رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أيمن الشعبان 30 يناير، 2012 0 تعليق

فلسطينيو العارق وسيناريوهات التهجير

 كلنا يذكر القصف الذي تعرض له مجمع البلديات عام 2000م من قبل الصفوي أبوكرار الذي أوقع العديد من الضحايا بين صريع وجريح، وكانت رسالة واضحة في حينها بأنه لا يحلم أي فلسطيني بعد اليوم بالعيش في عراقهم الجديد، لأنه ميراثهم وميراث أجدادهم الذين أخذوا على عاتقهم استئصال أي وجود عربي قد يكون خطراً على امبراطوريتهم المستقبلية!

      كما أود التذكير بتصريحات الخميني بأنه سيحرر فلسطين عبر كربلاء! التي خاض من أجلها حرباً ضروساً مع جارته العراق، أكلت الأخضر واليابس من الطرفين، وما علم الكثير منا أن دلالات التصريحات والشعارات لدى القوم، تؤخذ ببواطن النصوص لا بظواهرها، متطابقة مع التقية الدينية والسياسية لديهم، حتى بات واضحاً لسان حال أحفاده «سنطرد الفلسطينيين من كربلاء إلى الصحراء»!

      لم يغب عن أذهاننا حتى الآن، تصريحات بعض الساسة العراقيين الذين قدموا مع المحتل، مطالبين بضرورة «إخراج المستوطنين الفلسطينيين من العراق»!! على حد وصفهم والعراق للعراقيين! وأحدهم طالب بإنشاء جامعة خاصة للعرب في منطقة طريبيل! وغيرها من التصريحات العلنية وما خفي أعظم، كل هذا مؤشر وإنذار لما يراد لنا في المرحلة القادمة، مع قلة عددنا وعدتنا وضعف بنياننا، لكن كان لابد من الاستيقاظ واستيعاب الدرس جيداً.

      هل نسيتم صورة مجمع البلديات بعد قصفه من قبل الطيران الأمريكي؟ وكلنا يعلم أن أقراص ليزرية ألقيت في مكان القصف، إيذانا منهم بأن أول سيناريو بدأ لتهجيركم والتنكيل بكم، لكن للطف الله المقتدر لم تكن إصابات بشرية إلا خسائر فادحة بالممتلكات، بدأت بعدها قوافل المهجرين تتوجه إلى الحدود الأردنية ثم أسس مخيمي الكرامة ورويشد للاجئين الفلسطينيين!

      وما هي إلا أيام حتى بدأت أفواج من العوائل تفترش ملعب كرة القدم في نادي حيفا الرياضي، الذي تحول في ليلة وضحاها إلى مخيم لأكثر من 400 عائلة فلسطينية، تهجرت بدوافع طائفية أو مصالح مادية أو غيرها من مناطق عدة في بغداد وبعض المحافظات، ليؤسس مخيم العودة ضمن المرحلة الأولى نفسها من السيناريو، لكن كانت الأوضاع والأمور ليست واضحة المعالم فتحمل الناس تلك المشاق وانتظروا مصيرهم المبهم.

      هل تتذكرون أولئك الذين قدموا من مناطق قريبة على مجمع البلديات؟! في خطوة استباقية خارجين عن النص والسيناريو المُعد، أو قد يكون هذا دورهم في تلك الحلقات؛ وحاولوا الاستيلاء على بعض الشقق المهدمة والمحروقة؟! فلم يكن في بالنا أن الركام المتهدم والمحروق عبارة عن منجم من الفحم أو الذهب! إلا أن توالي الأحداث أثبتت أن الطوب الذي بنيت به تلك العمارات من أحجار ثمينة، يتصارع عليها الفرقاء لطردنا منها مهما كلفهم الثمن سياسيا أو إعلاميا أو اجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا!

      مع بداية عام 2005 وصلتنا أخبار من بعض الثقات مفادها، أن إبراهيم الجعفري ينتظر تسلم رئاسة الوزراء، متوعدا الفلسطينيين في العراق بشتى أنواع التنكيل، بعد التقارير المزوقة والمزورة والتحريضية التي وصلته، من العيون الكثيرة التي كانت تحيط بالمجمع، ولا ندري فحواها لكن ما هي إلا شهور حتى كنا من أولويات حكمه، وكلنا يذكر المسرحية الهزلية التي عرضت على قناة العراقية الطائفية التي عرفت بتفجيرات بغداد الجديدة من خلال عرض الأخ فرج ملحم وإخوته وغزوان الماضي، بطريقة تحريضية لينتقل السيناريو إلى مرحلة خطيرة جداً، من خلال التحريض الرسمي ممثلاً بالأجهزة الأمنية الحكومية، والإعلامي ممثلاً بقناة الفتنة وبعض الصحف المسيسة!

      السيناريوهات متنوعة ومُعدها وكاتبها ومخرجها والمخطط لها واحد، فاستغلوا الحرب الدنيئة البعيدة عن القيم، ونفوذهم الطارئ في البلاد، واشتغلوا بمرحلية دقيقة وتناغم وفبركات متناسقة، وتطابقت مصالحهم مع مصالح محرر البلاد ومخلصها من الطاغية! والذين جعلوا أنهار الدم في العراق تسيل كالماء المتدفق، فهذا يقدم هدية مجانية للكيان اليهودي بتخليصهم من حفنة من اللاجئين الفلسطينيين في العراق مهما كان عددهم، ويشطب جزءاً من مشروع حق العودة الذي يقضّ مضاجعهم، وأولئك ينفذون أجندة صفراء باجتثاث كل ما هو عربي، والنتيجة واحدة!

      في شهر مارس من عام 2007 تعرض مجمع البلديات لهجمة شرسة، من خلال المداهمات الهمجية للقوات الحكومية، وقُتل أحد حراس المسجد بدم بارد، وتم اعتقال عدد من الفلسطينيين، ما أدى لحالة من الذعر وتهجير جديد، ليستمر مسلسل التهجير من غير توقف.

      وبينما يتبجح دعاة القانون وحقوق الإنسان؛ بالسيطرة الكاملة على الموقف والأمن والأمان، تبدأ فبركات جديدة، في الوقت الذي يحاصر فيه مجمع البلديات من كل الجهات، بقوات أمنية ومركز الرشاد وقاعدة أمريكية سابقاً، أضف إلى ذلك عنصراً جديداً وقوياً دخل ضمن هذه المسرحية، وهم عواينية ومخبرو تلك الأجهزة؛ حيث تم إلقاء القبض على بعض الشباب بعد دقائق من دخولهم المجمع، كل تلك المعطيات بمجمع صغير المساحة كثيف السكان، كيف تدخل العبوات وتصنع والسيارات المفخخة في ظل تلك الأجواء؟!

      ما شهده مجمع البلديات في الأيام القليلة الماضية؛ من حملات دهم وتفتيش وانتهاكات واعتقالات عشوائية، بذرائع شتى كان للإعلام المشبوه من صحف وقنوات ومواقع السبق في الترويج والتلفيق لتلك الأحداث، في وقت صمتت وتخاذلت وسكتت غالبية القنوات العالمية والعربية والمحلية وجميع وسائل الإعلام الأخرى، وكأن الجميع يشاركون في هذا المسلسل أو أن كثرة الأحداث وتتابعها أنستهم هذه الأقلية المضطهدة المغلوبة على أمرها.

      لم يُقنع تلك الفئات الطائفية المتسلطة الحاكمة في العراق، الإبقاء على 7 آلاف فلسطيني يعانون الأمرين لا حول لهم ولا قوة، ولا يمتلك معظمهم ما يوصلهم إلى صحراء الوليد فضلا عن غيرها من دول المهجر الجديد؛ فراحوا يروّجون لعصابات إرهابية بزعمهم وتنسيق متقن مع بعض وسائل الإعلام التي ما فتئت منذ بداية الأحداث التعامل بمهنية وأخلاق الإعلام الحر، بل الأعراف العشائرية العراقية الأصيلة، بل باعت أقلامها ومواقعها وصحفها لنيل حوافز وفتات أو مكاسب سياسية أو مناصب زائلة.

      غالبية أهالي مجمع البلديات تحدثوا عن قوات حكومية تدعى «مكافحة الإرهاب» بأنها من وضعت تلك الأسلحة المزعومة ثم في اليوم التالي قاموا بإلقاء القبض على عدد من الشباب في المجمع وتصويرهم مع تلك الأسلحة، وتأجيج الرأي العام العراقي والرسمي، حتى يزداد الضغط على من تبقى لإجبارهم على مغادرة البلاد، حتى يخلو الجو لهم وكأن تلك العائلات التي تريد العيش بأمان وسلام وجذورهم عميقة في هذا البلد بعضهم زاد عمره على الثمانين والسبعين عاما وله قرابة 64 عاما في العراق! كأنهم عامل قلق واضطراب للبلاد ذات المساحات الشاسعة والخيرات الوفيرة.

      ما يذاع وينشر ويفبرك ضد الوجود الفلسطيني في العراق، أصبح مكشوفاً ولا ينطلي إلا على من يهرف بما لا يعرف ويصدق الأكاذيب والدسائس من غير إعمال أدنى حدود العقل والواقع، فما هي إلا سيناريوهات ومراحل واحدة تلو الأخرى، ولن تنتهي إلا بإقصاء الجميع أو تطويعهم بحسب سياسات الخنوع والانتهازية والفئوية ومسخهم ليكونوا شراً منهم.

      فكيف لا تكون سيناريوهات محبكة حبكا سياسياً وإعلامياً وفنياً، ونائب الرئيس لم ينج من مثلها؟! فما يحصل لأهلنا في العراق من تنكيل وتهجير وتشهير وحرب شعواء في شتى المجالات، هو على طبق من ذهب وصفقات إعلامية تقدم للكيان الصهيوني لتخليصهم منا وإذابتنا في مجتمعات غريبة الأديان والأعراق والأعراف والتقاليد والأخلاق، وإغراقنا في بقاع جغرافية بعيدة كل البعد عن أرضنا الحبيبة فلسطين! وبمرأى ومسمع من المخلص لهم والمحرر لأرضهم دعاة الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان من الأمريكان وأعوانهم.

      فهل يعني أهلنا في شتى بقاع الأرض، أن القضية ليست عبثية ولا عرضية، بل هي سيناريوهات ومسلسلات ومراحل وتكتيكات، مسبوكة ومحبوكة ومرتبة لتهجيرنا وتفتيت لحمتنا وإبعادنا عن قضيتنا وعمقنا الإسلامي والعربي، من خلال تلك الممارسات الشائنة اللاأخلاقية الإجرامية البربرية؟!!

      وإلا من المستفيد عملياً من كل ما يحصل وحصل لنا بعد عام 2003 في العراق؟! ومن يتحمل تلك المسؤولية؟! فلنثقف أجيالنا وذرياتنا بأن تلك الفئة المتجبرة الحاكمة في بلاد الرافدين بميليشياتهم وأحزابهم ومناصبهم وأجهزتهم الأمنية، المتسبب بكل ما يحدث لنا ولأجيالنا، لأنهم بدلا من إعادتنا لأرضنا كما يزعمون شتتونا في بقاع الأرض حتى أصبحنا شذر مذر وتقطعت أوصالنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك