رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مشاري فيصل 25 سبتمبر، 2019 0 تعليق

فقيه الكويت الشيخ محمد بن سليمان الجراح


هو العلامة الكريم الفاضل والشيخ الجليل العامل محمد بن سليمان بن عبدالله الجراح الحنبلي السلفي، ولد الشيخ الفاضل في الكويت سنة 1322 ه/ 1902م.

دراسته وشيوخه في العلم

ابتدأ الشيخ الفاضل حياته العلمية في سن العاشرة؛ حيث تعلم القرآن الكريم في مدرسة ملا أحمد الحرمي الفارسي، وفي مدرسة ملا محمد المهيني، وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث في مدرسة السيد هاشم الحنيان.

     كان شديد الحرص على تحصيل أكبر قدر ممكن من العلم؛ فحفظ في أول شبابه (الرحبية) في المواريث و(منظومة الآداب) و(الدرة المضية) للسفاريني و(متن دليل الطالب في الفقه للشيخ مرعي الحنبلي)، وكان الشيخ الجليل يذهب بعد صلاة الفجر إلى ساحل البحر متخليا عن الناس ليكرر دروسه، ومن شدة حرصه على التعلم فقد حفظ (الدرة المضية) في العقيدة وتبلغ 220 بيتا في ثلاثة أيام.

      أخذ الشيخ محمد الجراح مبادئ الفقه من قاضي الكويت العلامة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان -تلميذ عالم الكويت الأول وفقيهها الشيخ محمد عبدالله الفارس-، وكان يحضر مجلسه لطلب العلم صباحا ومساء؛ حيث كان الشيخ عبدالله الخلف يقرأ في مجلسه بعد طلوع الشمس (تفسير ابن كثير) و(فتح الباري)، وبعد صلاة المغرب كان يقرأ كتبا متنوعة إلى صلاة العشاء.

     وبعد وفاة الشيخ عبدالله سنة 1349هـ لازم الشيخ الجليل محمد الجراح العلامة الشيخ عبد الوهاب عبدالله الفارس، فقرأ عليه أولا (متن دليل الطالب) حتى أكمله، ثم قرأ عليه (نيل المأرب بشرح دليل الطالب) حتى أكمله، ثم قرأ عليه (الروض المربع بشرح زاد المستنقع) حتى أكمله، ثم (شرح المنتهى) للشيخ منصور البهوتي، وكانوا يقرؤون بعد صلاة العشاء كتاب (كشاف القناع عن متن الإقناع)، ثم لازم صديقه العلامة الشيخ عبد الوهاب عبد الرحمن الفارس، وقرأ عليه (الروض المربع) و(كشف المخدرات بشرح أخصرالمختصرات).

وأخذ الشيخ محمد الجراح علوم اللغة العربية من الشيخ أحمد عطية الأثري، والشيخ أحمد الحرمي، والشيخ عبدالعزيز حمادة، والشيخ محمد أحمد الحرمي، والشيخ عبدالرحمن الفارسي، والشيخ عبدالعزيز صالح العلجي، والشيخ عبدالله الكوهجي.

لم يتوقف الشيخ الفاضل عن طلب العلم، واستمر على نهجه وسعيه بين مجالس العلماء في أحياء الكويت؛ فأدى ذلك إلى رسوخ قدمه في العلم وبروزه بين أقرانه.

      كان الشيخ الكريم محبا لقراءة الكتب، وكان يحب أن يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وإذا عرض له كتاب يستحق القراءة أيضا ركنه جانبا حتى ينتهي من الكتاب الذي بين يديه، ولم يكن -رحمه الله- يترك قراءة الكتب إلا في شهر رمضان؛ حيث كان ينكب على قراءة القرآن الكريم، وكان يحدث الناس في هذا الشهر العظيم من كتاب مجالس رمضان للشيخ عبدالله الخلف الدحيان بعد عصر كل يوم من أيام الشهر الكريم.

حياته العملية

كان الشيخ الفاضل يأكل من عمل يده؛ حيث فتح والده له ولإخوانه دكاكين للبيع والشراء في السوق، وتولى الشيخ محمد الجراح -رحمه الله- وظيفة الإمامة في مسجد العثمان في حي القبلة.

     كما عمل في الخطابة في مسجد البدر في حي القبلة، ولما أزيل المسجد صار خطيبا في مسجد العثمان، ولما أزيل مسجد العثمان صار خطيبا في مسجد الساير القبلي، وبعد ذلك قام بالإمامة في مسجد السهول بضاحية عبدالله السالم والخطابة في مسجد المطير في المنطقة نفسها والقريب من مسجد السهول، وعرض عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح -رئيس دائرة المحاكم آنذاك- أن يتولى القضاء، واستشار صديقه وشيخه الشيخ عبدالوهاب عبدالله الفارس بالمنصب الذي عرض عليه فقال له: «من تولَّ القضاء فقد ذبح بغير سكين» وكذلك قد ردد الشيخ عبدالوهاب هذه المقولة عندما عرض عليه القضاء، فرفض الشيخ محمد هذا المنصب بأدب ولباقة.

خصال الشيخ الحميدة

تولى الشيخ الإمامة والخطابة من عام 1365هـ أي أنه عمل طوال 51 عاما من حياته في هذه الوظيفة العظيمة، وكان يحرص على أداء الصلاة إماما مهما بلغ منه العذر من مرض أو وجع، وفي بعض الأحيان يؤم الناس وهو عليل جدا.

     كانت صلاته في الناس وسطا، فلا هي طويلة مملة ولا هي قصيرة مخلة، وكان في صلاته يكثر من قراءة آخر سورة البقرة وسورة الإنسان وآخر الكهف وقصار السور، وكان لا يتكلف في القراءة ولا يخرج عن المشروع كما يفعل بعض الأئمة هذه الأيام -هداهم الله-، وكان كثيرا ما يستشهد بقراءة شيخه الشيخ عبدالله الخلف الدحيان قائلا: «لم تسمع أذناي قراءة مثل قراءته ولاسيما في قيام رمضان»، وكان كثيرا ما ينكر على من يتكلف المدود والتغني الخارج عن المألوف، بل كان يحذر من ذلك.

     كان الشيخ الجليل يخطب من خطب الشيخ عبدالله الخلف، وكانت خطبته قصيرة، وتمتاز بالبلاغة وجمال السبك وترابط المعاني وحسن الاستشهاد والسجع البعيد عن التكلف، وكان يحرص على أداء الخطبة بصوت وأداء معينين، وكان يبكر في الصلاة، وكثيرا ما يقرأ فيها سورتي الأعلى والغاشية عملا بالسنة النبوية المطهرة.

     ومن خصاله وصفاته الحميدة كثرة ملازمته للمسجد طوال يومه وليلته، بل معظم أيام حياته كما يعرفه عنه أهل الكويت، وكان يبيت في المسجد أياما متتالية ولاسيما في السنوات الأخيرة من عمره لمرضه ولمشقة الخروج باستمرار إلا لحاجة ضرورية، وفي المسجد يباشر الشيخ الفاضل أنشطته وأعماله الخيرة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريس العلم والإفتاء وقراءة الكتب وعقد الزواج؛ حيث إن الكثير من الكويتيين يتشرفون ويتفاخرون بعقد القران لديه.

      كان الشيخ الجليل حريصا على الاستزادة من العلم ما وسعه ذلك، بل لا تكاد تراه إلا وبيده كتاب نافع يقرأ منه أو رسالة علمية، أو يفتي مستفتيا، أو يتدارس مسألة مع عالم أو طالب علم، وكانت أدواته المتصلة بالعلم عبارة عن بضعة أقلام ومجلس صغير في زاوية المسجد الخلفية، وكان له طاولة صغيرة من خشب يستخدمها للكتابة صنعها بنفسه.

كان الشيخ محمد الجراح إذا شرع في الدرس اعتدل في جلسته، بحيث ينظر إليه طلبته، وأمسك الكتاب بطريقة تدل على توقيره لكتب العلم، فلا يضعه على الأرض أو يقلل من شأنه، فكان يقبض أصله باليد اليسرى ويقلب أوراق الكتاب بيده اليمنى.

مرضه ووفاته

     استمر الشيخ الفاضل في سعيه الدؤوب في تحصيل العلم وتوصيله باذلا جهده ووقته وصحته حتى مشارف سنة 1416هـ، فمنذ تلك السنة تتابعت أعراض المرض عليه، وظهرت علامات الإرهاق والسن عليه بوضوح، حتى بلغ عمره حينها خمسة وتسعين عاما، إلا أنه ظل متماسكا ومحافظا على إمامة المصلين والخطابة.

في شهر رمضان المبارك سنة 1415هـ تتالى عليه المرض، ومر عليه شهر شوال وبين يديه بعض الأدوية التي وصفها له الطبيب، فلم يستطع أن يصوم الست من شوال كعادته -رحمه الله.

     بعد ذلك زادت أعراض المرض على الشيخ الفاضل، وأدخل المستشفى لأكثر من مرة، وساءت صحته كثيرا، فأدخل المستشفى بتاريخ 9 جمادى الأولى 1417هـ وهو شبه غائب عن الوعي، وفي فجر الخميس 13 جمادي الأولى سنة 1417هـ الساعة الرابعة فجرا توفي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وقد كان وقع وفاته عظيما على أهله وطلبته وأصحابه وعلى كل أهل الكويت، وكان يوم دفنه يوما مشهودا حضره كثير من الناس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك