رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبد الله بن صالح العبيد 25 نوفمبر، 2019 0 تعليق

فقه إنكار المنكر في زمن الفتن ( 2)

 

 

استكمالاً لما بدأناه في العدد الماضي من عرض للمحاضرة التي ألقاها الشيخ د. عبد الله بن صالح العبيد بديوان الشيخ جاسم المسباح على هامش الدورة العلمية في علم القراءات التي عقدت في جمعية إحياء التراث الإسلامي، حيث ذكر الشيخ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنواعه، وشروطه، وفقه إنكار المنكر.

ومما ذكره الشيخ في محاضرته أن إنكار المنكر ينبغي فيه مراعاة المصالح الكبرى للأمة، فشهادة ألا إله إلا الله، أصل من الأصول، وتعصم معتقدها من الخروج عن دائرة الإسلام مهما ارتكب من المعاصي والذنوب.

الرحمة وليس التشفي

إذا رأيت ناسا مقصرين في الطاعة موغلين في المعصية، فينبغي أن يكون الشعور نحوهم هو رحمتهم، وليس التشفي فيهم، والاستهزاء بهم، والكلام عليهم، وشتمهم وسبهم، والسعي للتشهير بهم بهذه المنكرات.

تلقين المسقط للحد

     وعن أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلص، قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أخالك سرقت»، قال: بلى؛ فأعاد عليه مرتين، أو ثلاثا، كل ذلك يعترف؛ فأمر به؛ فقطع وجيء به؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «استغفر الله وتب إليه»؛ فقال: أستغفر الله وأتوب إليه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم تب عليه، ثلاثا» (رواه النسائي وابن ماجه والدارمي).

     والمقصود من هذا الحديث وأشباهه كما قال علماؤنا في كتب الفقه: «إن الواجب على ولاة الأمور من العلماء والأمراء، أن يدرؤوا الحدود بالشبهة؛ فإذا لم يثبت عند الحاكم، أو القاضي، الحد ثبوتا واضحا لا شبهة فيه؛ فإنه لا قيمة»؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، وهذا لاشك يدل على أن هذا الدين، دين رحمة وعدل؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال للسارق: «ما أخالك سرقت» كان لدرء الحد عنه.

انصحه واستر عليه

     فالواجب على الإنسان أن يكون في قلبه الرحمة لهؤلاء الناس، إذا رأيت إنسانا عاصيا، إذا رأيت إنسانا على منكر، انصحه واستر عليه؛ فبعض العصاة يحتاجون إلى من يدلهم على الخير، ويحتاجون من يوجههم إليه، ويحتاجون من يهدي إليهم ويكرمهم، حتى يشعروا أنك فعلا تريد الخير لهم.

أهم المهمات

إذاً أيها الإخوة، من أهم المهمات في زمن الفتن، أن تراعى المصالح الكبرى للأمة؛ فدينها مصلحة كبرى، أمنها مصلحة عظيمة؛ فوالله لا تستطيع أن تصلي، ولا أن تزكي، ولا أن تصوم، ولا أن تحج، إذا اختل الأمن.

اقتصاد الأمة

     كذلك مراعاة مصلحة اقتصاد الأمة؛ لأن الحرب أو الفتن تكلف الأمة مليارات، وفاتورة غير متوقفة؛ لأن البلد إذا انهار اقتصاديا، تحتاج إلى سنوات طوال حتى تعود إلى المستوى الطبيعي، لا تستطيع أن تقيمه في شهر، ولا شهرين، لا تستطيع، وكل البلدان التي قامت فيها الفتن، أنتم تعرفون كيف كان وضع عملتها وصار الناس يهربون بالملايين من الموت، والذين بقوا قتل منهم مليون أو مليون ونصف، وثلاثة ملايين أو أربعة، إما إعاقة دائمة، أو إعاقة جزئية، أو إنسان أصابته الحرب بالتشتيت؛ فلا علم ولا إنجاز ولا إبداع ولا اقتصاد فتُشل الأمة.

محفورة في القلب

     إذا، عندنا مسألة لتكن محفورة في قلب الإنسان، ويغرسها الإنسان في قلب أولاده وهي: (مراعاة المصالح الكبرى للأمة)، هذا الذي يريد أن يقتل المصالح، أو يدمر المصالح العليا والكبرى للأمة في سبيل إنكار منكر، لاشك أنه قد جنى على الأمة جناية كبيرة، لا هو اتبع الشرع ولا هو اتبع العقل في ذلك.

الاحتماء بأهل العلم

     إنكار المنكر كما قلت لكم، هو أحد أوصاف هذه الأمة، وقد قدمه الله -تبارك وتعالى- على الإيمان، كما في الآية الكريمة التي تلوتها، ولكن هذا لابد له من شروطه، ولابد أن يكون له ضوابط يقوم به، وأحسن ما يكون في ذلك، أن تحتمي بأهل العلم، عندنا ناس من العلماء والصالحين الذين هم من صالح أهل العلم يعتمد عليهم، أما أن تأتي بإنسان صالح وليس بعالم - قد يكون متحمسا - مثل هذا الذي يقول للناس: «عدد السكان خمسة وعشرون مليونا»، يقول: أربعة وعشرون مليونا يموتون من أجل أن يحيا مليون حراً! هل هذا عاقل؟ هذا دين؟! هذه جناية على الناس، أي دين وأي عقل يقول هذا؟!

كل هذا حماس لأجل السلطة، نعوذ بالله، مثل هذه الأشياء التي تسمعها في زمن الفتن، لابد أن تحمد الله -تبارك وتعالى- أولا أنه لم يبتليك بمثل ما ابتلى به مثل هؤلاء الناس، فهذه نعمة عظيمة، وأنه لم يُرَقْ دم في بلاد الإسلام بسببك.

الدعوة في الكويت

- عندكم هنا -ما شاء الله- في الكويت - هناك برامج علمية، وبرامج قرآنية، والمساجد مليئة -بحمد الله- بالمصلين والركع السجود، انظروا في رمضان، كيف يصلي الناس؟ وانظروا كذلك في أوقات التجمعات والمواسم الشرعية - في العيدين مثلاً - وكذلك الجمع وصلاة الكسوف وما شابه، الناس صائمة قائمة نعمة عظيمة من الله -تبارك وتعالى-، فإذا جاء ملبس يلبس عليك، اعرف أنه سفيه {لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا}، {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء}، فالمقصود بأن مراعاة المصالح العليا، هي أهم ما ينبغي للإنسان التوقف عنده، والمحافظة عليه في زمن الفتن، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

 

درر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

الأمة المرحومة

     قال -رحمه الله-: وأما هذه الأمة المرحومة، وأصحاب هذه الأمة المعصومة؛ فإن أهل العلم منهم والدين من أمرهم على يقين؛ فظهر لهم الصدق من المين، كما يظهر الصبح لذي عينين، عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول، وأمرهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء: 59).

     فإذا اجتمع أهل الفقه على القول بحكم لم يكن إلا حقا، وإذا اجتمع أهل الحديث على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقا، ولكل من الطائفتين من الاستدلال، على مطلوبهم بالجلي والخفي ما يعرف به من هو بهذا الأمر حفي، والله -تعالى- يلهمهم الصواب في هذه القضية، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، وكما عرف ذلك بالتجربة الوجودية؛ فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، لما صدقوا في موالاة الله ورسوله، ومعاداة من عدل عنه، قال -تعالى-: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}(المجادلة: 22). (المجموع: 1/ 9).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك