رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 23 أغسطس، 2016 0 تعليق

في إطار الرد على مركز (كارنيجي) للشرق الأوسط- موقف الدعوة السلفية من الإرهاب الحلقة (11)

 الهجوم على المنهج السلفي،  ليس جديدًا بل هو قديم قدم نشوء البدع والافتراق في هذه الأمة، حيث كانت كل طائفة ترى في مذهبها الحق وتعادي من يخالفه، ولما كان السلف هم الوسط المخالفون لأهل الغلو والجفاء والإفراط والتفريط نالهم من الطوائف المنحرفة كافة ما نالهم، وصبت عليهم كل فئة حادت عن الطريق المستقيم غضبها.

لذلك جاء هذا الكتاب ليؤكد هذا المفهوم الذي تميزت به السلفية عن غيرها من المناهج المنحرفة، وهو مفهوم الوسطية، وهو دحض لشبه عدة أثارتها إحدى الدراسات الصادرة عن مركز (كارنيجي) في الشرق الأوسط للباحث (سلطان بال) بعنوان: ( السلفية الكويتية ونفوذها المتنامي في بلاد الشام)، وحوت الكثير من المغالطات والأخطاء الفادحة والشبهات التي استوجب إعداد هذه الدراسة المختصرة والتي قام عليها عدد من المتخصصين في مركز ابن خلدون للدراسات محاولين فيها الحفاظ على نقاء هذه الدعوة المباركة من التشويه والعمل الخيري من الانتقاص والتشكيك.

 مصطلح الإرهاب يشكل إحدى اللبنات الأساسية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب ولا يوجد تعريف واضح وصريح لـه سواء في القانون الدولي أم المنظمات الإقليمية والدولية

  الإسلام جاء لتحقيق أهداف عظيمة، تتمثل في حفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد الشريعة التي تتمثل في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض وحفظ المال

 

 

لابد في البداية من بيان وإيضاح موقف السلفيين - المنضبطين بالكتاب والسنة وفهم سلف الأمة - وعلمائهم من ظاهرة الإرهاب والعنف التي تعد من أهم الإشكالات في عالمنا المعاصر، وقبل أن نبين هذا الموقف لابد بداية من تحرير مصطلح الإرهاب الذي أحدث إشكالات كثيرة، وخلط كثيراً من الأوراق عند التطبيق العملي لمواجهة هذه الظاهرة على أرض الواقع؛ لأن عدم تحرير مصطلح الإرهاب يعني أن ما تستبطنه من حقائق حوله فإنها غير قابلة للإمساك، أي إنها أفلتت من التقنين وتأبّت على الضبط, وعدم تحرير مصطلح الإرهاب يعني أن المصطلح استحال إلى كائن شمولي غير متناه في امتداده فتضمحل الحقيقة وتتلاشى معالمها، وتبيت ذات معالم هلامية في ظل غياب المنهج الوسطي المعتدل للحكم على الأشياء والمسلمات.

1- مصطلح الإرهاب

     المصطلح الأكثر إثارة في العصر الحديث، بل هو الأكثر تداولاً في مجالات الإعلام والسياسة والثقافة والعلاقات الدولية والحضارية، وهو من المصطلحات التي لها جذور لغوية تنطوي على الخوف أو التخويف حيثما أريد توظيفه، وتنبع أهمية مصطلح الإرهاب في كونه يشكل إحدى اللبنات الأساسية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب, ومع الأسف الشديد فلا يوجد تعريف واضح وصريح لـ مصطلح (الإرهاب) متفق عليه، سواء في القانون الدولي أم المنظمات الإقليمية والدولية، غير أننا نجد دولاً أو جهات تضع تعريفًا للإرهاب من وجهة نظرها، إلا أنه في الغالب نجد أن هذا التعريف يحمل سماتًا وأوصافًا وُسِمَتْ بها الأعمال الإرهابية، فضلا عن أفكار أحاطت بمفهوم الإرهاب، التي يمكن من خلالها تلمس بعض الملامح المميزة لمصطلح الإرهاب.

2- توظيف المصطلح

     ولا شك أنه بدون تعريف المصطلح، وتحديد مفهومه، وجعله عائمًا على بحر من التفاسير والاحتمالات، سهَّل توظيفه من قبل بعضهم، وإلا ماذا يعني العجز المفتعل للقائمين على القانون الدولي عن وضع تعريف للإرهاب؟! فعدم الفهم هنا هو أمر مضلل؛ حيث أصبح هذا اللا مُعَرَّف واللا مُسَمَّى، ذريعة لاستهداف أفراد، ودول ومؤسسات خيرية، وحتى معتقدات وجماعات، ويعطي الفرصة للاحتماء وراء تسويغات ما يسمى بمحاربة الإرهاب الدولي.

3- تحديد مصطلح الإرهاب المعاصر :

     وقد صدر في تحديده بيان عن مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته السادس عشرة, المنعقدة في شوال من عام 1423هـ بمكة المكرمة؛ حيث حدَّدوا الإرهاب بتحديد سبقوا به جهات عالمية عديدة غالطت في معناه ودلالاته, وجاء في بيانهم التعريف الآتي:

     الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان في دينه, ودمه, وعقله, وماله, وعرضه, ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق, وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق, وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي, ويستهدف إلقاء الرعب بين الناس, أو ترويعهم بإيذائهم, أو تعريض حياتهم, أو حريتهم, أو أمنهم, أو أقوامهم للخطر, ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد مرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة, أو تعريض أحد الموارد الوطنية, أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله -سبحانه تعالى- المسلمين عنها في قوله تعالى: {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}(القصص: 77).

4- إشكالية ربط الإرهاب بالإسلام

     ولا شك أن الآلة الإعلامية والسياسية، وحتى الدينية الغربية، كرّست جهودها في السنوات الأخيرة لحملة مدروسة ومنظمة لربط الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف، انطلاقًا من الهجمات التي ضربت الولايات المتحدة ومدريد ولندن وباريس والعديد من دول العالم. وإن كنا نرى أن الإرهاب ليس مشكلة العصر الوحيدة ولا أكثرها فتكًا وأهمية، فإننا نرى أن المحاولات الخبيثة لإيجاد أصول لهذه الظاهرة في الإسلام بوصفه ديانة وثقافة، هي الأخطر على الإطلاق.

     لقد تحول الإرهاب إلى صفة لصيقة بالعرب والمسلمين، لدرجة ارتباطه بصورة ذهنية مشوهة لرجل عظيم اللحية، قصير الثوب، مقطب الجبين، بغيض الملامح، وهو بلا شك عربي ومسلم! حتى استثني باقي الأعراق والأديان من هذه التهمة، رغم أن تاريخ العديد من الدول المتشدقة بالحرية والعدالة والديمقراطية حافل بالمجازر والجرائم التي أقل ما يقال عنها إنها إرهابية. وفي الوقت الذي يُتهم فيه العرب والمسلمون بالإرهاب، نجد أنهم في الحقيقة ضحايا الإرهاب بمختلف أنواعه؛ الاستعماري والاستيطاني والفكري والاقتصادي والثقافي والسياسي.

     فإن كان الإرهاب هو القتل العشوائي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بريء أو مسيء، ولا مظلوم أو ظالم، ولا يبالي بالأرواح ولا الممتلكات، فلا يمكن أن تكون لهذه الأعمال صلة بالإسلام، بل قد حذَّر منها الإسلام تحذيرًا شديدًا، وشدد الوعيد على من يقوم بتلك الأعمال الإجرامية، وأما أن يوصف من يدافع عن أرضه ضد محتل غاشم، أو يدفع عن وطنه ضد ظالم باغ، فهذا ما لا يقبله عقل ولا شرع، ولا قانون.

5- موقف الإسلام من الإرهاب

     حرَّم الإسلام الإرهاب والفساد في الأرض، وعاقب عقابًا شديدًا من يقوم بمثل هذه الأفعال، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا . وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}(المائدة: 34 -33). وهذا يؤكد أن الإسلام هو دين السلم والأمان، على عكس ما تدّعي الآلة الإعلامية الغربية والأوساط السياسية المناوئة للإسلام، متهمة إياه باعتماد منهج العنف في التغيير واستعمال أساليب إرهابية في نشر الدعوة والتعامل مع الأعداء، ويسوغون كلامهم وادعاءاتهم الباطلة، ببعض الآيات القرآنية التي تحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ. وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(الأنفال : 61 -60)، وهذا يعني الاستعداد للعدو ومقاومته بقوة واقتدار، والهدف هنا هو إرهاب العدو منعًا لعدوانه علينا، أما الترهيب دون سبب مشروع، فهو محرم؛ فالإسلام جاء لتحقيق أهداف عظيمة، تتمثل في حفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد الشريعة التي تتمثل في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض وحفظ المال.  وهذه المقاصد كلها تتنافى مع الإرهاب والاعتداء على أمن وحرمة الآخرين، وكل عمل تخريبي أو إجرامي أو إرهابي يستهدف أمن الأبرياء والعزل والآمنين، مخالف لشرع الله؛ فالشريعة تصر وتؤكد على عصمة دماء المسلمين والمعاهدين، وعلى حماية الأرواح والممتلكات، {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77)، والنصوص في ذلك كثيرة لا يسع المجال هنا لذكرها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك