فلسطين.. في زمن الغرائب!!
الغريب أن هذا الشعب في كل تاريخه ملوم!! حين يهادن ملوم!! وحين يسالم ملوم!! وحين يقاتل ملوم!! وحين يُطالب ملوم!! وحين يُذبح ملوم!! وحين يُدافع ملوم.. وحين يتكلم ملوم.. وحين يسكت ملوم.. وحين يتجه إلى ربه ملوم!! وحين تخرج منه كلمات العزة في زمن الذلة ملوم..!!!! وحين يأكل من أنفاقه يُلام!! وحين يموت جوعاً يُلام..!!
وحين يحكمه الإسلامي ملوم..!! وحين يحكمه العلماني الماركسي ملوم..!!
والغريب بل العجيب أمر بعضهم الذين ينشطون عندما تشتد مطالب الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه وثوابته ومقدساته، فتبدأ الأكاذيب والشائعات تُنشر بهدف قتل أي تعاطف عربي وإسلامي مع قضية فلسطين، وكلما خمدت تلك الشائعات والأكاذيب إذا بالصحافة اليهودية تحييها وتدفع أتباعها وأذيالها لإظهارها من جديد!!
والغريب أن يشاع عنهم أنهم السبب في نكبتهم وأنهم هم الذين أضاعوا الفرص أمام إعطائهم حقوقهم.. وتحقيق السلام لأطفالهم!! بل قالوا في بداية المشروع اليهودي: لولا معارضة الفلسطينيين للحلول التي عرضتها بريطانيا خلال احتلالها فلسطين منذ ( 1918-1948م) لحل القضية لما وصلت حالتهم إلى ما وصلت إليه!! وكأن بريطانيا التي مكنت اليهود وأقامت كيانهم على أرض فلسطين في ذلك الحين كانت حريصة على حقوق أهل فلسطين!!
والغريب أن يشيع بعض أبناء جلدتنا أن مذبحة "دير ياسين" لم تحدث، وإنما هي أسطورة وهمية وأكذوبة من الأكاذيب، والتي بسبب إشاعتها خرج مئات الألوف من الفلسطينيين إلى خارج فلسطين!! وغفلوا عمّا قاله مناحم بيغين في كتابه الثورة: "إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي"، وأضاف "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل".
والغريب أن يطلق البعض على نساء أهل غزة أنهن متبرجات وكاشفات لمفاتنهن!! والشاشات والفضائيات التي تنقل عبر مراسليها الأحداث بالصوت والصورة لا نرى إلا نساء متسترات متحجبات عفيفات صابرات محتسبات.. لعل من يشيع ذلك قد رأي شوارع غير شوارع غزة وظن أنها من غزة!!
والغريب أن يشاع عن أهل فلسطين أنهم قبوريون وأهل شرك!! - أي أنهم ممن يتبرك بقبور الصالحين ويذبح لها ويدعو عندها - ولم نعهد أهل فلسطين متعلقين بالقبور والشركيات!! بل إن الكثير من المظاهر التي قد تكون ذريعة للشرك قد أزيلت بكل يسر بحمد الله تعالى.. وهؤلاء مازالوا يرددون تلك الشائعات ولم يقدموا شيئا لتغيير المنكرات التي يتحدثون عنها!!
والغريب أن نسمع من بعضهم أن الفلسطينيين هم الذين تركوا بيوتهم بعد أن قبضوا ثمنها!! وأن من بقي منهم في بيته وأرضه فهو آمن لم يصب بأي أذى... ويعيش إلى الآن عزيزاً كريماً متنعماً برزقه!! ومن باعها وتركها فهو الذي مازال مشرداً يعيش في المخيمات ويعاني الذل والهوان!!
ولكن العجيب أن يصر من يذبح من أهل فلسطين على المقاومة ؛ بينما من حول تلك المقاومة ينادون بالسلام والاستسلام؟!! و80% من أهالي غزة هم ممن تم تطهيرهم عرقياً بمجازر وحشية في عام 1948م... وشردوا حينذاك إلى قطاع غزة ومخيمات لبنان وسورية.. وقد شاهدوا المجازر منذ ذلك الحين إلى الآن.. ومع ذلك يتهمون بالخيانة!!
ونذكر هؤلاء بما قاله "يعكوف بيريس" رئيس المخابرات اليهودية العامة "الشاباك" السابق: "لقد قاتلت الفلسطينيين عقوداً من الزمن لم ألحظ خلالها كل هذا العزم الذي يبديه المجتمع الفلسطيني حالياً من استعداد لتقديم التضحيات من أجل التخلص من الاحتلال، إن هذا وحده يكفي لخسارة إسرائيل المعركة".
والغريب أن أصوات البعض لا تسمعها حين يُصعّد اليهود الغاصبون اعتداءاتهم على أهل فلسطين العزل، وتتعالى حينما يسقط قتلى من اليهود الغاصبين.. وتبدأ الأوصاف والفتاوى بأن هؤلاء آمنون مدنيون مع أنهم محاربون مقاتلون.. والبعض انخدع حتى النخاع وأطلق كلمات تصف أن الكيان اليهودي "مسالم" لا يريد الحرب، ويعمل على تجنب خوضها!!، ونحن الطرف المعتدي!!
والغريب أنهم يريدون منا أن نقر بأن ما يفعله الفلسطينيون هو إرهاب لا مقاومة، والذين يقفون بجانبهم يساندون الإرهاب!! ولتأكيد ذلك لم يبقوا ثناء ولا ودفاعا إلا قالوه في الكيان اليهودي؛ مدحوا قادته ودستوره وديمقراطيته وعدله وإنصافه!!
والغريب أنه كلما زادت مناشدات الشعوب العربية والإسلامية ومناداتها بفك الحصار، زاد الحصار إلى حد الخنق والقتل الجماعي، وتوزيع الكاميرات والجنود على الحدود.. والفرقاطة البحرية؛ ليمنعوا أي محاولة لتهريب الأكل والشراب والوقود!! ليبق الفلسطينيون عاجزين عن دفن موتاهم وعلاج مرضاهم وإطعام ضعفائهم!!
والغريب أن القدس تهود وتُغير معالمها ويطرد أهلها بسلب هوياتهم وحرمانهم الإقامة في بيوتهم شرقي القدس، ويريدوننا أن نشاركهم مخططاتهم في تهويد القدس تحت مسمى التطوير للجذب السياحي!! وإقامة متحف أسموه متحف التسامح على مقبرة إسلامية جرفوا قبورها وهي تحوي رفاة صحابة رسول الله[!! وهناك من يقول: أعطوا لليهود فرصة وشاركوهم في تطوير السياحة في القدس!!
والغريب أن نسمع من بعض أبناء ديننا مبررات القتل والتشريد للآلة العسكرية اليهودية الغاصبة.. وإذا بها كلمات المتحدث الرسمي لوزارة الحرب اليهودية ووزارة الخارجية لذلك الكيان المجرم!!
والأشد غرابة أن الفلسطيني في العراق يقتل على أيدي المليشيات الطائفية.. وتسير من نفس المليشيات المظاهرات نصرة لغزة!! ووقوفاً مع الضحايا من أهل فلسطين.. وما زالت أيديهم تقطر دماً من دماء الفلسطينيين في منطقة البلديات التي يعرفونها جيداً..!! ويشيعون في الإعلام أن الفلسطينيين بسبب فقدانهم لوطنهم فقدوا حس الولاء لأوطان الآخرين ولو سكنوها!!
والأكثر غرابة أن من هرب من القتل على أيدي تلك المليشيات ما زال يعيش في مخيمات منذ أكثر من سنتين وثلاث سنوات على الحدود السورية والأردنية.. وأمة العرب والإسلام خذلتهم.. ومن دمعت أعينهم لحالهم دول أجنبية دول مثل السويد والنمسا وإيطاليا، هذا يأخذ 5 منهم وذاك يأخذ 10 وذاك ينظر في استقبالهم، وأمة المليار والنصف.. لا تستطيع أن تقدم شيئاً!!
والغريب أن يقولوا: إننا سنعمر غزة!! ألا يعلمون أن أهل غزة يعيشون في غزة معيشة يتمناها إخوانهم الذين ما زالوا في مخيمات في لبنان أشد مأساوية وبؤساً وحرمانا من أبسط حقوق الإنسان.. أزقة وحواري ضيقة، وبيوت متلاصقة مثلما تتلاصق زنازين السجون، وكأنها زرائب بشرية، ومجارٍ تسيل في الزقاق، تلوث وأمراض، حياة لا تصلح للكائن البشري المسمى "إنسانا"، يطلق عليها المنازل المؤقتة، إن صح التعبير!! وعمرها أكثر من ستين عاما!!
والغريب أن وجود هذا الكيان الغاصب وضمان استمرار وجوده على أرض فلسطين هو بتعهد ورعاية غربية، ومدعوم مع كل سياساته الإجرامية وممارساته الوحشية، ولا يُعد عبئاً على من تعهد بحفظه بل ويقاتل ويضحي بمصالحه من أجله، والمفارقة أن قضية فلسطين لا شك أنها عبء على الامتداد العربي والإسلامي.. وعاجزون أن يقدموا لقضيتهم أقل القليل!!
والغريب أن الكثير يطلق الشائعات والأكاذيب ليبرر عجزه عن نصرة إخوانه، ويضع لنفسه الأعذار ليطلق لسانه بالذم والسب والتسفيه من غير توجيه أو عمل؛ فلهؤلاء نقول: إخوانكم اليوم في ابتلاء عظيم فادعوا الله لهم بالنصر والتمكين وانصروهم بالدعاء والقول الحسن، ولا تكونوا عوناً لأعدائهم عليهم!! ولا تخذلوهم، فإن كنتم عاجزين عن نصرتهم فلا تتركوا العنان لأفواهكم وأقلامكم لتكون أبواقا إعلامية للشائعات التي يطلقها اليهود همساً وعلناً، فإن أعطى اليهود المبرر الكاذب لأنفسهم لتنفيذ مخططاتهم فلا نعترف لهم ولا نقرهم على أعمالهم، ولا تظلموا إخوانكم في الدين فيكفيهم ظلم اليهود الذي عم وطم وطال الحجر والشجر والبشر بما رأيتموه بالصوت والصورة والبث الحي، فالمخططات التي تحبك أكبر من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.
ومهما قالوا وأشاعوا فإن هذه الأرض مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين؛ قال[: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرُهُم المسيح الدجال". أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والطبراني في الكبير، وصححه الألباني في الصحيحة. ومن المعلوم أن عيسى بن مريم – عليه السلام – يدرك المسيح الدجال بباب لد بفلسطين فيقتله؛ وهي أرض المحشر والمنشر، وميراث الأمة المسلمة؛ لذلك فإن الإمامة عليها لا بد أن تكون في يد الأمة المسلمة أمة الشهادة والخلافة على العالمين، وهذا ما وجه النبي محمد[ إليه أمته المسلمة وحملهم مسؤوليته، وقد رسخ النبي[ محبة المسجد الأقصى في قلوب صحابته رضوان الله عليهم وأخبرهم بفتح بيت المقدس وبشرهم بذلك، وستبقى محبة تلك الأرض مستمرة في نفوسنا، فهذا من عقيدتنا، ولن ينجح الأعداء في انتزاع هذه المحبة مهما بذلوا من جهود في ذلك، وستبقى إن شاء الله إلى قيام الساعة؛ لأنها عقر دار المؤمنين ومقام الطائفة المنصورة.
ونقول للمخدوعين بأكاذيب اليهود: لو أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، ورضوا بأن يعيشوا في ظل الاحتلال، ولم يقاوموا المحتل، ولم تبق فلسطين في قلوبهم وذاكرتهم وعبراتهم، أكان حالهم كما هو الآن!! قتل ودمار وجرف وتشريد؟! وهل هناك حاجة للمحتل أن يشتري ويدفع ثمناً لأرض قد احتلها، بعد أن اقترف المجازر من أجل طرد أهلها؟! وهل باعوا أرضهم ليعيشوا أذلة خارج وطنهم؟! وكل ما يحدث لهم هل لأنهم باعوا أرضهم أم لأنهم صامدون عليها؟! وهل هذه التضحيات الجسام التي سطروها بدمائهم ودماء فلذات أكبادهم هل يمكن أن تكون من أناس خانوا أرضهم، ورضوا ببيعها والخروج منها؟! ونذكركم بشهادة المؤرخ البريطاني أرنولد ج. تويني في مقدمة كتابه "تهويد فلسطين": "من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين هو أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم".
ونؤكد أن الشعب الفلسطيني وأهل فلسطين فيهم الصالح والطالح.. ونقر بأن هناك الخونة والمجرمين ممن خان وطنه وأمته من الفلسطينيين، ولا يخلو مجتمع حتى في عهد النبي[ من ضعاف النفوس والمنافقين، وليس من الإنصاف أن يتحمل الشعب الفلسطيني كله جريمة ارتكبها بعض الشواذ والخونة الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم لمصالح شخصية.
فلا خلاص إلا بإقامة عقائدنا ومناهجنا وجهادنا على كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم[ بفهم السلف الكرام.. ولا بد من الإخلاص لله تعالى في كل أعمالنا.. في مساجدنا وفي دعواتنا وفي مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا.. وأن نأخذ بأسباب النصر الحقيقي.. وبهذا يتحقق الوعد الصادق بالنصر والتمكين على أعداء الله تعالى.. فالبدار البدار إلى أسباب النصر المؤزر، ولا يضركم خذلان المخذّلين.. ولا ظلم الظالمين؛ فالمستقبل في فلسطين للإسلام والمسلمين .
لاتوجد تعليقات