فلسطين والقدس جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية
هل نسي المسلمون ما للأقصى من مكانة في الإسلام؟ أم نسوا أن الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، التي صلى إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يزيد على اثني عشر شهرا؟ أم نسوا أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده؟ كما في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
أم نسوا أن المسجد الأقصى تضاعف فيه الصلاة ويعظم الثواب، قال صلى الله عليه وسلم : «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».
قال ابن تيمية -رحمه الله-: «بدأ الخلق والأمر من مكة المكرمة، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه؛ فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق وهناك يحشر الخلق؛ ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر)؛ فهو البيت الذي عظمته الملل، وأكرمته الرسل، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله -عز وجل-: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن». إن نسي المسلمون تلك المكانة الرفيعة لتلك البقعة المباركة، فإن المولى -سبحانه- قد تكفل بحفظها وإعادتها إلى حياض المسلمين، وسيبقى المسجد الأقصى منارة من منارات الإسلام الشامخة طال الزمان أم قصر.
فالتاريخ لم يُبرز قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية، وحقوقنا التاريخية، وأمجادنا الحضارية، كقضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة، والقدس المقدسة، والأقصى المبارك؛ حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة، لتمثل منظومةً شمطاءَ من العداء المعلن، والكره المبطّن، في تآمر رهيب من القوى العالمية، كان من أبرز إفرازاته الخطيرة انخداعُ كثير من بني جلدتنا بخطط أعدائنا، ويتجلى ذلك في إقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهاتٍ ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية.
كان المسجد الأقصى على مرِّ التاريخ مسجداً للمسلمين من قبل أن يوجد اليهود ومن بعد ما وجدوا؛ فإبراهيم -عليه السلام- هو أول من اتخذ تلك البقعة مسجداً، وقد قال الله -تعالى- عنه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}(آل عمران: 67)، وليس لبني إسرائيل يهوداً ونصارى علاقة بالمسجد الأقصى إلا في الفترات التي كانوا فيها مسلمين مع أنبيائهم المسلمين -عليهم السلام- أما بعد كفرهم بالله تعالى، وشتمهم إياه، وقتلهم الأنبياء فقد انبتت علاقتهم بهذا المسجد الذي تحول إلى إرث المسلمين المؤمنين بجميع الأنبياء -عليهم السلام. ولكن اليهود والنصارى في هذا الزمن لا يسلمون بذلك، ويحاربون المسلمين عليه؛ إذ يعتقد اليهود أن بناء الهيكل الثالث سيخرج ملكاً من نسل داوود عليه السلام، يحكمون به العالم، ويقتلون غير اليهود، كما يعتقد النصارى أن نزول المسيح سيكون في الأرض المباركة، وأنهم سيكونون أتباعه، ويقتلون به غير النصارى؛ فالصراع على بيت المقدس هو صراع ديني عقائدي، يعتقد صهاينة اليهود والنصارى أنهم لن يستطيعوا حكم العالم إلا بعد بناء الهيكل فيه؛ ولذا فلن يتنازلوا عنه مهما كلف الأمر.
إن فلسطين - تاريخاً وأرضاً ومقدسات ومعالم - هي إرث المسلمين، إرثٌ واجب القبول، متحتم الرعاية، لازم الصون، إنه ليس خياراً يتردد فيه المترددون أو شأناً يتحير فيه المتحيرون؛ لهذا وذاك كان أكثر ما سُفِك من دماء المسلمين، وأكثر ما وقع من حروبهم على مر التاريخ حول تلك البقعة، وعلى ذلك الثرى والدم الذي سكبه المسلمون أيام الحروب الماضية، لم يكن لينضب وفي المسلمين أوردة تنبض.
إن المسلمين مدعوون في هذا الزمن إلى العودة إلى الدين، وإلى فهم الإسلام الفهم الصحيح المتكامل، وإلى الاعتزاز بالإسلام والدعوة إليه، والتفاني في التضحية من أجله بالغالي والنفيس. كما أن على المسلمين تحقيق الولاء والبراء؛ ففي الحديث: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله».
فبغض اليهود والنصارى من مقتضيات التوحيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة:51).
لاتوجد تعليقات