رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 14 ديسمبر، 2015 0 تعليق

فضيلة الشيخ عبد البارئ الثبيتي: يأبَى الإسلامُ كل الانتِماءات الحزبيَّة الضيِّقة، والعصبيَّة المقيتة، فضلاً عن الانتِماء لأهل الباطل

ضبطَ الإسلام عاطفةَ حبِّ الوطن وأحسنَ توجيهها، والانتِماءُ للوطن يتوافَقُ مع الانتِماء إلى الدين؛ بل إن حب الوطن مُستمدٌّ من الانتِماء إلى الإسلام

الانتِماءُ للأسرة ركنٌ في الإسلام رَكين، وهدفٌ أسمَى متين، وله حقُّ الأولوية في تقديم النفع والخير

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (الانتماء إلى الإسلام)، والتي تحدَّث فيها عن الانتماء إلى الإسلام ومعناه وصوره، وضرورة أن يكون لله -تعالى- وفي سبيله، وكان مما جاء في خطبته:

حقيقة الانتماء

     الانتِماءُ زيادةٌ وارتِفاع، وهو شعورٌ يدفعُ صاحبَه للارتِقاء، ويُنمِّي الولاءَ واستِشعار الفضل، وأجلُّ انتِماءٍ هو شرفُ اتصال العبد بالله - جل في عُلاه - الذي يُفضِي إلى الاطمِئنان والاستِقرار، والسعادة الأبديَّة، قال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(يونس: 62).

 صور الانتماء

     ومن صُور الانتِماء: الانتِماءُ إلى الإسلام الذي هو أعظمُ نعمةٍ، وإذا حلَّت المِحَن، وتنوَّعَت صُنوف الإغراء، واشتدَّت المصائِب، واشتعلَ أُوارُ الحرب على الإسلام يبقَى الانتِماءُ إلى الإسلام قويًّا لا يتزعزَع، وراسِخًا لا يتردَّد، قال الله تعالى: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(الحج: 78).

نرى عظمةَ الانتِماء إلى الإسلام في الارتِقاء بكل العلاقات عن لوثات العنصرية، فلا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لأبيض على أسوَد إلا بالتقوى.

يأبَى الإسلامُ كل الانتِماءات الحزبيَّة الضيِّقة، والعصبيَّة المقيتة، فضلاً عن الانتِماء لأهل الباطل،  قال الله تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(المؤمنون: 53).

ليبقَى انتِماءً واحدًا شامخًا نقيًّا، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(المجادلة: 22).

 الانتِماءُ إلى الإسلام هو الانقِيادُ والاستِسلام، والتِزامُ الجوارِح طاعة الله، والولاءُ لله ولرسولِه،قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(المائدة: 55).

انتِماؤُنا للإسلام يقتضِي انتِماءَنا للأمة بالشعور بأحوالها، والعمل على نُصرتها، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى».

كما أننا ننتمِي بكل فخرٍ إلى تاريخنا الذي حمل لواءَ الهداية للعالَم، ولغتنا الخالِدة لغة القرآن الكريم،قال الله تعالى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(الزمر: 28).

وانتِماءُ العاطفة هذَّبه الإسلام، ووجَّه مسارَه، وبطَ حركتَه، قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ(المجادلة: 22).

وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

     وفي الأخلاق يظهر صدقُ انتِماء المُسلم للإسلام في هيئته وكلامه، ولباسِه وسُلوكه، فقد لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمُتشبِّهات من النساء بالرجال، وقال: «ليس المؤمنُ بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحِش ولا البذِيء»، ولا يخفَى أن انهِيارَ الأخلاق انهِيارٌ لمظاهر الانتِماء.

ويقترِنُ مع ضعف الانتِماء ذوَبانُ الشخصية وتميُّعها، وقد يستحِي أن يُظهِر بعضَ شعائر دينِه، فكما اهتمَّ الإسلام بطهارة الباطن اعتنَى بجمال المظهر، لتتميَّز شخصيةُ المُسلم، وتتخلَّص من شوائِب التقليد.

والانتِماءُ للوطن أمرٌ غريزيٌّ، وحبٌّ فِطريٌّ، وكيف لا يُحبُّ الإنسانُ أرضًا عاشَ في كنَفها، وترترعَ على ترابها، وارتبطَ بأهلها وتاريخها؟!قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ(النساء: 66).

وقد ابتلَى الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بفِراق الوطن، فقال: «واللهِ إنكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ».

ولما علِم أنه سيبقَى مُهاجِرًا دعا بتحبيب المدينة إليه، وكان يدعُو لطيبة وطنه بكل خيرٍ، فكان يقول: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفَي ما جعلتَ بمكة من البركة».

الانتماء للأوطان

     ضبطَ الإسلام عاطفةَ حبِّ الوطن وأحسنَ توجيهها، والانتِماءُ للوطن يتوافَقُ مع الانتِماء إلى الدين؛ بل إن حب الوطن مُستمدٌّ من الانتِماء إلى الإسلام؛ فإن الانتِماء للوطن ولاءٌ بحكم الشرع، وهو قيمةٌ إسلاميَّةٌ لبناء مُجتمعٍ قويٍّ بعقيدته، ثم بمجموع أفراده. وأصدقُ الناس وطنيَّةً وحرصًا على الوطن أقواهم إيمانًا.

وقوةُ الانتِماء للوطن تُعزِّزُ الأمنَ بكل صُوره، وتُحصِّنُ من الغزو الفكريِّ، وتُقوِّي اللُحمةَ الداخلية التي تحمي ممن يُريدُ إحداثَ الفتن والقلاقِل في الوطن.

مقتضيات الانتماء للوطن

من مُقتضيات الانتِماء للوطن: محبَّتُه، والتضحيةُ له، وتقديرُ علمائِه، وطاعةُ ولاة أمره، والقيامُ بالواجبات والمسؤوليات، والحرصُ على مُمتلكاته ومُؤسساته، واحترامُ أنظمته، والعملُ على تنميته، وألا يكون المواطنُ منفذًا للمُتربِّصين أو لكل ما يضُرُّ الوطن.

     من الانتِماء للوطن: بذلُ المال لفقرائِه، وسخاءُ النفس مع أبنائِه، ودعمُ مشاريعه؛ فكما تنعَّمتَ من خيرات الوطن، ونهلتَ من معينه، فمن حقِّ الوطن أن ترُدَّ له الجميل، وتُسدِي إليه المعروف بالعطاء في مشاريع النماء،هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(الرحمن: 60).من الانتِماء للوطن: الإحسانُ للجيران، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنةَ من لا يأمنُ جارُه بوائِقَه».

ومن المُقتضيات: حبُّ الخير لأبناء الوطن، والتعاوُن بينهم، قال صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه».

ومن الانتِماء: البرُّ والقسطُ والإحسان حتى مع غير المُسلمين، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ألا من ظلمَ مُعاهدًا أو انتقصَه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفسٍ فأنا حَجيجُه يوم القيامة».

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الانتِماءُ للأسرة

الانتِماءُ للأسرة ركنٌ في الإسلام رَكين، وهدفٌ أسمَى متين، وله حقُّ الأولوية في تقديم النفع والخير، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها».

وقوةُ بناء الأسرة وصلاحُها يصُبُّ في منظومة بناء الوطن والأمة، كما أن تفكُّك الأسرة يُصدِّعُ بناءَ الوطن والأمة، ويعلمُ المُسلم أن نسَبَه لا يُغني عنه من الله شيئًا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «من بطَّأ به عملُه لم يُسرع به نسَبُه».

كل المُؤسسات مسؤولةٌ عن تحقيق الانتِماء الصالِح: الأسرة، المدرسة، المُعلِّم، المناهج، المسجد، العلماء، الدعاة، الإعلام، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك