رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: بدرية وخيرية الفيلكاوي 19 ديسمبر، 2018 0 تعليق

فويل لقاضي الأرض من قاضي السماء

 

 حكت كتب التاريخ عن وزير ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها؛ فشكته إلى الله؛ فأوصاها مستهزئاً بالدعاء في ثلث الليل الآخر؛ فأخذت تدعو عليه شهراً؛ فابتلاه الله بحاكم فوقه قطع يده وعزله وأهانه.

 

فمرت عليه وهو يجلد فشكرته على وصيته، وقالت:

 إذا جار الوزير وكاتباه

                                     وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فويل ثم ويل ثم ويل

                                          لقاضي الأرض من قاضي السماء

إنما هذا جزاء الظلم، ومعنى الظلم هو مجاوزة الحد، والظلم وضع الشيء في غير موضعه.

والظلم أنواع:  كظلم الإنسان في حق الله: ومنها الشرك،  وهو أظلم الظلم ، قال -تعالى-: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)، ومنها التعدِّي على حدود الله: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة:229).

     ومن أنواع الظلم ظلم العباد فيما بينهم. وكان السلف يخافون الظلم وعاقبته، قال سفيان الثوري: «إن لقيت الله -تعالى- بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله -تعالى- أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد»؛ وذلك أن الذنوب يغفرها الله -سبحانه وتعالى- ويعفو عنها، إذا كانت غير متعلقة بحقوق العباد. والظلم يكون بالقول، كالغيبة، والنَّمِيمَة، والسخرية، والسباب، والتنابز بالألقاب، والاستهزاء، ونحو ذلك.

أو يكون الظلم بالفعل كالقتل بغير حق، وأخذ أرض الناس أو شيء منها، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين» رواه البخاري (3198).

     والظلم الواقع بالأسر كظلم الأولاد لوالديهم بعقوقهم، وتَفضيل بعض الأولاد على بعض بالعطايا والهبات، وظلم الأزواج لزوجاتهم ومنع  حقهنَّ بالصداق، أو النفقة، وظلم الزوجات لأزواجهنَّ بـتقصيرهن في حقهم، وإنكار فضلهم، وظلم البنات بعضلهنَّ عن الزواج، قال -تعالى-: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (النساء: 19)، والمعنى: لا يحل لكم إرث النساء، ولا عضلهن، أي ولا التضييق عليهن، لأجل أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي أعطيتموهن من ميراث، أو صداق، أو غير ذلك.

     ومن ظلم العباد بعضهم بعضا ظلم العمال، ويكون إما بعدم إعطاء العامل أجره أو بخس حقه أو تأخيره، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» رواه البخاري (2227).

     ومن الظلم أكل أموال الضعفاء كاليتامى: قال -تعالى- {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء: 10)؛ فقد حذر الله -تعالى- في أكثر من آية في الوعيد كقوله: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء) كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» رواه البخاري (1496).

وللظالم عاقبت وخيمة، ونهاية أليمة؛ فقد جعل الله عقوبة الظلم معجلة في الدنيا: «ما من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ -تعالى- لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يَدَّخِرُه له في الآخرةِ من البَغْيِ، وقطيعةِ الرَّحِمِ» صحيح الجامع.

     فقد ذكر لنا القرآن أكبر الطغاة الظلمة الذين عجل الله بعذابه، إنه فرعون {علَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(القصص: 4)؛ فكانت النتيجة {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (القصص: 40).

ولما حُبس خالد برمك وولده في نكبة البرامكة، قال: يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس؛ فقال يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.

ولربما تأخرت إجابة الدعوة، والله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} (إبراهيم:42-43).

وقد يكون هذا التأخير لحكمة «إن اللهَ ليُملي للظالمِ، حتى إذا أخذه لم يفلتْهُ» رواه البخاري4686.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك