
في الذكرى الــ 34 لاحتلال الكويت – للعلماء دور عظيم في واقع الأمة والحفاظ على أمنها واستقرارها
- لم يكن لاحتلال دولة الكويت قبل نحو 34 عامًا أي مسوغ في القيم الأخلاقية والإسلامية والعربية وحسن الجوار
- الشيخ ابن باز: قال ما حصل من حرب لتحرير الكويت يعد جهادا شرعيا من المسلمين ومن ساعدهم كونه ردا للظلم والاعتداء واجتياح البلاد الآمنة بغير حق
- من واجبنا نحو الله تعالى أن نشكره على نعمة عودة الكويت لنا وأن نستقيم على دين الله عزوجل وعلى طاعته سبحانه وطاعة رسوله الكريم
لم يكن لاحتلال دولة الكويت قبل نحو 34 عامًا أي مسوغ في جميع القيم الأخلاقية والإسلامية والعربية وحسن الجوار، لقد انتهكت المبادئ والقيم والأخلاق جميعها تحت هذا الاحتلال الذي استمر 7 أشهر عجاف، وانتهى بتحرير الكويت في 26 فبراير 1991 بعد حرب الخليج الثانية، ولا شك أن استذكارنا لهذا الحدث يستهدف تسليط الضوء على أهم الدروس الشرعية الإيجابية ليبقى الماضي عبرة ورصيدا وخبرة نستشرف بها المستقبل؛ فالاستفادة من أحداث التاريخ وتجاربه يعد خطوات مهمة على طريق البناء والنهضة؛ فالتاريخ هو ذاكرة الأمم، ولا تستطيع أمة أن تعيش بلا ذاكرة، ودراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منه، هو دأب الأمم القوية؛ فالأمة التي تهمل قراءة تاريخها، لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها.
الدرس الأول:
دور العلماء الحاسم في الفتن
للعلماء دور عظيم في واقع الأمة، ولا سيما في النوازل والمحن التي تمر بها، فلقد برز دور العلماء في هذه المحنة، فكان رأيهم واضحًا بفضل الله -جل وعلا-، واطمأنت الأمة إلى صواب رأيهم، ولن ينسى التاريخ أبدًا لعلماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-، الذي كان موقفه فارقًا في هذه القضية، الذي قال عن حرب تحرير الكويت: لقد أمر الله -جل وعلا- وأذن فيه بقوله -عزوجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات:9)، وفي قوله -جل وعلا-: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى: 41- 42)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك أيضًا في قوله- صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله، نصرته مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم، فذلك نصرك إياه»، وأوضح سماحة الشيخ ابن باز بعد نهاية الحرب بأن: «ما حصل لتحرير الكويت يعد جهادا شرعيا من المسلمين ومن ساعدهم في ذلك، لكونه ظلما وتعديا واجتياحا لبلاد آمنة بغير حق، والواجب على المسلمين -بهذه المناسبة- تقوى الله -سبحانه وتعالى-، والاستقامة على دينه، والحذر عما نهى الله عنه، وحسن الظن بالله والتوكل عليه، والإيمان بأنه -سبحانه- هو الذي بيده النصر والضرر والنفع.موقف الشيخ محمد بن صالح العثيمين
كما كان للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- موقف واضح من تلك الأزمة؛ حيث أيد ما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء، وكان من الموقعين على الفتوى الخاصة بذلك، وقال سماحته: البيان خرج باسم هيئة كبار العلماء وأنا مع البيان.الدرس الثاني:
أهمية الرابطة الإيمانية
ربّ ضارّة نافعة؛ فقد أدى هذا العدوان إلى ترسيخ الترابط المجتمعي، وتوحيد الصف، وإيثار المصلحة العليا للبلاد، وفي تكاتف الجميع من أجل صدّ العدوان وإغاثة الملهوف، وتعميق الأخوة والوقوف صفا واحدا لتجاوز هذه المحنة، وضرب الجميع أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية والبذل والعطاء، وهذا خير دليل إلى أهمية الرابطة الأخوية الإيمانية التي جمعت أهل الكويت باختلاف توجهاتهم، وتماسكهم والتفافهم حول قيادتهم السياسية، وارتباطهم بدينهم وثوابتهم الأخلاقية، وستظل دائمًا وأبدًا العامل الأهم في حفظ الوطن من أي أزمات مهما كان حجمها؛ فأبناء الكويت قادرون -بعد الله عزوجل ثم بوحدتهم وقيادتهم السياسية الحكيمة- على تجاوز أحلك المواقف والأحداث لتخرج الكويت منها أقوى مما كانت وأعظم، وما أحوجنا اليوم لاستحضار تلك الروح التي اختفت معها مظاهر الفرقة والاختلاف كافة وقت الغزو لتستكمل الكويت مسيرة البناء والنهضة والتنمية!الدرس الثالث:
ما أعظم أن يفدي الإنسان وطنه!
من أهم الدروس التي نستلهمها من هذه المحنة أنَّ الانتماء للوطن ليس مجرد شعارات أو كلمات، بل هو حب وإخلاص وفداء وتضحية، فبقيمة الأوطان ترتقي الشعوب، وبصلاح الأوطان تسعد البشرية؛ ذلك أن الوطن في مفهومه الواسع والشامل هو الأرض التي أمرنا الله -عزوجل- بإعمارها في قوله -تعالى-: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وقوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}، فالإنسان خلق في هذه الدنيا للإعمار وليس الإفساد، والمؤمن الصادق هو الذي يعرف قيمة وطنه، ويعلم أن الدفاع عنه ضد المعتدين واجب شرعي، لا يجوز التخلف عنه بغير عذر وفي هذه المحنة ظهرت معادن الرجال الشرفاء الذين حافظوا على مقدرات البلاد وأسرارها، وضحوا في سبيلها.
الدرس الرابع:
بالشكر تدوم النعم
من أعظم دروس هذه الفترة المؤلمة التي يجب أن نستحضرها معنا دائمًا، أن نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق، ولن يقدر هذه النعمة إلا من فقدها، ولن تدوم هذه النعمة - شأنها شأن كلِّ نعمة - إلا بالذِّكر والشُّكر، قال - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 239)، وأمَر الله - عزَّوجلَّ - قريشًا بشُكْرِ نعمةِ الأمن والرَّخَاء بالإكثار من طاعته؛ فقالَ - جلَّ جلاله -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش: 3 - 4)، فالأمن والإيمان قَرِينان مُتَلازِمان؛ فلا يتحقَّق الأمنُ إلا بالإيمان الصحيح، قال الله - سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82)، وكذلك الأمن والمعاصي لا يجتمِعان؛ فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النِّقَم، قال -سبحانه-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الأنفال: 53)؛ فالطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي مَن دخَلَه كان من الآمِنين، فمن شكر الله -تعالى- علينا تجاه الكويت، أن نستقيم على دين الله -عزوجل-، وعلى طاعته -سبحانه- وطاعة رسوله الكريم، ظاهرا وباطناً، وأن نتوب إلى الله من جميع الذنوب، كما قال -سبحانه-:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وأن نتواصى بذلك، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، بالضوابط الشرعية، وأن نتناصح ونتعاون على البر والتقوى، حتى تدوم علينا النعمة، ويكفينا الله شر الأعداء أبدًا.دراسة التاريخ دأب الأمم القوية
لن تنتهي الدروس والعبر المستفادة من محنة احتلال الكويت؛ فالتاريخ ذاكرة الأمم، ودراسة التاريخ واستخلاص العبر والدروس دأب الأمم القوية؛ فالأمة التي تهمل تاريخها، لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها، وإن أعظم وصية نستخلصها من ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- نصر الفئة الضعيفة الآمنة بأعمالها المباركة وأياديها البيضاء حول العالم، وجنَّبها مصارع السوء، وخذل أعداءها وحفظ أبناءها ومقدراتها، ونصرها على عدوها، وهذا يستوجب منا الشكر لله -عز وجل- والإكثار من أعمال البر والتقوى حتى نكون في حفظه -سبحانه- ورحمته {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}؛ فبالشكر تدوم النعم.
لاتوجد تعليقات