في الصميم (عمر الأربعين والخمسين)مرحلة منتصف العمر… خصائص ومستجدات
قالوا عنها هي أزمة في حياة الإنسان عندما يدخلها ويصبح في أواسطها، هكذا صوروها لنا في كتبهم وتنظيراتهم، بينما في حقيقة الأمر هي من أروع المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان؛ لأنهاالنضج والتعقل والاستيعاب والتفهم، ومرحلة التقييم والتقويم للنفس، ومرحلة التصفية للعلاقات مع الآخرين، ومرحلة المراجعات بل هي الجرأة بعينها، فما عجز عن اتخاذ قرار في وقت شبابه، فإنه في هذه السن ومعه النضج عنده من الجرأة الواسعة لاتخاذ القرار نفسه في هذا العمر، وعنده من المنطق والمسوّغات التي ينافح بها ويدافع عن قراراته غير آبه بنظرة المجتمع له! فهي مرحلة الانسلاخ من الأقنعة التي لبسها طوال شبابه الماضي، مرحلة منتصف العمر، مرحلة النضج والوعي والنظر للأمور من زواياها الأربع، هي مرحلة التجديد في كل شي، مرحلة الأقوى والأكثر اتزانا تجاه كل شي نتيجة الخبرات المتراكمة.
الملامح والخصائص
إن هذه الملامح والخصائص كثيرة ومتعددة وتتفرد بها هذه المرحلة، بل إن هذا العمر يحمل في طيّاته مفارق طرق كثيرة، قد يتفاجأ بها الإنسان نفسه، ولا نعني أن كل السمات والصفات التي ذكرناها ونذكرها في شخصية الأربعيني والخمسيني أنها بالضرورة موجودة جميعها في كل شخص قد بلغ هذا العمر؛ فقد تتفاوت من شخص إلى آخر؛ فبعضهم تظهر عليه ملامح هذه المرحلة مبكرا في السادسة والثلاثين والثمانية والثلاثين وبعضهم الآخر لا تبدو عليه إلا بعدما تنتصف المرحلة، وقد تمر على بعضهم لطيفة خفيفة مريحة، وقد يكون منتصف العمر مثقلاً بالملامح ذات الوزن الخصائصي الثقيل؛ فيستشعرها ويعيشها وهي حاضرة فعّالة في المشاهد التفصيلية من حياته كافة وبملاحظة الآخرين الذين يتعامل معهم!.
القرارات مفاجئة
إن من الملاحظ في هذا العمر (الأربعين والخمسين) أن القرارات تأتي في كثير من الأحيان مفاجئة للناس من حوله وللمجتمع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في هذه المرحلة نشهد كثرة توالى اتخاذ قرارات التعدد في الزوجات، وكذلك جرأة اتخاذ قرار الطلاق الذي لطالما كان قرارا مؤجلا (حتى يكبر الأولاد) ولسنوات طوال وبتردد كبير، وكذلك في هذه المرحلة يكون قرار التقاعد وإن صعب على النفس اتخاذه، وقرار التوجه نحو العمل الخاص من تجارة أسهم وغيرها والتوجه إلى سوق العمل.
تغيير نمط الحياة
وهناك قرارات أخرى مثل تغيير نمط الحياة كليّا؛ فيصبح الرجل سفّارا لوحده أو مع رفقة له، وبعضهم يقرر الهجرة الاختيارية أوالسفر لمدة طويلة بعيداً عن الأهل والزوجات والأبناء، وكأن الزوج يريد إيصال رسالة لزوجته وأولاده: «دوري انتهى معكم»! وهنا يدق ناقوس الخطر داخل كثير من الأسر!
القرارات تتكاثر وتتوالد
القرارات تتكاثر وتتوالد في هذا العمر؛ لأن من خصائصه تحقيق المشاريع المؤجلة؛ فالمرء عندما كان في شبابه كان يحمل حزمة من مشاريع حياتية مؤجلة، ومع الدخول في هذه المرحلة العمرية الجديدة نجده متحمسا حماسة كبيرة نحو تحقيق ما أجّله.
سن الرشد الثاني
وفي هذه السن التي نعدها سن الرشد الثاني كثيرون يتبصّرون في أحوالهم ويندمون على ضعف إقبالهم على دين الله، ويرون أن الأجل قد اقترب فلا مفر ولا مهرب من اللجوء إلى الله -تعالى- بتطبيق أوامره الشرعية وبعضهم تتنازعه الرغبة الملحّة رجلا كان أم امرأة مع جرأته في خاصية هذا العمر أن يمارس أمورا كان محروما منها في شبابه أو في سن مراهقته، فهو يريدها ويصرّ على تعويضها، فتحنّ نفسه لممارستها في هذا الوقت، فمن كان رادعه تقوى الله باشر ومارس ما اشتهته نفسه من الحلال المباح فقط، ولا يخالف شرع الله فيه، ومن فقد تقوى الله في قلبه فإنه ينكب انكبابا على ممارسة كل ما افتقده وحُرم منه في شبابه فيندفع إلى الحرام، ويضع لنفسه المسوّغات لذلك.
المرحلة قبل الأخيرة
إنّ مرحلة الأربعين والخمسين هي المرحلة قبل الأخيرة (الشيخوخة) في حياة الإنسان؛ فالشيخوخة تبدأ في عمر الستة والستين عاما حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، ولسنا هنا في هذه المقالة بصدد التفصيل حول خصائص مرحلة الشيخوخة.
من عجائب الأمور
إن من عجائب الأمور ولطائفها أن علم نفس النمو الذي نشأ ونما عند علماء النفس الغربيين، وسرت إلينا عدوى علومهم المفروضة علينا في سياسات التعليم ومناهجه أنهم وإلى عهد قريب لم يصنفوا لهذه المرحلة العمرية مساحة خاصة بها تحمل خصائص ذات صفات لوحدها تميزها عن غيرها من المراحل العمرية، وإنما كانوا وإلى عهد قريب يدمجون مرحلة منتصف العمر مع مرحلة الشيخوخة حتى في مصنفاتهم ومحاضراتهم، بينما نحن المسلمين في كتاب ربنا -جل جلاله وعز سلطانه- وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وتشريعنا الإسلامي فإننا نمايز ونفصل بين كل مرحلة وأخرى بما تستحقه بمفردها وبما تحمله من خصائص، ولا نحتاج لدراسات وصفية ولاتجريبية كي نكتشف انفراد مرحلة منتصف العمر بخصائصها المتميزة بها، فنحن في تشريعنا الديني نملك تفصيلا واضحا لسمات تلك المرحلة من منتصف العمر فيما أنزل الله -تعالى- في كتابه الكريم من بعض آيات قرآنية، وها هو ذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - تزخر أحاديثه بالتفصيل والفصل بين المرحلتين منتصف العمر ومرحلة الشيخوخة؛ فلله الحمد والفضل والمنة أن وهب لنا ربنا -عز وجل- من العلم مالانحتاج معه إلى تنظير غيرنا، وإن قرأنا أو تعلمنا علوم غيرنا فهي لمجرد الاستئناس بها والاستفادة من بعض الدراسات الميدانية التي قد يكونون سبقونا بها.
أزمة منتصف العمر
ربما سمى بعضهم مرحلة منتصف العمر بـ(أزمة منتصف العمر)؛ لأنها مفترق في الطريق بين الشبابية وعتبات الشيخوخة؛ فتظهر على المرء الأربعيني بدايات التبدل الحقيقي نحو تقدم السن، فقسمات الوجه تبدأ بالتغير الإجباري نحو الكبر! والشعر يعلوه الشيب بكثرته بعد أن كانت شيبات متفرقات هنا وهنا، وتبدأ نفسه بأمور لم يكن في سابق شبابه يضيق بها وتضعف لديه قوة التحمل وتتناقص، ورقّة القلب تزداد، والمرأة بعد أن كانت ذات حيض ونفاس تصير إلى افتقاد لذلك مع توقف الإنجاب عندها وما يترتب على ذلك من تغيرات نفسية وجسدية وصحية، فضلا عن ذلك ففي تلك المرحلة يدخل على حياة الرجل والمرأة عالم الأحفاد ورقة القلوب تجاههم، ناهيك عن الإحالة إلى التقاعد دون مراعاة للمشاعر، فبعد أن كان هو الدينمو الفعّال في مجال الوظيفة مديرا أو مراقبا صار مهمّشا تهميشا إجباريا؛ لذا فهناك حزمة من الملامح لهذه المرحلة تجعل المختصين يصفونها بأزمة منتصف العمر؛ فالمرء بعد أن أصبح ذا خبرة وتجربة صار متسما بالتحسس المفرط في التعامل مع غيره؛ فصار درب الزعل رفيقا له، بات كثير الزعل سريع الانفعال يبحث عن قدره ومكانته بين أبنائه الذين كبروا وقد استقلوا عنه تماما، بل صاروا يضعون تصرفات والديهم تحت المجهر في التقييم، وبدأ الأبناء ينظّرون ويقعّدون لآبائهم على الرغم من الاحترام لهم وهكذا هي الحياة!
لاتوجد تعليقات