطية المشاهدة التلفزيونية، وتزداد هذه المتعة بأشكالها المتعددة عندما يكون الإعلان موجهاً للأطفال»، بيد أن التسليم بمشاهدة معلومة ثقافية وتوعوية في الإعلان التلفزيوني الأمريكي يقابلها إفادة تقرير «سالي ويليماز» بأن الطفل في سن الروضة، يكون قد تعرض لمشاهدة (65) ألف إعلان تجاري، كان فيها الهدف الرئيس لحملة إقناع ملأى بالغش والخداع والوهم والوعود بالقوى الخارقة. وحصيلة الرقم السابق غير مبالغ فيها إذا قورنت بما يتعرض له المراهق الفرنسي بما لا يقل عن (7) آلاف إعلان تلفزيوني سنوياً.

تحليل الرسائل الإقناعية

        ويضيف الدكتور السويد لقد زاد من حجم تعرض الطفل السعودي – والعربي عموماً – للإعلانات التلفزيونية ظهور محطات متخصصة للطفل تتضمن برامجها – بدرجات متفاوتة- إعلانات تجارية، لتضيف إلى معدل المشاهدة الإعلانية لدى الطفل مستوى أعلى، بجانب ما يتعرض له من إعلانات تتخلل برامج الأطفال وغيرها في القنوات التلفزيونية العامة، الأمر الذي دفع أحد أساتذة الإعلام في المملكة إلى تقدير تكرار ما يتعرض له الطفل من إعلانات المحطات المتخصصة والعامة بمعدل يوازي (50) إعلاناً يومياً (أي أنه يتعرض لما يقرب من (18.000) إعلان سنوياً، ولأن الأطفال دون سن (8) سنوات غير قادرين على تحليل الرسائل الإقناعية التي تحملها تلك الإعلانات فإنهم يصبحون أهدافاً سهلة لها).

        وحول أهمية الدراسة يذكر الباحث أنها تأتي محاولة لرصد معالم أحد أهم العناصر الإعلانية وأكثرها قرباً من الطفل المتلقي، وهي (شخصية الطفل) الظاهر في الإعلان، فهذه الصورة هي الأقرب إلى لفت انتباهه وجذب اهتمامه لمتابعة معالم الشخصية الإعلانية ونداءاتها، وهو غير مدرك – في الغالب – أن هذه الصورة غير واقعية، أو مدفوعة – أحياناً – بمغزى اقتصادي غير منضبط بالمعايير الاجتماعية والتربوية الإيجابية، وهنا مكمن الخطورة على تصورات الطفل ووعيه السليم، على ضوء ما يراه من نماذج طفولية على الشاشة التلفزيونية، تعكس من جانبها قيماً وسلوكيات وأذواقاً متباينة.

        أما عن علاقة صورة الطفل في الدراسة بالقيم التربوية والتنشئة الاجتماعية، فلأن الطفل – كما أشير في المدخل – مطبوع على محاكاة ما قد يراه من شخصيات على الشاشة، والعبرة هنا بنوع القدوة التي يحتذيها الطفل نموذجاً ومعلماً في الفكر والشكل والسلوك.

 مشكلة الدراسة:

وحول مشكلة الدراسة يرى الباحث أنه يمكن صياغة مشكلة الدراسة بأنها:

         دراسة تحليلية تقويمية تستهدف رصد معالم صورة الطفل في إعلانات قنوات الأطفال المتخصصة، حيث تتركز هذه المعالم – من وجهة نظر الباحث – في محورين أساسيين يشكلان معاً صورة الطفل الإعلانية، هما:

- المحور الأول: سمات الطفل؛ حيث تم التعرف على هذه السمات الشكلية والموضوعية بالوقوف عند فئات عمره وأدواره الإعلانية، وجنسيته، وجنسه، ولغته، ونوعيات ملابسه، وأبرز ملامحه. ومن خلال هذا المحور سعت الدراسة إلى وصف الطفل المُستَخْدم في الإعلان من حيث مكونات هيئته الشكلية، وما ترمز إليه من إيحاءات وأذواق عبرت عنها صورة الطفل الظاهر في الإعلان.

-  المحور الثاني؛ يشمل سلوكيات الطفل: يتطلب التعرف على القيم التي تعكسها الإعلانات التلفزيونية، فرز نوعيات السلوكيات العامة التي يمارسها الطفل في المشاهد الإعلانية التي تجسد في النهاية قيماً إيجابية أو سلبية، سعى الإعلان – بشخصياته – إلى غرسها أو تعزيزها في أذهان الأطفال المشاهدين. وباختصاص هذا المحور بدراسة السلوكيات والقيم التي عبَّر عنها الطفل، تشكلت صورته في الإعلان التلفزيوني كما استهدفتها الدراسة.

 التأثير النفسي للإعلانات على الأطفال

        ويتحدث الدكتور السويد عن التأثير النفسي للإعانات على الأطفال فيقول: تمثل الاستجابة للإعلان التجاري هدفاً استراتيجياً للمعلن، يلخص غاية أهداف الإعلان الأخرى، ويتوج أداءه الإقناعي.. وإذا كان تأثير الإعلان التلفزيوني على استجابات المستهلك البالغ أمراً محتملاً، فإنه على سلوكيات الأطفال أكثر احتمالاً، مع العلم أن افتراض مماثلة استجابة الأطفال للإعلانات بطريقة استجابة الكبار، موضع بحث في الدراسات الحديثة، حيث بدا أن للأطفال استجابة على نحو مختلف عن الكبار، تجاه الرسائل الإعلانية.

        وربطاً بالتأثير التراكمي للإعلان فإن الأهداف الإعلانية قد لا تترجم بالضرورة «إلى سلوك شرائي أو تأثير سلوكي فوري، بل تنطوي على عمليات نفسية قد يكون لها أثر سلوكي طويل الأجل».

        ويمكن القول إن المشاهدة الإعلانية قد تؤثِّر على نفسية الأطفال سلباً، ولاسيما إذا استطاع الإعلان رفع طموحات أبناء الأسر غير المقتدرة مادياً أو أحجمت الأسر المقتدرة عن تلبية رغبات أطفالها الشرائية على ضوء ما شاهدوه في الإعلانات، وفي الحالين فإن الإعلان التلفزيوني متهم بالتأثير على العلاقات الأسرية، حيث يحتمل تحول حالتي الشعور بالإحباط أو الحرمان لدى الأبناء إلى شكل صراع داخل الأسرة الواحدة، وتفسير ذلك نفسياً أن الإعلانات توهم الأطفال بأن السعادة في تمّلك أو استهلاك بعض مواد الإعلان «وأن الوالدين اللذين يحبان أطفالهما هما اللذان يندفعان لشراء ما تعرضه الإعلانات، وهكذا يرتبط الإعلان بالمشاعر» الطفولية ويلهب عواطفها، وقد يضغط على علاقتها الأسرية.

القيم العامة في سلوكات الأطفال

وهنا يستعرض الباحث نتائج دراسة بعض القيم العامة، كما عبَّر عنها أطفال الإعلانات في سلوكياتهم:

        وقد حرص الباحث في تحليله لمضمون إعلانات القناة ملاحظة وجود ما يرمز إلى عينة مختارة من القيم العامة ذات الأبعاد الاجتماعية والتربوية، من خلال استبطان أداء الأطفال لأدوارهم الإعلانية سواء تم التعبير عن هذه القيم باللفظ الدال عليها أم بالسلوكيات والإشارات والرموز، وينوِّه الباحث أن استخلاص القيم الإعلانية مطلب مستهدف من دراسة سلوكيات الأطفال وتحركاتهم وسماتهم في إعلانات القناة، لكن الباحث رأى جدوى قصدية تخصيص جزء من الاهتمام التحليلي لمدى وجود مجموعة من القيم الأساسية، من منطلق أن المضمون الإعلاني جزء من المضامين الإعلامية المعنية بغرس القيم الإيجابية والسلبية وأن سلوكيات التنشئة الاجتماعية والتربوية لا تنفك عنها وتدور في رحاها، فإذا كانت الرسالة الإعلانية موجهة أصلاً إلى الطفل، تكون هذه القيم الموجهة للسلوك العام على قدر كبير من الأهمية والتأثير على حد سواء، وقد حدد الباحث قبيل بداية التحليل سبع فئات قيمية رآها الأولى بالرصد والتسجيل هي: القرابة، والنظافة، والتفوق العلمي، والصداقة والزمالة، وما يعبر عن القيم الدينية، والصحة، والوطنية، ثم لاحظ أثناء تحليل الإعلانات إضافة ثلاث قيم أخرى رصدت في إعلانات الدراسة هي: الجمال والقبول من الآخرين، والرياضة، والحرية والانطلاقة.

 علاقة الرسالة الإعلانية

        والحقيقة أن الباحث – هنا – غير مهتم بالضرورة باعتبارات القياس النسبي والعددي لمستوى حضور هذه القيم، لأن طبيعة إعلانات القناة وإنتاجها وشخصياتها وسلعها لا تتيح بلوغ ذلك بأرقام دالة، إنما المهم لديه في هذا المقام هو الإشارة إلى علاقة الرسالة الإعلانية بالقيم الأساسية، وأنها يمكن أن تحتوي منها على المفيد والضار من خلال سلوكيات معبِّرة عنها أو حاثة عليها يؤديها أطفال الإعلانات.

        وبينت النتائج أن عدد مرات تكرار القيم العشر بلغ (37) تكراراً، وقد توزع ظهورها على ثلث إعلانات القناة، وهذا مؤشر مهم على استحضار هذه القيم البنائية لدى القائمين على إنتاج إعلانات الأطفال، وأنها يمكن أن تكون أعلى حضوراً وأبلغ تجسيداً في إعلانات أخرى ذات مواصفات مغايرة مما هو عليه حال إعلانات الدراسة. وقد تراوحت نسب فئات القيم العامة في الحضور النسبي، فالتفوق العلمي 7.4%، والصداقة والزمالة 7.4%، والرياضية 6.3%، والقرابة 4.2%، والنظافة والصحة لكل منهما 2.1%.

تشويش التصورات

        وقد لاحظ الباحث أثناء تحليله أن القيم الدينية 2.1%، والوطنية 2.1% تحديداً أقرب ما تكون إلى الإعلانات غير الأجنبية وهي في الغالب عربية الإنتاج محلية التوجّه، في حين أن قيماً مثل الجمال والقبول من الآخرين 4.2%، والحرية والانطلاقة 2.2% هي الأقرب إلى الإعلانات الأجنبية، وإشكالية القيمتين الأخيرتين – على محدوديتهما – أنهما يتوجهان بالخطاب إلى الطفلة، وهنا تأتي خطورة غرس مثل هذه القيم في أذهان الأطفال الإناث أولاً، مع ما تعنيه هذه المصطلحات «الحرية، الانطلاقة، الجمال والقبول من الآخرين..» من دلالات عميقة قد تشوش على تصورات الأطفال ومفاهيمهم من الجنسين، وهو ما يخشى معها بالتالي أن تكون لها الأولوية والاهتمام في السلم القيمي لطفل الحاضر ومواطن المستقبل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك