فن السعادة الزوجية (3) اعرف مسؤوليتـك
لقد اهتم الإسلام بالحياة الزوجية اهتماماً كبيراً، وسمى الله عقد الزواج الذي يجمع بين الرجل والمرأة بالميثاق الغليظ، كما في قوله -تعالى-: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء:21)؛ لأن صلاح الأسرة يؤدي إلى صلاح المجتمع، وفساد الأسرة يؤدي إلى فساد المجتمع؛ لذلك وضعت الشريعة قواعد ثابتة للحياة الزوجية، ولم تترك شيئاً يلزم هذه الحياة إلا بيَّنت حكم الله فيه، وبينت لكل من الزوجين ما له وما عليه، وحذرت من كل ما يكدر صفو العلاقة الزوجية، بل وتوعدت كل من تسول له نفسه إفساد هذه العلاقة بأشد العذاب؛ لذلك كانت هذه السلسلة التي نستكشف فيها أسباب السعادة الزوجية.
اعرف مسؤوليتـك
مما يجنِّبنا المنغصات في الحياة الزوجية أن يتعرف الزوجان على مسؤولتيهما الزوجية، ماذا يريد الرجل من زوجته؟، وماذا تريد المرأة من زوجها؟، وفق ما شرع الله -عز وجل-؛ لتحقيق النجاح والسعادة في الحياة الزوجية.
الرجل يريد القوامة
الرجل يريد القوامة بمعانيها وضوابطها الشرعية على زوجته، لا يريد منافساً ولا منازعاً له فيها، لا من الزوجة ولا من ذويها، أما الزوجة الصالحة العاقلة فإنها لا تنازع زوجها هذا الحق أبداً، بل تفخر أن زوجها قيِّمٌ عليها، وتسعى إلى ترسيخ هذه القوامة من خلال التزامها الصادق بحقوقها، والذي أعطى الرجل حق القوامة على زوجته هو الله -عزوجل-، قال -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء:34)، فالقوامة تكليف ومسؤولية وقيادة. يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله عند تفسير هذه الآية-: «الرجل قيِّمٌ على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، ومُؤدِّبُها إذا اعوجت، فالصالحات مطيعات لأزواجهن، تحفظ زوجها في غيبته وماله».
طاعة الزوج بالمعروف
ومن حقوق الزوج في هذه القوامة: أن تطيعه زوجته في كل ما شرع الله له، وفي كل معروف لا يخالف أمر الله، وهذا هو معنى القنوت في قوله -تعالى-: {قانتات} أي مطيعات لأزواجهن. وألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وأن تستأذنه في كل تصرف يمس حقوقه ورعايته. رُوي بسند حسن عن عبدالله بن أبي أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم [- أنه قال: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها، حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب، لم تمنعه» صحيح ابن ماجة (1515) (كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة) وانظر الصحيحة (1203). والقتب هو الرحل الصغير يوضع على البعير.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه (أي التطوع)، أو تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره» رواه البخاري (كتاب النكاح، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً).
وهنا أود أن ألفت النظر، إلى أن الزوج -وإن كان يملك بهذه القوامة حسن الرعاية الكاملة والإصلاح والتأديب عند الحاجة-، فإنه يكون وفق المنهج الإلهي العادل والحكيم: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، لكن هذه المسؤولية القيادية لا تعني أن يتعسف الزوج في استعمال حقه فيها، أو يظلم زوجته، كما لا يجوز له أن يفرِّط فيها أو يقصِّر، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -تعالى- سائل كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ أم ضيَّع؟، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» صحيح رواه ابن حبان، وانظر الصحيحة (1636).
تصور خطأ عن القوامة
إن من المؤسف جداً أن يتصور بعض الأزواج أن القوامة تتمثل في القسوة والشدة، وأن أوامر الزوج تنفذ دون مناقشة ولا تردد، في جو ومناخ أشبه بالمناخ العسكري، وهذا لا شك أنه فهم وتصور خطأ لمعنى القوامة، وأنا أذكر لكم هنا مسألة مهمة يحصل فيها تعسف من الأزواج، وهي موضوع إذن الزوج لزوجته بالخروج، وهذا في كثير من الأحيان يحصل بسببه خلاف يكدر صفو العلاقة بين الزوجين، والواجب أن يتفق الزوجان بثقة على إذن مسبق تملكه الزوجة لخروجها عند الحاجة، كما قال الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله.
رعاية حق قوامة الرجل
وعلى الزوجة أن ترعى حق هذه القوامة لزوجها، بتوقير الزوج وإكرامه واحترام مشاعره وأحاسيسه، ولها من الله ثواب عظيم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» رواه الإمام أحمد وابن حبان وصححه الألباني في آداب الزفاف (ص286). وسيأتي مزيد من التفصيل لهذا الموضوع في فصل مهم بعنوان (لنتحاش المنغصات).
المعاشرة بالمعروف
وهي تريد من زوجها في مقابل أداء حقوق القِوامة له، المعاشرة بالمعروف؛ لذلك اقترن بتكليف المنهج الرباني للزوج بالقوامة والقيادة مع تكليفه بحسن معاشرة زوجته، ضماناً لسلامة هذه القوامة وحفظ الحقوق الزوجية، قال -تعالى-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء:19) يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في معنى هذه الآية: «أمرهم الله بمعاشرتهن بالمعروف، أي طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله».
مفاهيم مغلوطـة
بعض الأزواج - هداهم الله - يظن أن حقوق المرأة تنحصر في توفير المأكل والمشرب والمسكن ونحو ذلك من الأمور المادية، حتى أنك ترى بعضهم إذا اختلف مع زوجته صرخ بوجهها: أنا ما قصرت معاك، كل شيء وفرت لكم في البيت، أكل وشرب وملابس إلخ. وهذا تصور خطأ وفهم مغلوط للحقوق الزوجية.
المرأة ما خرجت من منزل أبيها رغبةً في الطعام أو الشراب أو الكساء، وإن كان واجباً عليك أيها الزوج أن تنفق على زوجتك لقوله -تعالى-: {لينفق ذو سعة من سعته} (الطلاق:7) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» صحيح أبو داود (1692) (كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم) وانظر الإرواء (894). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» صحيح ابن ماجة (1513) (كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج) وانظر آداب الزفاف (270).
ما تحتاجه المرأة
لكن ليس هذا ما تحتاجه المرأة يوم خرجت من بيت أبيها، المرأة تحتاج زوجاً يحنو عليها، ويلاطفها، ويراعي طبيعتها التكوينية، وعاطفتها الفطرية، عند التعامل معها كزوجة، فهي رقيقة المشاعر والعواطف، أما ترى النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يلاطف زوجته عائشة: فقد ثبت في مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض (أي آكل اللحم من العظم)، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيّ.
وهذا يوضح مدى تلطفه - صلى الله عليه وسلم - بأهله، وعيشه عيش المحب لهم الحريص على إدخال السرور على أنفسهم. وهذه دعوة لكل زوج وكل أسرة أن تتبصر في هذا الهدي الكريم، وأن تجعله نبراساً لها تسير عليه، وصدق الله إذ قال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
الزوج الحكيم
فالزوج الحكيم هو الذي يقابل تصرفاتها الخطأ بالحكمة والحلم والرفق، ويعالج إساءتها بالصبر والتسامح، وهذا ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنساء خيراً» رواه مسلم (كتاب النكاح، باب مداراة النساء والوصية بهن) وانظر الإرواء (1997)، وقال: «إن المرأة خلقت من ضِلع أعوج، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها».
الزوج المثالي
والزوج المثالي في عشرة أهله هو الذي يتجمل بالخلق الكريم في التعامل مع زوجته، فإذا كانت معاملة عامة الناس بالخلق الحسن مطلوبة، فمع الزوجة من باب أولى، فهي أقرب الناس إليك، وأقرب الجيران إليك، وأنت مطلوب منك أن تحسن إلى الجار، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً» صحيح سنن الترمذي (1162) (كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة)، وانظر الصحيحة (284). يقول الإمام مالك -رحمه الله-: «لير منك أهلك كل خير؛ حتى لا ينظروا إلى غيرك»، حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. رواه أحمد، وانظر الضعيفة (4282).
لاتوجد تعليقات