رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.جمال المراكبي 10 ديسمبر، 2012 0 تعليق

فوائد البنوك.. ومخالفة رب العالمين

 

الربا نظام متغلغل في أعماق النفس البشرية منذ تسلَّط الشيطان على بني آدم وغيَّر فطرتهم، فزين لهم الإشراك بالله، وزين لهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ودعاهم إلى أكل الأموال بينهم بالباطل.

وقد تخصص اليهود المغضوب عليهم في أكل أموال الناس بالباطل، وأخذ الربا وقد نهوا عنه؛ فاستحقوا غضب الله ولعنته، وكان من نتيجة ذلك أن قام الاقتصاد العالمي على نظام ربوي، دعامته البنوك الربوية التي يقوم نشاطها على الإقراض والاقتراض، فتتلقى البنوك أموال المودعين بفوائد محددة، ثم تقوم بإقراضها للمستثمرين وغير المستثمرين بفوائد أكبر، وتعتمد في أرباحها على الفارق بين الفائدتين.

     وقد انتقد القرآن الكريم طريقة اليهود، وبين أن الله تعالى عاقبهم في الدنيا، فحرم عليهم طيبات أحلت لهم، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة، ونعى على أحبارهم ورهبانهم أنهم ما أنكروا عليهم، فقال سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:160 - 161).
     وقال تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (المائدة: 62 - 63).

- كيف تعاملت الشريعة الإسلامية مع النظام الربوي؟

- رفضت الشريعة الإسلامية نظام الربا منذ الوهلة الأولى، ولكن اقتضت حكمة الله أن تتدرج النصوص الشرعية في تحريم الربا المتغلغل في نفوس البشر والمهيمن على معاملاتهم؛ ولهذا نجد في القرآن المكي التنفير من الربا، والحث على الصدقة دون الحديث عن الحِلِّ والحرمة،
     قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ، وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم: 39).
     ثم نزل القرآن بالنهي عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة كما كان معهودًا في الجاهلية، وحث المسلمين على تقوى الله واجتناب محارمه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 130).

     ثم كان آخر ما نزل من القرآن من تشريع تحريم الربا ودعواهم الفاسدة بأن البيع مثل الربا، وذكر هذه الدعوى الباطلة، ثم دعوة المؤمنين لترك ما بقي من الربا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَّبَطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة: 275 - 279).

ربا النسيئة وربا الفضل

     والربا المنهي عنه في الآيات هو ربا الجاهلية المعهود في زمن نزول التشريع، وهو الزيادة على أصل الدين عند حلول الأجل، وذلك أن العرب كانت لا تعرف رِبًا إلا ذلك، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تُرْبي، وقد حرم المولى تبارك وتعالى هذا الربا بالكلية، وقال النبي [ في حجة الوداع: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب».
هذا النوع من الربا هو الذي كان معروفًا بين العرب في الجاهلية، وهو الذي يسمى ربا النسيئة، وهو المراد بالربا في القرآن، وقد بينت السنة نوعًا آخر من الربا وهو ربا الفضل، وهو الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد».

     فربا النسيئة هو الربا الجلي الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تمامًا ما تفعله البنوك الربوية؛ حيث تقبل أموال المودعين، وتعطيهم في مقابل ذلك فائدة محددة سلفًا، وربما تجمع الفوائد أو نسبة منها وتجعلها في صورة جوائز يحصل عليها بعض المودعين دون غيرهم فتجمع بذلك بين الربا والمقامرة.

     أما أموال المودعين لدى البنوك فتقوم البنوك بإعادة إقراضها بفائدة أعلى للمستثمرين ولغير المستثمرين، وتحصل هذه البنوك على الفارق بين سعر الفائدة الأول وسعر الفائدة الثاني، وتعده صافي الأرباح.

     والقول بأن البنوك تستثمر أموال المودعين لديها في مشروعات إنتاجية قول فيه حق وباطل؛ لأن البنوك لا تستثمر بنفسها وإنما بإقراض غيرها من المستثمرين، فتعتبر هذا الإقراض نوعًا من الاستثمار، وهو في حقيقته قرض ربوي.

     وفتوى مجمع البحوث الإسلامية التي صدرت مؤخرًا وقضت بأن فوائد البنوك حلال شرعًا إنما تأسست على اعتبار أمرين:

- الأول: أن البنوك تقوم بدور المضارب الذي يستثمر أموال غيره في مضاربة شرعية.

- الثاني: أن أقوال أهل العلم بعدم جواز تحديد قدر معين من المال في المضاربة لا دليل عليه من الكتاب والسنة، والأمر في ذلك متروك لرضا الطرفين.
     والحقيقة أن هذين الأمرين فاسدان، فالبنوك لا تتاجر بأموال المودعين ولا تستثمرها في مشروعات استثمارية تنشئها وتقوم عليها بنفسها حتى تأخذ حكم المضارب، وهو الذي يشارك بجهده وعمله في عقد المضاربة فيتاجر بأموال غيره ويقتسم مع صاحب المال الأرباح الناتجة، وإنما تقوم البنوك بإقراض هذه الأموال لغيرها بفائدة محددة سلفًا، وإذا كانت البنوك تستثمر أحيانًا بنفسها فإن نسبة هذا الاستثمار لا تساوي شيئًا بجوار ما تقوم البنوك بإقراضه للغير، والمستثمر الذي يتعامل مع البنك يطلب قرضًا بفائدة، ويعطيه البنك هذا القرض بفائدة محددة، ولا يستطيع أحد أن يقول إن البنك يشارك المستثمر في مشروعه، وإنما البنك يقرضه فقط، وحكاية المستثمرين المتعثرين الذين أخذوا القروض العظيمة وهربوا بها أبلغ دليل على ذلك.
     فالبنوك لا تضارب بأموال المودعين بنفسها، ولا تشارك غيرها من المستثمرين في مضاربات مشروعة، وإنما تقترض أموال المودعين بفائدة بسيطة محدودة، وتعيد إقراضها للغير بفائدة كبيرة أكبر.

     والأمر الثاني الذي تأسست عليه فتوى المجمع، هو جواز تحديد قدر معين من المال لصاحب المال كربح يتفق عليه بين صاحب المال وبين المضارب، وأنه لا يوجد نص في الكتاب والسنة يمنع من ذلك، وأن اجتهادات السابقين لا تلزم في هذا الشأن هذا فاسد أيضًا؛ فالنبي[ نهى عن مثل هذا التحديد في عقود المزارعة كما في الحديث الذي أخرجه البخاري عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلاً، وكان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم » (البخاري ك المزارعة، ب ما يكره من الشروط في المزارعة ح2332).

     وفي رواية يقول رافع: لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقًا، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: «ما تصنعون بمحاقلكم؟» أي بحقولكم؟ قلت: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير، قال: «لا تفعلوا، ازرعوها أو أمسكوها» قال رافع: سمعًا وطاعة.

     ومن هذا الحديث أخذ الفقهاء عدم جواز تحديد قطعة من الأرض يأخذ صاحب الأرض ريعها، وكذلك عدم تحديد شيء من الزرع يأخذه، بل يأخذ نسبة من عموم ما تخرجه الأرض، وهذا هو ما اشترطوه في المضاربة الشرعية، وخالفته صراحةً فتوى مجمع البحوث الأخيرة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك