رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيام الجاسم 30 يوليو، 2019 0 تعليق

في الصميم – القوة النفسية دعامة مجتمعية


القوة نقيض الضعف ومن لوازم القوة رباطة الجأش والعزم والإرادة ومن موروثاتها ونتائج الاصطباغ بها الشجاعة والجرأة في قول الحق وفعله والصدع به في مواطن يزلّ بها أغلب الناس، وقوة الشكيمة رفض للجبن، والقوي لايفهم لغة الخوف ولا التردد؛ فقوي النفس لايعرف للخذلان طريقا، ولا ينتهج سبيل الضعفاء في الفرار من موقف يستدعي المواجهة.

     والقوة تعني تهيّؤ القلب والعقل بشدة، وعزم لإحداث الفعل، أو عدم إحداثه بحزم وإرادة، وإذا تزايد الشركاء من حوله تقوّى بوجودهم معه، وذلك هو مفهوم التّقاوي، وحينما ندعو لضعيف أن يمكّنه الله من أمر هو عاجز عن الحصول عليه ندعو له؛ فنقول: «أبدلك الله مكان الضعف قوة»؛ فمواطن القوة في المرء عقله وقلبه، وكذلك لسانه وبدنه؛ فقد يكون المرء قوي البدن، ولكنه ضعيف النفس والقلب، وكم من قوي في عقله وفقهه، بينما هو ضعيف الجسد! وكم من سليط اللسان قاهر الناس بفحش قوله، لاقوة له على الحقيقة ولايهشّ ولاينشّ كما تقول عامّة الناس!

أعلى درجات القوة

     فأعلى درجات القوة في الإنسان أن يمتلك العزيمة، والشكيمة، والحزم، والعزم، والحسم في أموره كافة، كما يخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم : «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» رواه مسلم في صحيحه؛ فالمسلم المؤمن  أولى من غيره في التمكن من القوة بمجالاتها كافة؛ لأنه مستمد قوته من الباري -عز وجل-،  ربنا -سبحانه- في آيات قرآنية عدة يطالبنا بأن نكون أقوياء، وننبذ ضعف النفس الذي من لوازمه الخوف والجبن والانهزام من الخصوم، قال -تعالى- مخاطبًا بني إسرائيل: {خذوا ماآتيناكم بقوة}(البقرة: 63)، وقال -عز وجل- في آية أخرى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا}(البقرة: 93)، وقال -تبارك وتعالى-: {ولاتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}(النحل: 92)، وآيات أخرى يصف ربنا قوّته -عز وجل- وصفا مهيبا في النفوس؛ إذ تطمئن به قلوب المؤمنين {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا}(البقرة: 165)، وقال -عز من قائل-: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(الذاريات : 58)، {إن الله قوي شديد العقاب}(الأنفال: 52).

الله القوي المتين

     إن الله العزيز القوي المتين لن يعجزه أن يستبدل قوما ظنوا في أنفسهم أنهم أقوياء، تجبروا على خلق الله؛ فقلب الله قوتهم ضعفا، وكم شهدنا في أزماننا وعبر التاريخ كله أفواجا ومجتمعات، ودولا سادوا ثم بادوا، تبجّحوا واستأسدوا على خلق الله، ثم صار مآلهم إلى الضعف والهوان، بل الإبادة قال -تعالى- في حق قارون المتعالي والمستند إلى قوته الشخصية: {قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولايسأل عن ذنوبهم المجرمون}(القصص: 78)؛ لقد نسب قارون الفضل لنفسه ولجهده الذاتي؛ فعاقبه رب العزة والجلال، ونال مانال ولقي الجزاء الذي يستحق من الله -عز وجل .

المؤمن يفوّض أمره لله

     إن المؤمن هو الذي يفوّض أمره لله تفويضا تامّا، ويتوكل عليه حق التوكل، وذلك هو سر القوة النفسية التي يمتلكها العبد القوي؛ فإنه حتما ستسري في نفسه تلك القوة التي استمدها من ربه؛ فهو مستند عليها حينما يواجه سوءات الناس وسوءهم في المجتمع، وبها يواجه المصائب بقوة وجلادة ورباطة جأش، ربنا العزيز القوي يقول في محكم التنزيل {أليس الله بكاف عبده}(الزمر: 36)، لو عقلها من عقلها من المسلمين، لأدركوا أنهم أينما حلّوا وارتحلوا فإنهم بمعية القوة الإلهية لو أيقنوا بهذه الآية وأمثالها كثير، قال -تعالى-: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق: 3)؛ فإن الله -عز وجل- كافيه وقاض أمره ومتولّ شأنَه.

ادّعاء القوة

     إن ادّعاء كثير من الناس القوة والبطولة التصادمية، إنما يظنون أنفسهم أقوياء بضربات الملاكمة والعنف الجسدي ضد غيرهم، يقذفون قنابل الطعن والسباب والشتائم، ويتسابقون في ميدان المبادرة بالعنف اللفظي والجسدي، ويتفاخرون في جبروتهم؛ لذا يلزم المرء أن يكون ثاقب النظر فيمن حوله، حينما يختار الصديق، والنّسيب، والرفيق في السفر والحضر؛ فلا تغرنّك البطولات اللسانية لأشخاص من حولك، ولا تنبهر بجسامة المعضّلين المضخّمين لعضلاتهم وعقول كثير منهم بلهاء تافهة! القوة الحقيقية تظهر في الرجولة، والشهامة، والإقدام بالحميّة النارية عندما تخدش كرامة، أو يخرق مبدأ، أو يحرقون كبرياء ما، أو  يحرضون على فعل محرّم، أو يرتكبون سوءة  في محارم الله، أو على نساء المسلمين. القوة  المدّعاة افتراء لاتكاد تجزم بها عند شخص  يشنشن بها ويدندن بكلماته مدّعيا لها  وهو منها ببعيد. البطولة موقف حازم وشهامة إقدام بلا تردد، والقوة تبرز في تصدّر المرء لأحداث جسام يعجز عن أمثاله كثير، بل غالب الناس في مواجهتها واتخاذ القرار اللازم لها!

قوة القلب

     قوة القلب في فطنته في اللحظة المناسبة التي لو تأخر القرار فيها لانفلتت الأمور من بين أيدينا، قال -تعالى- في محكم التنزيل: {فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}(الأعراف: 145)، وقال -تعالى-: {خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا مافيه لعلكم تتقون}(الأعراف: 171).

من مصادر القوة

     إن القوة النفسية ورباطة الجأش من فضل الله -تعالى- يتفضل بها على عباده  الصادقين؛ فيزيدهم قوة إلى قوتهم كما قال ربنا -عز وجل- في سورة هود آية 52 {يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم}، وقد أورد الله -عز وجل- في كتابه العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه،  مواطن القوة ودعاماتها الأساسية للمرء المسلم؛ فلو التزمها لضمن لنفسه -بفضل الله وحده- امتلاك القوة التي لن يجرؤ أحد من الناس أن يتقوّى عليه بغيرها؛ فمن مصادر القوة اليقين بالله وبوعده وبنصرته للمرء؛ فاليقين رأس الأمر كله، وهو رأس الإيمان، وقد ذكره ربنا في آيات عدة تترى في كتابه، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}(آل عمران: 101)، وقال -تعالى-: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}(المائدة: 50)؛ فالاعتصام بالله والوثوق به -عز وجل- يجعل قلب العبد يمتلئ سكينة وطمأنينة حتى لو تكالب عليه الناس ضررا وأذيّة؛ فإن بداخله القوة النفسية التي ملّكها إياه ربنا؛ فلن يقدروا عليه ولا أن يتلاعبوا به، ولن يستمروا بأذيّتهم له؛ لأن الله كافيه؛ فالله هو القوي المتين، وباستناد العبد إلى ربه، وتوكله عليه، وتفويض أمره إليه، يحتار به خصومه، ومن ناصبوه حربا نفسية يظنون أنهم يتلاعبون بأعصابه وهو ثابت راسخ لايهتز؛ فاليقين بالله في قلبه يضاهي تجييش جيوش الخصوم مجتمعين، قال -تعالى-: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}(الحج: 38)، وقال -عز من قائل سبحانه-: {ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى}(الأنفال 17)، وقال الله -عز وجل-: {ومكر أولئك هو يبور}(فاطر: 10)، وقال الله -تبارك وتعالى-: {ولايحيق المكر السيء إلا بأهله}(فاطر: 43)، وهاهي ذي الحقيقة النفسية الكبرى في موطن القوة النفسية؛ إذ يقول ربنا القوي العزيز: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لايرجون وكان الله عليما حكيما}(النساء 104).

الحس اليقيني

     إنّ الحس العالي اليقيني بآيات الله التي تعالج ما في النفوس والقلوب من ضعف وانهزام وتردد، لو تغلغلت في قلب العبد المسلم المؤمن حق التغلغل واستثمرها تطبيقا واقعيا في حياته مع الناس؛ فلن يعود للكائدين ولا الحاقدين ولا الدهاة الخبثاء قوة ولاسطوة عليه؛ ففي كل زمان ومكان المجتمعات مليئة بأمثال هؤلاء سّيّئي الطباع، وحينما نواجههم بقوة وحزم وحسم مع حكمة ورشد؛ فلن يكون لهم سبيل علينا! لن يكون لهؤلاء مكان متصدر في المجتمع، ولن يقووا على السيادة على الناس، وسيفضحهم ضعفهم الذي يسترونه بما يلتحفون به من عباءة الوقار الزائف.

الاغترار بالعقلانية

     إن بعض نماذج وأفراد في مجتمعاتنا تغترّ بالعقلانية التي تحملها عقولهم، ويظنون يقينا أن العقول بحنكتها تسعفهم دوما، وهي بمثابة الناصية التي يعوّلون عليها في الحكم على الأشياء معجبين إعجابا منقطع النظير بعقولهم حتى وإن أدّت بهم إلى الإلحاد بالله والكفر بدينه، وحتى لو هاجت وماجت موجة الإلحاد وعصفت بهم، فهم مستمرون في طغيان عقولهم، هؤلاء المعتدّون بعقولهم بتباه وافتخار نسوا وتناسوا قوة الله القوي العزيز وجبروته الذي عاقب كثيرا منهم في الدنيا قبل الآخرة بضرب عقولهم مسقط رأس كفرهم؛ فهذا أصابه الزهايمر والخرف المبكر، وذاك أورام سرطانية قد أثقلت دماغه بانتشارها، وثالث ورابع من موقع الاستهزاء بالله ودينه، قد ابتلي بجلطات دماغية كانت سببا في اكتئاب عميق أدخله في محاولات انتحارية عديدة،! نسأل الله السلامة والعافية.

حال الملحدين

     قال الله العزيز القوي: {إن ربك لبالمرصاد}(الفجر: 114)، هؤلاء الملحدون تجدهم في حال صحتهم وعافيتهم حينما تذكّرهم بالله وتقارعهم الحجة بالحجة يستهزئون ويجحدون وينكرون، وهاهم أولاء ظنوا السيادة بإلحادهم، واليوم وغدا يتجرعون الآلام التي لايقوون على الهروب منها، قال -تبارك وتعالى-: {وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} -سبحانه وتعالى- عما يشركون}67، وقال -تعالى-: {فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب}(غافر:22)؛ فقوة الله مطلقة لاحدود لها، فلا يقهره ولا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، ولايقف أمام قوته شيء، ولايمنعه شيء؛ فقوته -سبحانه- غالبة؛ فكل شيء تحت سلطانه -عز وجل-؛ فقضاؤه نافذ وحكمه في الكون ماض؛ فاعتبروا يا أولي الألباب والأبصار، وإنها لا تعمى الأبصار، وإنما تعمى البصائر التي في الصدور، ولاحول لنا ولا قوة إلا بربنا القوي العزيز.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك