رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد السنين 25 أكتوبر، 2022 0 تعليق

فن السعادة الزوجية (1) حياة أسرية بلا مشكلات

 

لقد اهتم الإسلام بالحياة الزوجية اهتماماً كبيراً، وسمى الله عقد الزواج الذي يجمع بين الرجل والمرأة بالميثاق الغليظ، كما في قوله -تعالى-: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} (النساء:21)؛ لأن صلاح الأسرة يؤدي إلى صلاح المجتمع، وفساد الأسرة يؤدي إلى فساد المجتمع؛ لذلك وضعت الشريعة قواعد ثابتة للحياة الزوجية، ولم تترك شيئاً يلزم هذه الحياة إلا وضحت حكم الله فيه، وبينت لكل من الزوجين ما له وما عليه، وحذرت من كل ما يكدر صفو العلاقة الزوجية، بل وتوعدت كل من تسول له نفسه إفساد هذه العلاقة بأشد العذاب.

     فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» صحيح سنن أبي داود (2175) (كتاب الطلاق، باب فيمن خبب امرأة على زوجها) وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني (324-325). أي يفسدها عليه: إما بالتدخل المباشر في حياة الزوجين كما يفعل بعض ذوي الزوجين، أو غير المباشر كما هو ظاهر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، من التحريض والإغراء في زرع بذور الشقاق.

حياة مودة ورحمة

     إذاً فالحياة الزوجية هي حياة مودة ورحمة {لتسكنوا إليها} نعم، ليسكن إليها، ولم يقل ليسكن معها، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك، والهدوء في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها؛ فكلٌّ من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق، وسنضع - بإذن الله - في هذه السلسلة بعض الوسـائل السديدة للحياة الزوجية السعيدة، والحلول الناجحة لبعض المشكلات الزوجية العصرية، سائلين المولى -عز وجل- التوفيق والسداد، وأن يُديم على كل زوجين الحب والمودة والرحمة، وأن يجمع بينهما على خير في الدنيا والآخرة آمين.

حياة أسرية بلا مشكلات

لا شك أن الحياة الزوجية السعيدة الخالية من المشكلات مطلب لكل رجل وامرأة على السواء، وهي من طيب العيش الذي يرجوه كل إنسان في هذه الحياة، لكن هذه الحياة لابد أن يعتريها بعض المشكلات التي تنغص صفوها، وتهدد بقاءها واستمرارها، وقد تضع نهاية مؤلمة لها وهي الطلاق.

أمر لا مفر منه

     والخلافات الزوجية أمر لا مفر منه، والذي يدّعي خلو حياته من المشكلات الزوجية أو الخلافات فادعاؤه غير صحيح، وضربٌ من الخيال، وذلك لسببين، حتى لا ننشد مثالية لا وجود لها في واقع الحياة البشرية، لا بين الزوجين، ولا بين أيِّ متعامِلَين على هذه الأرض:

- أولاً: الزواج رابطة بين اثنين مختلفين في الجنس والتكوين والعقل والعاطفة، ومن آيات الله -تعالى- أنه لم يخلق اثنين متشابهين تماماً في الصفات والأخلاق، فالاختلاف والتبايُن في الصفات والأخلاق هو الذي يسبب تلك الخلافات.

- ثانياً: أبى الله -عز وجل- أن يجعل لنعمةٍ في هذه الدنيا الكمال والتمام، عدا نعمة الدين؛ حتى لا يركن الناس إلى هذه الدنيا ويطمئنوا إليها، فيقصروا في طلب الآخرة.

نعمة من الله عظيمة

      والزواج نعمة من الله عظيمة، والعاقل من الناس من إذا رأى هذه المنغصات والمكدرات في هذه الحياة أدرك أن هذه الدنيا ليست داراً له ومستقرا، إنما الدار والمستقر هي جنة النعيم التي لا نكد ولا منغص فيها، كما قال -تعالى-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} (الفرقان: 24). أما دنيانا هذه فليست فيها نعمة على الحقيقة، فكل نعمة فيها مشوبة بالكدر والنغص، فهي دار الفناء والتعب والابتلاء، قال -تعالى-: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4).

قال بعضهم:

طُبِعتْ على كدر وأنت تريدها

                                                                         صَفواً من الأقذار والأكـدار!

وقال آخر:

ما لي وللدنيـا غدت درك

                                                                  الردى يا قبحها دار الأذى والعار

دار متى ما أضحكت في يومها

                                                            أبكـت غداً تبـّاً لها من دار

     ويقول ابن الجوزي -رحمه الله تعالى فيمن يعيش في هذه الدنيا ويستنكر وجود ما يُنغِّص فيها ويكدر-: «عجباً لمن يضع يده في سلة الأفاعي ويأمن اللسع».

الحياة لا تخلو من المشكلات

     إن الحياة الزوجية مهما كانت درجة الاتفاق والتفاهم والمحبة فيها بين الرجل والمرأة، فإنها لا تخلو ولن تخلو من مشكلة أو خلاف، بل لا نبالغ إذا قلنا بأن الحياة الزوجية السعيدة هي تلك التي لا تخلو من الخلافات الزوجية اليسيرة، والمشكلات الصغيرة العابرة، التي هي أشبه بـ(سحابة صيف) سريعاً ما تنجلي، فيزكو الحُب بين الزوجين ويتجدَّد، وتقوى الرابطة بينهما، ويدرك الزوجان قيمة السعادة، فالأشياء تُعرَف وتتميَّز بأضدادِها كما يُقال.

الخلاف المرفوض

     لذلك نقول: إن الاختلاف في الرأي بين الزوجين أمرٌ مقبول، ولا داعي للخوف أو القلق منه، لكن الذي نرفضه في الحياة الزوجية ونسعى إلى الوقاية منه وعلاجه إن وقع هو: الخلاف المستمر، والتشاجر والتباغض والصراع حول التافه والجليل من الأمور، هذا هو المرفوض، وهذا هو الذي يعنينا في هذه الرسالة، حول حياة أسرية أو زوجية سعيدة بلا مشكلات.

     فالمشكلات التي نعنيها هي التي تهدد حياة الزوجين مباشرة، وتحدث بينهما هُوَّة قد يصعب إغلاقها، وتؤدي إلى أمر لا يحمد عقباه، وهذه المشكلات منها ما هي: مشتركة بين الزوجين، ومنها ما يتفرد به الزوج، ومنها ما تتفرد به الزوجة. وعلى هذا تدور معظم الخلافات والمشكلات بين الزوجين، وفي السطور الآتية بيان لبعض الوسائل والطرائق الناجعة النافعة لتستمر وتدوم الحياة بين الزوجين بسعادة وحب وهناء.

الأمر الأول: احرص على الاختـيار

     احرص على اختيار شريك الحياة، وهذا الكلام نُوجِّهُهُ إلى المقبلين على الزواج من أبنائنا وبناتنا، فإن اختيار شريك الحياة أكثر الاختيارات أهمية على الإطلاق، ومن استطاع أن يختار شريكه اختياراً سليماً؛ استطاع أن يحقق خطوة مهمة في سبيل تحقيق السعادة المنشودة في الحياة الزوجية.

     ولقد وضع الإسلام منهجاً يُختار على أساسه شريك الحياة، تناوله الفقهاء في مدوَّناتهم بالتفصيل وليس هذا موضعه، لكن الذي يهمنا من هذا المنهج - أي منهج الاختيار - من حيث الإجمال يتمثل في: ضرورة تعرف كل من الطرفين على الآخر، وهذا التعرف لا يقتصر على معرفة التكوين الخَلقي فحسب، بل يتعداه إلى معرفة التكوين النفسي والروحي والفكري؛ حتى يتمكن الطرفان من معرفة مدى التوافق بينهما.

التكافؤ والتوافق

     وقد أثبتت التجارب أن الحياة الزوجية تنال نصيبها من السعادة والهناء على قدر ما بين الزوجين من تكافؤ وتوافق، واتساق في القيم والمبادئ والاتجاهات والأفكار، والطبيعة والمزاج، وفي النظر إلى الحياة عموما، فلا نزوج بناتنا الصالحات إلا لرجال صالحين في دينهم وخلقهم «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» صحيح سنن ابن ماجة (1614) (كتاب النكاح، باب الأكفاء) وانظر الصحيحة (1022). وقال رجل للحسن البصري -رحمه الله-: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟ قال: «ممن يتقي الله؛ فإن أحبها: أكرمها، وإن أبغضها: لم يظلمها».

     ويختار الشباب الصالحون المرأة الصالحة من ذوات الدين والخلق؛ لأنها الوسيلة الفاعلة في تحقيق السكينة والاستقرار، وتوفير أجواء المودة والرحمة والهناء؛ ولهذا حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الظَّفر بذات الدين بوصفه مطلبا جوهريا جامعا لخصال الخير، «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه مسلم، (كتاب النكاح، باب نكاح ذات الدين). وذات الدين أي صاحبة الدين.

     هذا باعتبار التوافق في القيم والمبادئ، وهو بالغ الأهمية لحصول الانسجام بين الزوجين، فلا نزوج موليةً صالحة لغير صالح، فننغص عليها عيشتها، أو العكس، لقرابة ونحوها.

التكافؤ في التفكير والطبيعة

     ثم بعد ذلك التكافؤ أو التقارب بالتفكير والطبيعة والمزاج وفي النظر إلى الحياة عموما ما أمكن، كل ذلك من الأسباب المعينة على تحقيق السعادة الزوجية.

     يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» رواه مسلم (كتاب البر والصلة، باب الأرواح جنود مجندة).

     كم تكون المعاناة بين الزوجين عندما يكون الزوج ذا همة عالية في إنجاز أعماله اليومية في أقل وقت، وكون الزوجة من النوع البطيء (البارد) التي تحتاج إلى يوم كامل لإنجاز عمل ساعة عند الناس.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك