رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 10 ديسمبر، 2012 0 تعليق

فلسطين دولة مراقب.. خطاب وإنجاز

 

منحت فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة بعد أن صوتت 138 دولة لصالح مشروع القرار في حين عارضته تسع دول، وامتنعت عن التصويت 41 دولة. ووافقت على الطلب الفلسطيني ثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وروسيا والصين، في حين عارضته الولايات المتحدة وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

أما الدول الثماني الأخرى التي رفضت القرار فهي كندا وجمهورية التشيك، والكيان الصهيوني، وجزر مارشال، وميكرونيزيا، وناورو وبالاو وبنما.

     وقد أعطاها ذلك اعترافا رسميا بها من كل الدول التي صوتت على القرار، ومن المؤسسة الدولية نفسها مهما كانت هناك اعتراضات عليها فاعترافها في النهاية يعني موقفا مناصرا سياسيا للقضية الفلسطينية.

     وتباينت ردود الفعل الدولية على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في المنظمة الدولية إلى صفة دولة مراقب غير عضو، فبينما انتقدت الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وكندا الخطوة، ثمنت دول أخرى التصويت الأممي، بالتزامن مع دعوات إلى طرفي النزاع لاستئناف المفاوضات.

     وكعادتها سارعت الولايات المتحدة إلى التنديد بقرار الجمعية العامة، ووصفته بأنه «مؤسف وغير مجد»، و«يضع عراقيل أمام السلام». وأما بريطانيا فقد استمرت في مشروعها لحماية هذا الكيان وأضاعت على نفسها الفرصة الذهبية في التكفير عن ذنبها في إقامة دولة اليهود على أرض فلسطين، وصوتت ضد القرار.

     وإن كان معنى دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة أنها ليست دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة ولكنه وضع يتم منحه من قبل الأمم المتحدة للهيئات والمنظمات الدولية، وتحظى به دولة واحدة في العالم، وهي الفاتيكان، فالدولة المراقب يتم السماح لها بالمشاركة في الخطابات والحوارات والنقاشات وقد تستطيع التصويت على بعض الإجراءات فقط، لكنها لا تصوّت على القرارات كما لها أن تنضم إلى برتوكول المحكمة الجنائية، ولكن لا يتم معاملتها بصفة دولة، فلا يحق لها طلب التصويت على قرار أو تحويل قضية أو ملف للهيئات التابعة للأمم المتحدة كمحكمة العدل الدولية وغيرها.

     وقد سبق هذا المشروع التأكيد على التزام السلطة الفلسطينية «بحل الدولتين» الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام إلى جوار إسرائيل.

     وهنالك من يرى أن مكاسب الاعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، تُعد مكاسب إستراتيجية، وآخرون يرونها مكاسب معنوية لا تغير من الواقع المفروض شيئاً.

     بعضهم يرفع سقف الإيجابيات بأن هذا القرار يضفي صفة «الدولة» على فلسطين بعد الاعتراف بذلك دوليًا، ويعطيها الأحقية كـ«دولة فلسطين» في ممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها ما دامت باعتراف عالمي دولة ولم تعد مجرد كيان، وهو ما يترتب عليه إلزام الكيان الصهيوني بالانسحاب الكامل من كافة الأراضي المحتلة .

     ومن المكاسب لهذا الوضع الجديد للدولة الفلسطينية كون فلسطين معترفا بها من الأمم المتحدة الآن بصفة دولة، وليست منظمة، أو كيانا، كما أن خريطة فلسطين وضعت جغرافيًّا على الخريطة بين شعوب دول العالم، بعد أن كان يُكتفى رسميا بوضع إسرائيل .

     ويتيح لهم ذلك المشاركة في جلسات نقاش الجمعية العامة، كما سيفضي ذلك إلى تحسين فرص الفلسطينيين في الانضمام لمنظمات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية على الرغم من كون العملية لن تكون تلقائية وليست لها ضمانات.

     ومن مزايا قرار رفع تمثيل فلسطين إلى صفة دولة مراقب غير عضو الاعتراف بها دولة، وبالتالي تمكنها فيما بعد من متابعة علاقاتها الدولية بوصفها دولة، وإمكانية منحها الجنسية للفلسطينيين، ويتيح ذلك للفلسطينيين رفع شكاوى ودعاوى ضد الكيان الصهيوني وممارساته واعتداءاته في المحكمة الدولية في لاهاي.

     ويرى بعضهم أن الإيجابيات وإن كانت بعيدة الأمد، فلا يستهان بهذا الإنجاز، موجود كرسي خاص مكتوب عليه «فلسطين» ومعلق أمامه علم الدولة هذا مكسب في حد ذاته يرفع اسم فلسطين على المستوى الدولي.

     وتساءل بعضهم الآخر  عن الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون مقابل إعطاء فلسطين عضوية غير كاملة؟ وعما إذا كان المشروع الجديد قد ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة في القضايا المتعلقة بالأرض المحتلة  أو بحق العودة.

ويتكرر خطاب الخداع :

     الخطاب السياسي الصهيوني لمندوبي الكيان اليهودي في الأمم المتحدة، وغيرها من المنابر، كان وما زال خطاباً سخيفاً، متكررا لا تجديد فيه، خطابا يحوي الأكاذيب التي لا تنطلي على ذي عقل وتفكير.

     وساسة اليهود أصبحوا في خطاباتهم وكأنهم مؤرخون، يقتطعون من التاريخ ما يريدون، ليجدوا الذرائع للادعاء بأن لهم الحق في أرضنا ومقدساتنا، وأنهم قد عاشوا فيها على مر التاريخ ويريدون أن يعيشوا في أمن وأمان في موطنهم الأصلي!! 

     هذا ما قاله نصاً مندوب الكيان العبري لدى الأمم المتحدة، (رون بروشوار)، معلقاً ومعترضاً على خطاب رئيس السلطة الفلسطينية في مطالبته بقبول عضوية دولة فلسطين عضواً مراقباً، فقد اتهم (بروشوار) الفلسطينيين بأنهم في طلبهم للاعتراف بدولة فلسطينية غير كاملة العضوية، يديرون ظهرهم للسلام ويكررون خطأهم التاريخي قبل 65 عاما عندما رفضوا قرار التقسيم، وزعم أن إسرائيل هي التي تريد السلام بينما يتهرب الفلسطينيون منه.

     واستهل المندوب اليهودي خطابه، بالقول: «أقف اليوم أمامكم شامخا فخورا لأنني أمثل الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، التي أقيمت في وطنها القديم: إسرائيل، دولة لا تتردد في الدفاع عن نفسها، لكنها تمد يدها دائما للسلام».

     وأضاف أن السلام يتحقق فقط من خلال المفاوضات وليس من خلال الاقتراحات من جانب واحد، وأن «أي اقتراح يصدر عن الأمم المتحدة لا يمكنه أن يقطع علاقة عمرها 4000 سنة بين الشعب اليهودي ووطنه إسرائيل».

     ويفسر لنا (بول فندلي) في كتابه: «الخداع» الآلية التي انتهجها الباحثون اليهود ليقبل ذلك الخداع، فكتب (فندلي): «من الواضح أن قبول المغالطات حول (إسرائيل) ليس عرضيّاً، إنه حصيلة عمل كثرة من الناس يسخّرون طاقاتهم للقيام بهذه المهمة بدأب والتزام». ومع ذلك نقول من كثرة تكرار الأكاذيب أميت الإحساس عند الذين يعملون على استعطافهم.

فأي سلام تنشدونه، وأي مفاوضات تتحدثون عنها، وأي دولة يهودية وحيدة لكم عبر التاريخ؟!

     فاحتلالكم لفلسطين احتلال غير مسبوق، لا مثيل له إن قورن بأي احتلال، جمعتم بين كل أنواع الاحتلال الذي عرفته البشرية على مر العصور القديم منها والحديث؛ فهو احتلال ليس كأي احتلال؛ فقد أتى ليغتصب الأرض، ويشرد الشعب، وليشوه التاريخ، ويشيع الأكاذيب، ويطلق الشبهات، وليغير المعالم والمسميات، ويقتلع الشجر، ويقتل البشر، ويهوّد الحجر! ويسلب التراث، ويشيع ثقافة الاستسلام والخنوع على الشعب المحتلة أرضه! وأنتم نعم احتلال، ولكن ليس كأي احتلال لأنكم جمعتم الآتي:

1- احتلال عسكري: تمكن بالقوة على أرض فلسطين .

2- واحتلال إرهابي: شرد بالقوة في عام (1948م) ما يقارب (800) ألف فلسطيني، وارتكب (34) مجزرة، وأكمل مسيرة العدوان في عام (1967م)، فتم تشريد (330) ألف فلسطيني.

3- واحتلال إحلالي: أقام كيانه الغاصب على أساس هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، وعلى تشريد الفلسطينيين، وانتزاع ممتلكاتهم وأراضيهم.

4- واحتلال عنصري: طوق أهل فلسطين بجدار وأسلاك شائكة، وحرمهم من التنقل.

5- واحتلال ديني: ادعى وما زال أنها أرض الميعاد، وأنها أرضهم التي سلبت منهم، وأنها لشعب الله المختار! وأن «فلسطين هي الأرض الموعودة‏»، وأنهم «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب»، وأضاف الحاخامات اليهود الكثير من الفتاوى التي تمنع وتحرم الخروج من أرض فلسطين، بل تتضمن التحريض والتهجم ضد الإسلام والمسلمين، والدعوة لقتل المدنيين من أهل فلسطين.

6- ‏واحتلال تهويدي: مارس كل أنواع التهويد، فلم يترك حجراً ولا شجراً ولا زاويةً إلا ادعى أنها يهودية!! ولإثبات علاقتهم بفلسطين وشعورهم بأنهم غرباء، حاولوا إيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها، وادعاء ذلك التاريخ والتراث للأجيال اليهودية القادمة!!

7- واحتلال مخادع: فمنذ أن توجهت أنظار اليهود لسلب أرض فلسطين؛ أطلقوا العديد من الأكاذيب لتسويق الحجج وإيجاد المسوغات لسلب الأرض؛ ليختبئوا وراءها، كما اختبئوا وراء أكذوبة شراء أرض فلسطين، ومن تلك الأكاذيب: أكذوبة: «فلسطين أرض الميعاد، وأن لليهود حقّاً تاريخيّاً في تلك الأرض»، وأكذوبة: «فلسطين صحراء خالية»، وأكذوبة: «فلسطين أرض بلا شعب»، وأكذوبة: «الفلسطينيون خرجوا منها طوعاً»، وأكذوبة «اليهود حولوا فلسطين الصحراء إلى جنان»، وغيرها الكثير من الأكاذيب.

8- واحتلال ثقافي: سلب الكتب والمخطوطات، وسرق المكتبات، ودمر الوثائق، وخدع العالم بصنعه تاريخاً وراء الزجاج في متاحفهم؛ تأكيداً لسطوتهم وقدرتهم على حبس تاريخ لم يكن لهم شرف الإسهام في صنعه وإبداعه وتزييفه، تاريخ سطّرته قصص أنبياء الله الذين جاؤوا بدعوة التوحيد، وأكمله الفتح الإسلامي، ومدافعة المسلمين على مر السنين لكل غاصب لأرض فلسطين، فقاموا بسلب المخطوطات وكتب التراث؛ ليعبثوا بصفحاتها ويحققوها ويدرسوها ويدسوا بها ما أرادوا من بث السموم، وتوهين الثوابت في نفوس المسلمين؛ ليخلصوا بأن بيت المقدس والمسجد الأقصى لا مكانة لهما ولا رابط دينيا بينهما وبين الإسلام!!

9- واحتلال لصوصي: سرقوا الزي الفلسطيني، والتراث الشعبي، والأمثال الفلسطينية التي قالوا: إن أصلها يهودي، ووزعوا الأكلات الشعبية الفلسطينية على أنها أكلات شعبية يهودية، بل إن المكسرات والزيتون والتمر الفلسطيني والعربي أصبحت توزع باعتبارها منتجاً وطنيّاً للكيان اليهودي! ولا غرابة في ذلك فهذه عادة اللصوص؛ فلا خيار أمامهم إلا الاستمرار في السرقة.

10- واحتلال تدميري: دمر الصهاينة (478) قرية فلسطينية من أصل (585) قرية كانت قائمة في المناطق التي احتلت عام (1948م)، وكان أول عمل قام به اليهود بعد احتلالهم مدينة القدس عام (1967م) الاستيلاء على حائط البراق، وتدمير حارة المغاربة، وتم تسويتها بالأرض بعد أربعة أيام من احتلال القدس؛ حيث توجهت الجرافات اليهودية إلى الحي المغربي داخل أسوار مدينة القدس وهدمته بكامله، وشردت (135) عائلة من سكانه المسلمين بلغ عدد أفرادها (650)، كما نسفت (34) داراً أخرى مجاورة، ومصنعاً للبلاستيك، وشرد سكانها وعمالها البالغ عددهم حوالي (300)، وهدموا أربعة جوامع، والمدرسة الأفضلية، وأوقافا أخرى، ودفنوا بذلك تاريخ حارة وقفية إسلامية(1).

     وبعد هذا أي سلام تنشدونه؟! وأي مفاوضات ترجونها؟! وأي خداع تأملون استمراره؟! لقد اشمأزت الأمم والشعوب من أكاذيبكم وأساطيركم .

الهوامش

1-انظر: «الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية»، د. محسن محمد صالح، (ص18).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك