رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 14 يناير، 2016 0 تعليق

فقــه التــدرج

يلحظ المتتبع للدلائل والمسائل أن هذا الدين في جميع أحكامه وتشريعاته يقوم على التدرّج في الأقول والأعمال والوسائل؛ فغالب أحكامه لم تشرع مرة واحدة بل جاءت على سبيل التدريج؛ فكل أمر في الشريعة يُسبق بتمهيد وتوطئة مع تهيئة الأسباب، ويكون تشريعه على مراحل؛ بل الموفق هو الذي يقف على مقاصد الشريعة في التقديم والتأخير، وفي الارتقاء والتدريج، وفي الابتداء والانتهاء.

المقصود من التدرّج

 هو تحصيل المصلحة؛ فالشرع حيث يأمر العبد بمراعاة التدرج لا يأمره إلا لأن المصلحة لا تتحصل إلا به؛ فالمُتبع سبيل التدرج يكون قد وافق الشرع في صورة الفعل وفي مقصده؛ كما ثبت في صحيح مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : «فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله}؛ فقال النبي  صلى الله عليه وسلم  «أبدأ بما بدأ الله به»؛ فبدأ بالصفا فرقي عليه..».

     قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «إن الابتداء يكون في كل مقام بما يناسبه فتارة يقتضي الابتداء بالأعلى وتارة بالأدنى» (16/74)، وقال الشاطبي -رحمه الله- في تقرير بديع: «ومن هنا كان نزول القرآن نجوما في عشرين سنة، ووردت الأحكام التكليفية فيها شيئا فشيئا، ولم تنزل دفعة واحدة؛ وذلك لئلا تنفر عنها النفوس دفعة واحدة».

التدرّج في التطبيق

     وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: «ما لك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق». قال له عمر: «لا تعجل يا بني؛ فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإنى أخاف أن أحمل الناس على الحمل جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة».

     وهذا معنى صحيح معتبر في الاستقراء العادي، فكان ما كان أجرى بالمصلحة وأجرى على جهة التأنيس، وكان أكثرها على أسباب واقعة، فكانت أوقع في النفوس حين صارت تنزل بحسب الوقائع، وكانت أقرب إلى التأنيس حين كانت تنزل حكما حكما وجزئية جزئية؛ لأنها إذا نزلت كذلك، لم ينزل حكم إلا الذي قبله قد صار عادة، واستأنست به نفس المكلف الصائم عن التكليف وعن العلم به رأسا، فإذا نزل الثاني كانت النفس أقرب للانقياد له، ثم كذلك في الثالث والرابع.

     ولذلك أونسوا في الابتداء بأن هذه الملة ملة إبراهيم -عليه السلام- كما يؤنس الطفل في العمل بأنه من عمل أبيه، يقول تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم}  {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}. إلى غير ذلك من الآيات: فلو نزلت دفعة واحدة لتكاثرت التكاليف على المكلف، فلم يكن لينقاد إليها انقياده إلى الحكم الواحد أو الاثنين» (2/148- 149)

 

 

مقاصد التدرج

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك