فيها آيات ودلائل على قدرة الله الباهرة الزلازل عبرة وعظة
4
لا تزال نذر الله -تعالى- على عباده تتابع، تلك النذر والآيات التي تأتي بأنواع مختلفة، فتارة عبر رياح مدمرة، وتارة عبر فيضانات مهلكة، وتارة عبر حروب طاحنة، وتارة عبر زلازل مروعة، وما رأيناه من زلزال عظيم في تركيا الأسبوع الماضي الذي دمَّر الكثير من العمران، فكم من عمارة شاهقة سقطت على من فيها! وكم من منازل تهدمت على أصحابها هلك فيه ألوف من البشر! وصل العدد بالأمس أكثر من أربعة آلاف قتيل، وشرد فيه خلق كثير، وذلك كله في دقائق! {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}.
إن هذه الزلازل ما هي إلا آيات لأولي الألباب ودلالة على قدرة الله الباهرة؛ حيث يأذن الله -جل جلاله- لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوان أو دقائق؛ فينتج عن ذلك هذا الدمار العظيم، وهذا الهلاك الفاجع، الذي قد يروح ضحيته الآلاف، إن هذا الرعب المجلجل للقلوب ما هو إلا تذكير للناس لعلهم يتوبون إلى ربهم ويؤوبون إليه ويستغفرونه {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً}.
عقوبة الله شاملة
إن عقوبة الله إذا نزلت شملت الصالح والطالح، الصغير والكبير، الذكر والأنثى على حد سواء، ثم يبعثون على نياتهم، روى الإمام أحمد من حديث أم سلمة --رضي الله عنه-ا- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا ظهرت المعاصي في أمتي، عمهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله، أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يُصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان».
من أسباب الذنوب والمعاصي
يقول الله -جل جلاله مبينًا أن هذه المصائب التي تحل بالعباد ما هي إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، وقال -جل شأنه عن الأمم الماضية-: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
موعظة ورحمة للمؤمنين
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «وقد يأذن الله -سبحانه- للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام؛ فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي، والتضرع إلى الله -سبحانه- والندم، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: «إن ربكم يستعتبكم»، وذكر الإمام أحمد عن صفية قالت: «زلزلت المدينة على عهد عمر فقال: أيها الناس، ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا تجدوني فيها».
من أشراط الساعة
هذه الزلازل من أشراط الساعة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرتها في آخر الزمان؛ فقال -فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» قيل وما الهرج يا رسول الله؟ قال: «القتل القتل»، وها أنتم أولاء ترون كثرتها وتتابعها في هذا الزمن؛ تصديقا لقول نبينا -صلى الله عليه وسلم.
عتاب من الله -عزوجل- للعباد
كتب عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- إلى الأمصار: «أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله -عزوجل- به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله -عز وجل- قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وقولوا كما قال آدم: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقولوا كما قال نوح: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وقولوا كما قال يونس: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
عظة وعبرة
إنها لعظة وعبرة أن يكون الناس نائمون، آمنون، ثم يأتيهم الزلزال {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون}، تصور نفسك في تلك اللحظات ما أنت صانع؟ وما الذي يدور في خلدك؟ وما الخواطر التي تمر بفؤادك؟ إذًا لم لا نتعظ بما يحدث لغيرنا؟ لماذا لا نغير من واقعنا؟ لماذا هذا الإصرار على معاصي الله -تعالى- والمجاهرة بها؟ نرى بأم أعيننا الحوادث المروعة، والعقوبات المهلكة، ولا نزال نصر على معصية الجبار -جل جلاله؟
أمور ينبغي الوقوف عندها
هناك أمور عدة عند هذه الأحداث الكونية لابد لنا من التفكر والتدبر فيها؛ فما نزلت هذه البلاءات إلا لحكمة من الله -تعالى-، ومن هذه الأمور ما يلي:
أولًا: نعمةٌ كبرى من الله ورحمةٌ عظيمة
هذه الأرض التي نعيش عليها من نعم الله الكبرى علينا، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد مكننا منها، نعيش على ظهرها، وندفن موتانا في باطنها، قال -تعالى-: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاء وَأَمْواتًا}، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ مَكَّنَّـاكُمْ في الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـايِشَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}، نعمةٌ كبرى من الله ورحمةٌ عظيمة أن تستيقظ صباحًا وترى الأرض مستقرَّة، لا تعرف هذه النعمة إلا إذا شاهدت زلزالًا أو انفجر بركان، فلولا أنها مستقرة، لم يبقَ بناءٌ على وجهها، قال ابن القيم -رحمه الله-: «ثمَّ تَأمل خلق الأرض على مَا هِيَ عَلَيْهِ حِين خلقهَا واقفة سَاكِنة؛ لتَكون مهادًا ومستقرا للحيوان والنبات والأمتعة، ويتمكن الْحَيَوَان وَالنَّاس من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآربهم وَالْجُلُوس لراحاتهم، وَالنَّوْم لهدوئهم، والتمكن من أعمالهم، وَلَو كَانَ رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرهَا قرارا وَلَا هُدُوا، وَلَا ثَبت لَهُم عَلَيْهَا بِنَاء، وَلَا أمكنهم عَلَيْهَا صناعَة، لَا تِجَارَة وَلَا حراثة وَلَا مصلحَة، وَكَيف كَانُوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تَحْتهم؟ وَاعْتبر ذَلِك بِمَا يصيبهم من الزلازل على قلَّة مكثها، كَيفَ تُصيرّهم إلى ترك مَنَازِلهمْ والهرب عَنْهَا، وَقد نبه الله -تعالى- على ذَلِك بقوله: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} وَقَوله -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا}.
ثانيًا: الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم
إِنَّ المُؤمِنَ وَقَد أُوتيَ قَلبًا حَيًّا وَحِسًّا مُرهَفًا لِيَتَأَثَّرُ بمِثلِ هَذِهِ الأَحوَالِ المُخِيفَةِ مُقتَدِيًا بِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي كَانَ إِذَا رَأَىَ رِيحًا أَو غَيمًا عُرِفَ ذَلِكَ في وَجهِهِ؛ فَأَقبَلَ وَأَدبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ خَوفًا مِن نُزُولِ عَذَابٍ، وَيَخرُجُ في الكُسُوفِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُستَعجِلًا، يَخشَى أَن تَكُونَ السَّاعَةُ، يَفعَلُ ذَلِكَ لِرُؤيَةِ غَيمٍ غَالِبُ مَا يَأتي فِيهِ المَطَرُ وَالغَيثُ، أَو لِكُسُوفِ الشَّمسِ وَذَهَابِ بَعضِ ضَوئِهَا، فَكَيفَ لَو أحسَّ بزلزلة أو ارتجت الأرض به، أو رأى تساقط البنيان وتشقق الأرض من حوله؟ إِنَّهَا لَمِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَعَمَى البَصَائِرِ أَن يَسمَعَ النَّاسُ وَيَرَوا القَوَارِعَ الَّتي تَشِيبُ لها مَفَارِقُ الوِلدَانِ، وَتَتَوَالى عَلَيهِمُ الزَّوَاجِرُ الَّتي تَخشَعُ لها صُمُّ الجِبَالِ، ثُمَّ يَستَمِرُّوا عَلَىَ تَمَرُّدِهِم وَطُغيَانِهِم وَيَتَمَادَوا في غَيِّهِم وَعِصيَانِهِم، ويَظَلُّوا عَاكِفِينَ عَلَىَ شَهَوَاتِهِم مُتَّبِعِينَ أَهوَاءَهُم، غَيرَ عَابِئِينَ بِوَعِيدٍ وَلا مُنَصَاعِينَ لِتَهدِيدٍ، مُقتَصِرِينَ في تَفسِيرِ مَا حَدَثَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ أَمَرٍ طَبَعِيٍّ وَحَدَثٍ اعتِيَادِيٍّ { مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }.
ثالثًا: كَيفَ بِزَلزَلَةِ الأَرضِ يوم القيامة ؟
إِذَا كَانَ زلزالٌ وَاحِدٌ أحدث في دُنيَا النَّاسِ مِنَ الفَزَعِ مَا أحدِث، فَكَيفَ بِزَلزَلَةِ الأَرضِ كُلِّهَا يوم لا ينفع مال ولا بنون قال -تعالى-: {يا أيّها اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ - يَومَ تَرَونهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}، إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنَا بِعَجزِ الإِنسَانِ عِندَ قِيَامِ السَّاعَةِ {إِذَا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزَالَهَا - وَأَخرَجَتِ الأَرضُ أَثقَالَهَا - وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}، والزلزلةُ من علامات الساعة، وقد أخرج البخاري في «صحيحه» أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقومُ الساعةُ حتى يُقبَضَ العلمُ، وتكثُر الزلازِلُ، ويتقارَبُ الزمانُ ..» الحديث.
رابعًا: ترك المنكر والعزوف عن الأمر بالمعروف
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنه-مَا، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا «رواه البخاري.
حوادث الزلازل والرجفات في عهد الصحابة والتابعين
هذه بعض حوادث الزلازل التي عايشها بعضُ الصحابةِ -رضي الله عنهم- والتابعون -رحمهم الله.
رجفات في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم
وقعت رجفات في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنها كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «إنا كنا نرى الآيات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بركات»، وعن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحراء أنا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، فتزلزل الجبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اثبت حراء فليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد».
عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه
زُلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى اصطفقت السرر، فتقول راوية الأثر - وهي صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر -: وابنُ عمر -رضي الله عنهما- يُصَلِّي فلم يَدْرِ بها، ولم يوافق أحدًا يصلي فدرى بها ، فخطب عمر الناس فقال: «أَحْدَثْتُمْ ؟ لقد عجلتم!»، ولا أعلمه إلا قال: «لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم»، ويقول مجاهد بن جبر المكي -رحمه الله-: زلزلت مكة، فقال عمر -رضي الله عنه-: «انظروا ماذا تعملون؛ فإنها مكة، لأنْ أعمل عشر خطايا بركبة أحبُّ إلي من أن أعمل بمكة خطيئة واحدة».
عهد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه
وعن علقمة، قال: زلزلت قَسَا – وهي موضع عند البصرة - على عهد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال عبد الله: «إنا كنا نرى الآيات مع رسول الله -تعالى- بركات، وأنتم ترونها تخويفا»، وعن عبد الله بن مسعود أيضاً - -رضي الله عنه- - قال: «إذا سمعتم هذا من السماء فافزعوا إلى الصلاة»، عن قزعة عن علي -رضي الله عنه- أنه صلى في زلزلة ستَّ ركعاتٍ في أربعِ سجداتٍ: خَمْسُ ركعاتٍ وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة.
في زمن التابعي الجليل عون بن عبدالله
وكان التابعي الجليل عون بن عبد الله: «ما رأيت أ علم بتأويل كتاب الله منه» وهو محمد بن كعب القرظي معه جلساء كانوا من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجده الربذة – وهو موضع يقع على بعد 200 كيلو متراً تقريباً شرقي المدينة النبوية -فجاءت زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعاً تحته رحمهم الله.
رجفة بالشام «سنة 130 هـ»
ويَذْكُرُ محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري رحمه الله - حفيد الصحابي شداد بن أوس الأنصاري -رضي الله عنه- -: أنه لما كانت الرجفة التي بالشام «سنة 130 هـ» كان أكثرها ببيت المقدس، فهلك كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرِهم، ووقع منزل شداد بن أوس - -رضي الله عنه- - على من كان معه، وسَلِمَ محمد بن شداد، وقد ذهبت رِجْلُهُ وذهب مَتاعُهُ تحت الردم.
رجفة حمص «سنة 94 هـ»
ونقل أبو بكر الخلال في (كتاب العلل) عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: «سألني إنسان عن الرجفة، فكتبت له هذا الحديث - وقال: ما أَحْسَنَهُ -: أنبأنا أبو المغيرة، قال: «أصاب الناس رجفة بحمص «سنة 94 هـ» ففزع الناس إلى المسجد، فلما صلى أيفع بن عبد الكلاعي صلاة الغداة، قام في الناس، فأمرهم بتقوى الله، وحذرهم وأنذرهم، ونزع القوارع من القرآن، وذكر الذين أهلكوا بالرجفة قبلنا، ثم قال: «والله، ما أصابت قوما قط قبلكم إلا أصبحوا في دارهم جاثمين، فاحمدوا الله الذي عافاكم ودفع عنكم، ولم يُهْلِكُّمْ بما أهلك به الظالمين قبلكم»، وكان أكثر دعائه: «لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفروا الله».
اتقوا الله -تعالى- واعتبروا بما جرى
قال الشيخ صالح فوزان الفوزان: أيُّها الناس، اتقوا الله -تعالى-، واعتبروا بما جرى ويجري من الأحداث المروعة من حولكم فإن فيها مزدجرًا لمن كان حي القلب حاضره، وأما الغافل فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون، تذكروا -عباد الله- بهذا الزلزال الذي يهدد أهل المعاصي ومن جاورهم، يهددهم ليلاً ونهاراً، تذكروا الزلزال الأكبر عند قيام الساعة قال -تعالى-: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا}، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ- يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}؛ فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أنفسكم وأصلحوا من حولكم وأصلحوا في بلادكم، يصلح الله أموركم ويغفر لكم ذنوبكم.
أسوأ 10 زلازل ضربت الكرة الأرضية منذ عام 1950
1. زلزال تشيلي (قوته 9.5): وقع هذا الزلزال بتاريخ 22-5-1960، وهو أقوى زلزال مُسجل في تاريخ البشرية، تسبب هذا الزلزال في وقوع موجات تسونامي أثرت على كل من الولايات المتحدة واليابان والفلبين، وقد نتج عن الزلزال والتسونامي مقتل 6000 شخص تقريبًا.
2. زلزال الاسكا (قوته 9.2): وقع بتاريخ 28-3-1964، وقد تسبب هذا الزلزال في حدوث موجات تسونامي تسببت في خسائر مادية بلغت 311 مليون دولار، ومقتل 143 شخصًا.
3. زلزال سومطرة – اندونيسيا (قوته 9.1): وقع بتاريخ 26-12-2004، تسبب هذا الزلزال الكبير في تكوين موجات تسونامي هائلة، أثرت على دول عدة، وتسببت في مقتل أكثر من ربع مليون شخص.
4. زلزال هونشو – اليابان (قوته 9.0): بتاريخ 11-3-2011، من أكثر الزلازل أثراً بالتاريخ، حيثُ تسبب هذا الزلزال الذي استمر لـ 6 دقائق بموجات تسونامي هائلة، تسببت في خسائر مادية بالمليارات ومقتل أكثر من 18 الف شخص.
5. زلزال كاماتشكا – روسيا (قوته 9.0): بتاريخ 4-11-1952 وتسبب في خسائر مادية تقدر بمليون دولار ولكن دون وقوع ضحايا.
6. زلزال تشيلي (قوته 8.8): بتاريخ 27-2-2010 ، وتسبب في مقتل 525 شخصاً وتدمير مئات المباني.
7. زلزال سواحل الاكوادور (قوته 8.8): بتاريخ 31-1-1906 وتسبب في مقتل 1000 شخص تقريباً.
8. زلزال جزيرة الفئران – الاسكا (قوته 8.7): بتاريخ 4-2-1965 ، تسبب هذا الزلزال الكبير في وقوع تسونامي ولكن دون وجود خسائر كبيرة؛ بسبب ندرة عدد السكان والمدن.
9. زلزال سومطرة – اندونيسيا (قوته 8.6): وقع هذا الزلزال بتاريخ 28-3-2005 وتسبب في مقتل 1346شخصاً.
10. زلزال اسام في التيبت بين الهند والصين (قوته 8.6): وقع هذا الزلزال بتاريخ 15-8-1950، وتسبب في مقتل 30 ألف شخص، وتدمير الآف المنازل والمعابد والمساجد.
الواجب على المسلمين عند حدوث الزلزال
قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: لا شك أن ما حصل من الزلازل في جهات كثيرة، من جملة الآيات التي يخوف الله بها -سبحانه- عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد، ويسبب لهم أنواعًا من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي، كما قال الله -عز وجل-: {ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى: 3)، فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم، التوبة إلى الله -سبحانه-، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء، ويمنحهم كل خير.
الزلازل تخويف من الله -عزوجل- لعباده
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الزلازل من الآيات التي يخوِّف الله بها عباده، كما يخوِّفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده، فهذه حكمة منه سبحانه.
لاتوجد تعليقات