رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: د. وفاء صالح الفايز 20 نوفمبر، 2016 0 تعليق

فيض القدير في تبرئة السلفية من الغلو والتكفير (3) مفاهيم خطأ حيال المنهج السلفي

منهج السلفية ينبعث من روح الوسطية، والوسطية هي: الاعتدال في الاعتقاد، والموقف، والسلوك، والنظام، والمعاملة، والأخلاق

 

السلفية هي المنهج الحق الذي يمثل الإسلام نقيا كما نزل، ويصوره أصدق تصوير بالتزام الكتاب والسنة منهجا وطريقا، وفق فهم قرون الخيرية، سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين الذين بهم قامت حضارة الإسلام العظيمة، وكانت لهم -بفضل توفيق الله تعالى لهم- دفعة قوية حافظت على استمرار الأمة في علوها، وقيادتها للبشرية قرونا طويلة.

     ومن هنا كان فهم منهج السلف في العقيدة والعبادات والعادات والأخلاق والسلوكيات، والتعرف على موقف المنهج السلفي من القضايا التي تقوم عليها حياة الناس المعاصرة من الضرورة بمكان، ولاسيما في ظل هذا اللغط الفكري، واللبس الثقافي، والخلط والإشكاليات وسط أدعياء كثيرين كل منهم يدعي أنه السلفي، وأنه الفرقة الناجية، وأن العلم يؤخذ منه وينتهي عنده.

إلجام من وصم السلفية بالعداء

     تجردت السلفية على امتدادها من كل الأنواع العدائية والكيدية؛ فلم تكن تدعو إلى حزبية أو مذهبية، تتعصب لفكرتها وتنافس غيرها من المذاهب، لا! إنها خطوة على طريق منهج السلف الصالح المتمثل في كلام الله -سبحانه وتعالى- وكلام رسوله[، وفيما يأتي نورد ملمحين رئيسين لمنهج السلفية بوداعته وسماحته، وتجنبه لما يهوي بالمسلم في مكان سحيق من العداء والشقاق.

أولاً: السلفية منهج رباني لا مذهبي افتراقي

     من المسلم به بديهياً أن نزعة المذهبية والحزبية مدعاة للخلاف والشقاق، فهي تفرق ولا تجمع، وتمزق ولا توفق، والسلفية لم تكن في شيء من ركام تلك الحزبية والمذهبية بتصوراتها الخلافية العدائية، وقد صرح بهذه الحقيقة ترجمان السلفية (الإمام ابن تيمية) في مواضع متعددة من كتبه ومنها:

إني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدع أحداً قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.

     إذاً السلفية الحقة بدعوتها الموروثة أممية لا حزبية، وشمولية لا تجزيئية، أساسها الموازنات الشرعية السديدة، وبوُصلتها الكتاب والسنة، وزادها الزهد والعبادة، وشعارها اتقاء الشبهات، ومسلكها ترك ما يريب، وهي بكل حال تعطي ولا تأخذ، ولا تطمع أن تأخذ.

إنها المدرسة التي تحافظ على العقيدة، والمنهج الإسلامي طبقا لفهم الأوائل، وليست هي من تأسيس البشر، إنما هي الإسلام نفسه بالفهم الصحيح، علما وعملا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهي تحارب الحزبية والعصبية التي تفرق بين الناس.

     ويفصل ذلك الشيخ (ابن عثيمين) -رحمه الله- في قوله: السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية، وأما اتخاذ السلفية بوصفه منهجا خاصا ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية منهج حزبي؛ فلاشك أن هذا خلاف السلفية؛ فالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً.

لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبيا بوصفه منهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي ينكر ولا يمكن إقراره.

     وبذلك فهي تدعو للأخوة الإيمانية، وتحث على الأخلاق الإسلامية، وتنهى عن مسببات الخلاف والشقاق والبغضاء، وتحل ما أحل الله ورسوله، وتحرم ما حرمه الله ورسوله، ولا تخلع يدا من بيعة، ولا تشق عصا الجماعة، ولا تفرح بمصائب المؤمنين، وتدعو إلى الله بالحكمة.

ثانياً سلامة منهج السلفية من العدوانية لأصالته التكوينية

     إن منهج السلفية تجسيد لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم ، وعين منهجية خير القرون ممن تخرج في مدرسة النبي على التواتر من نجوم الهداية والاقتداء عبر أفلاك ومنازل أقمار القرون الثلاثة الأولى ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولعلهم المعنيون -كما قال جمع من المفسرين- في قوله تعالى: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين}، كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة، والمراد بالأولين منهم الصحابة، وقيل: هم كلهم من هذه الأمة، والمراد بثلة من الآخرين: هم من بعد ذلك إلى قيام الساعة.

     والتأصيل يبدأ بالعنعنة عن النبي ثم عن القرون الأولى، التي قال فيها قدوة العالمين صلى الله عليه وسلم : «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن».

     ورحم الله الأوزاعي حين قال: «وما أرى امرأ في أمر بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا أتباعه، ولو لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال فيه أصحابه من بعده كانوا أولى فيه بالحق منا؛ لأن الله -تعالى- أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: 100)، وقلتم أنتم لا بل تعرضها على رأينا في الكتاب فما وافقه منها صدقناه وما خالفه تركناه، وتلك غاية كل محدث في الإسلام، رد ما خالف رأيه من السنة.

     فالسلفية على درب هؤلاء الأوائل تسير بمنهجها الوادع اللين، بعيدة عن الفظاظة والغلظة؛ وذاك مراد الله من خلقه، والمسلم الحق هو من يهرع إلى رسول الله مستفتيا سنته كلما طرأ له أمر ذي بال؛ إذ إن حياته المعنوية قائمة بين المسلمين، متمثلة بكتب السنة، وعليه أن يرضى بعد ذلك بحكم رسول الله الوارد في سنته، وهو إن لم يفعل ذلك فهو بحاجة إلى تجديد إيمانه، قال الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء: 65).

وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(آل عمران: 31)، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}(النساء: 115).

     ويتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الحكم وسنة خلفائه من بعده؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»، فما ورد من تفسير أو حكم أو قضاء عن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- هو مفسر للسنة ومقدم على اجتهاد من جاء بعدهم، إلا إذا تغيرت الظروف واحتاج المسلمون إلى اجتهاد جديد.

ثالثاً: قيام منهج السلفية على الوسطية والاعتدال

     مما لاشك فيه أن منهج السلفية ينبعث من روح الوسطية، والوسطية هي: الاعتدال في الاعتقاد، والموقف، والسلوك، والنظام، والمعاملة، والأخلاق، ومعناه أن الإسلام دين معتدل غير جانح، ولا مفرط في شيء؛ فليس فيه مغالاة، ولا تتطرف، ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا تهاون، ولا تقصير، ولا تساهل، ولا تفريط، وهو معنى الاستقامة.

     ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في فقه فهم الوسطية التي اعتمد عليها منهج السلف: فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيعا له؛ فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه عن الحد.

من خلال قول ابن القيم السابق يفطن اللبيب إلى وسطية منهج السلف الذي أقره شيوخ السلف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك