رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 مايو، 2011 0 تعليق

فلسطــين هل باعها أهلها واشتراها اليهود؟!! (2)

 

استعرضنا في الحلقة السابقة بعض الحقائق الموضوعية التي تدحض بعض الأكاذيب الرائجة حول موضوع بيع الأرض الفلسطينية التي أصبحت لدى العديد من أبناء أمتنا حقائق ثابتة رغم وجود دراسات علمية تؤكد أنها أكاذيب تم نشرها من قبل الصهاينة، ونستكمل مابدأناه في الحلقة السابقة.

7. يرد الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا على شائعة بيع أهل فلسطين للأراضي بأن: «أهل فلسطين -كغيرهم من الشعوب - منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، لكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينتقص من كرامته، ولا يمحو صفة جهاده العظيم»  - محمد أمين الحسيني، حقائق عن قضية فلسطين، ص 23.

       والحقيقة أن دور كبار الملاك مبالغ فيه فلا يتعدى ما تم شراؤه منهم 2.5% فقط على أكبر تقدير، ولا يتعدى ما تم بيعه من كبار الملاك الفلسطينيين 0.96 % - أي أقل من 1% - مما بيع من الأراضي الفلسطينية عن الطريق المباشر أو السماسرة أو الاضطرار لدفع الضرائب أو الخيانة والعمالة مع المحتل. والشعب الفلسطيني فتك بأولئك القلة الذين باعوا أراضيهم أو كانوا سماسرة للبيع  وجرّمهم على فعلتهم النكراء، بل صدرت الفتاوى من الهيئات واللجان العلمية في فلسطين وخارجها بتجريم وتحريم بيع الأراضي لليهود أو السمسرة على بيعها.

8. تدل الإحصاءات الرسمية على أن مجموع ما استولى عليه اليهود إلى يوم انتهاء الانتداب البريطاني في 15 مايو 1948 نحو مليوني دونم أي نحو 7% من مجموع أراضي فلسطين، على الرغم مما كانت تقوم به حكومة الانتداب البريطاني لصالح اليهود وفقاً للمادة الثانية من صك الانتداب - محمد أمين الحسيني، حقائق عن قضية فلسطين،  ص 12.

       ويؤكد «روجيه غارودي»: «أن الصهاينة أيام وعد بلفور عام 1917م كانوا لا يملكون إلا 2.5% من الأراضي، وعندما تم تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، كانوا يملكون 6.5 % منها، أما في عام 1982 فإنهم أصبحوا يملكون 93%، أما الأساليب المستخدمة لانتزاع الأرض من أصحابها، فإنها كانت أساليب الاستعمار الأشد عنفاً»، والموسوعة الفلسطينية تؤكد أنه: «لم يكن يملك اليهود حتى عام 1948 سوى 5.6 % من مساحة فلسطين العامة».

        ويؤكد هنري فورد – المليونير العالمي – في كتابه: (اليهودي العالمي): «أن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية ومن المتعذر على أي ناطق يهودي مهما افتقر إلى الشعور بالمسؤولية أن ينكر الحقيقة الواقعة وهي أن إدارة فلسطين يهودية، فالحكومة فيها يهودية ، وإجراءات العمل يهودية ، والأساليب المستعملة يهودية، ولا ريب في أن فلسطين تقدم الدليل على ما يفعله اليهود عندما يصلون إلى الحكم»، ويضيف تحت عنوان «اقتناص الأراضي» أنه: «لو عرف العالم حقيقة الأساليب التي اتُّبعت لاغتصاب أراضي فلسطين من أهلها العرب في الأيام الأولى من الغزو الصهيوني، أو لو سُمِحَ لهذا العالم بمعرفتها، لَعمَّه السخط والاشمئزاز، ولا ريب في أن هذه الأساليب كانت تجري بمعرفة صموئيل المندوب السامي اليهودي وتأييده».

9. وسلب أراضي القدس كان له مخطط آخر، فخلال الشهر الأول من الاحتلال لمدينة القدس في عام 1967م، هدم «حي المغاربة» وأجلي سكانه، وكذلك سكان حي الشرف، وقد أدت هذه الإجراءات السريعة إلى مصادرة نحو 20% من مساحة البلدة القديمة وطرد أكثر من 6000 فلسطيني خارج أسوار المدينة، وتمت مصادرة نحو 630 عقارا، وهدم نحو 135 عقارا آخر - انظر: (عبد الرحمن أبو عرفة، الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية، ص 151-152)، وتم وضع اليد على أراضي منطقة سكوبس، وقرية بيت صفافا وشرفات وبيت جاليا، وأراضي منطقة النبي يعقوب، وحي الشيخ جراح، وشعفاط وقرية صور باهر، وأراضي منطقة قلندية، وأصدرت الحكومة اليهودية بتاريخ 23/8/1968 قانوناً سمحت بموجبه لكل يهودي كان يملك عقارًا في القسم العربي من القدس المحتلة سنة 1967 أن يُعدّ ملكاً له أو لورثته، بينما منعت ذلك عن العرب المالكين في القسم المحتل من القدس عام 1948م، ونتيجة لعمليات المصادرة وضع الكيان اليهودي يده على نحو 56 ألف دونم من أصل 63 ألف دونم هي مساحة القدس العربية حسب الحدود البلدية التي رسمت بعد عام 1967م.

       أما البلدة القديمة فمن مجموع 40 دونما كانت بحوزة اليهود قبل عام 1948م وضعت السلطات يدها على 250 دونما تمثل  26 %   من مجموع مساحة البلدة القديمة، وغطت المستوطنات مختلف أنحاء الأراضي العربية المحتلة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الأراضي، ويوجد حاليا في الأراضي العربية (الفلسطينية والسورية) المحتلة نحو 210 مستعمرة، يتركز معظمها في الضفة الغربية «160 مستعمرة تقريبا»، ويتوزع الباقي بين مرتفعات الجولان «35 مستعمرة»، وقطاع غزة «16 مستعمرة على الأقل» ويبلغ مجموع المستوطنين في هذه الأراضي أكثر من 300 ألف مستوطن، يسكن نصفهم تقريبا في الضواحي الاستيطانية المحيطة بمدينة القدس، ويتوزع النصف الباقي على النحو التالي: 135 ألف مستوطن في مناطق الضفة الأخرى، 13 ألفا في المرتفعات السورية، 4500 في القطاع، فقد ترسخ في التصور اليهودي أن أراضي فلسطين هي حق يهودي منذ البداية وتعود بصورة حصرية إلى الشعب اليهودي ككل، ومن ثم فإن العرب الفلسطينيين هم «غرباء» إما أن يقبلوا السيادة اليهودية على البلاد، وإما أن يرحلوا عنها.

3. إن نكبة المسلمين في أرض فلسطين عام 1948م كانت البداية في زرع كيان يهودي مصطنع وإعطائه مسمى الدولة، وأصبح سلبُ الأراضي صنعةً يهوديةً أجادوا عملها، وهذا ما لخصه روجيه جارودي بقوله: «استطاع اليهود حتى عام 1949م أن يستولوا على 80 % من الأراضي، وطردوا 770.000 فلسطيني».

       أما الطريقة التي استُخدمتْ في ذلك فإنها كانت الإرهاب، وأفضل مثال على ذلك مذبحة «دير ياسين»، التي تمت بطريقةٍ نازيةٍ، وذلك أن سكان هذه القرية (254 شخصا) ذُبحوا عن بَكرةِ أبيهم!! على يد قوات (الإيرغون) التي كان يرأسها مناحيم بيغن - روجيه غارودي، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ص 187، ووصف موشي كيرين مراسل هآرتس قوانين الأراضي ومصادرتها بأنها: «نهبٌ بالجملة في قناعٍ قانوني، فهناك مئات الآلاف من الدونمات التي أُخذت من العرب».

- وخلاصة الرد: استمر الاحتلال البريطاني لفلسطين حتى عام 1948 أي نحو ثلث قرن لم يتمكن خلالها وبرغم كل المحاولات من انتزاع أكثر من 5.6% إلى 6.6 % على أكثر تقدير من مساحة فلسطين، الذي مارس كل السياسات التي فُرضت على شعب أَعزل من خلال قلب قوانين الأراضي العثمانية، وعبر سياسة إفقار شعب فلسطين واعتصاره وتحويل أرضه من ينبوع للخير إلى جحيم ، ومع ذلك فإن كل ما استطاع اليهود وبريطانيا انتهابه لم يزد بحال عن 6.6% من إجمالي مساحة فلسطين حتى عام 1948، وهو ما يعكس مدى  تمسك أهل فلسطين بأرضهم ومُقدساتِهم، ولا شك أن ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات وبطولات بعد مضي أكثر من نصف قرن على احتلال أرضه، وإصراره على مقاومة المحتل، بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده، واقع يكشف زيف أكذوبة بيع الأرض التي استثمرتها أبواق الدعاية اليهودية الصهيونية، وخير دليل على تمسكه بأرضه المقدسة المباركة وعدم تفريطه فيها؟!

       فإن كان هؤلاء قد باعوا الأرض فلماذا يقاومون سلب الأراضي ويدافعون بأجسادهم هدم البيوت، وجرف الأشجار؟! وللأسف ما زالت إلى اليوم بعض الصحف العربية الرسمية وغير الرسمية منها منبراً لأقلام وكتاب ومقالات غير موثقة تصريحاً وتلميحاً بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود؟! هؤلاء وللأسف لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقة هذه الأكذوبة. 

       ونقول للمخدوعين بتلك الفرية: لو أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، ورضوا بأن يعيشوا في ظل الاحتلال، ولم يقاوموا المحتل، ولم تبق فلسطين في قلوبهم وذاكرتهم وعبراتهم، أكان حالهم كما هو الآن،  قتلا ودمارا وجرفا وتشريدا؟!

وهل هناك حاجة للمحتل أن يشتري ويدفع ثمناً لأرض قد احتلها، بعد أن اقترف المجازر من أجل طرد أهلها؟!

        وهل باعوا أرضهم ليعيشوا أذلة خارج وطنهم؟! وكل ما يحدث لهم هل لأنهم باعوا أرضهم أم لأنهم صامدون عليها؟!

       وهل هذه التضحيات الجسام التي سطروها بدماء خيرة أبنائهم ورجالاتهم وأطفالهم، هل يمكن أن تكون من أناس خانوا أرضهم، ورضوا ببيعها والخروج منها؟! ونذكركم بشهادة المؤرخ البريطاني أرنولد ج. توينبي في مقدمة كتابه تهويد فلسطين: «من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين، أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم».      

       وإذا كان الفلسطينيون قد باعوا أرضهم لليهود!! فلماذا يرزح سكان المخيمات تحت عبء التشرد وضيق العيش إلى يومنا هذا، مخيمات تزرع البؤس، فهل هذه حال من باع أرضه، وتنعم بثمنها؟!      

       ولماذا مازالوا يطالبون بحق العودة إلى أرض فلسطين، ولا يتنازلون عن هذا الحق مهما كانت المغريات والتعويضات؟!

وهل قرار التقسيم الذي قسم فلسطين إلى منطقتين عربية ويهودية كان بناء على شراء اليهود لأراضي فلسطين؟!

       ولماذا المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية الداعية إلى انسحاب الكيان اليهودي من مناطق الضفة والقطاع، إن كانت فلسطين أخذت بيعا؟!

 ولماذا يقاومون الاحتلال، ويسطرون أروع الأمثلة للتضحية والفداء دفاعا عن الأرض والمقدسات؟!

         ولماذا لم يستطع اليهود إلى الآن مع كل هذا الجهد لشراء البيوت في شرقي القدس «بأثمان خيالية وبأساليب ملتوية» أن يحققوا مآربهم لتهويد القدس وطرد أهلها؟!

       ولماذا يشيع اليهود أنها كانت صحراء خاوية، وأرضا بلا شعب، وأن لهم فيها حقا تاريخيا، إن كانوا قد دفعوا ثمنها؟!

ولماذا يخططون ويعملون لطرد أهل فلسطين منها تحت مسمى الترانسفير القسري؟!

لأن الحقيقة: «أراضي القدس وفلسطين لم يبعها أهلها، ولا اليهود اشتروها».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك