رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 17 يناير، 2016 0 تعليق

فضيلة الشيخ سعود الشريم: وعيَ الأمة وحذَرها كفيلان لجَعلها أمةً قويَةً ذات شوكةٍ ومنَعَةٍ أمام أعدائِها وخُصومها

 بلادَ الحرمين - حرسَها الله - ناهِضةٌ بحزمها وعزمها، قويَّةٌ بقوَّة الله وتوفيقه، ثم بقوَّة وُلاتها وعلمائِها وشعبِها، مُلتزِمةً بثوابتها، مُعتزَّةً بهويَّتها

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (الوعي والحذر)، التي تحدَّث فيها عن الوعي بما يدورُ حول المُسلمين، وضرورة الحذَر مما يُحاكُ لهم من مُؤامرات؛ مُبيِّنا أن الأمة لو جعلَت للوعي أهميةً في حياتها فلن تُخفِق في الأزمات، ولن تدهَمَها الحوادثُ والمُدلهِمَّات، وقال فضيلته: أمة قويَة ذات شوكةٍ ومنَعَةٍ أمام أعدائِها وخُصومها الذين يتربَّصُون بها الدوائِر، مؤكدا أن المُجتمع المُسلمُ الواعي  هو من يُوفَّق في ألا يترُك له عدوًّا من داخلِه ليكون ثانيَ العدُوَّين..

     الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، له الحمدُ حتى يرضَى، وله الحمدُ بعد الرِّضا، وله الحمدُ على كل حال، خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، له الحمدُ في الأولى والآخرة، وله الحُكم وإليه تُرجَعون، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير، والسِّراجُ المُنير، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:

أهمية الوعي

فإن الوصيَّةَ المبذُولة لي ولكم - أيها الناس - هي تقوَى الله، تقوَى الله في السرِّ والعلَن، والخلوَة والجلوَة، فهي وصيَّتُه للأولين والآخرين،  {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا الله} (النساء: 131).

نعمة الحواسِّ

أيها الناس: إن الله - جل وعلا - قد منَّ على بني آدم بنعمة الحواسِّ العظيمة: العقل، والسمع، والبصر،  {والله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَة} (النحل: 78).

     إنها نعمةٌ يتقلَّبُ فيها مُعظمُ بني آدم، غيرَ أن كثيرًا منهم لا يضَعها موضِعها التي خلقَها الله له؛ فلم تكُن له سبيلَ تفكُّرٍ ولا وعيٍ ولا هداية، بل ضلُّوا بها، وربما أضلُّوا، وضيَّعوا لذَّة استِعمالها فيما يُرضِي الله في الدنيا، وما يفوزُون به من العاقِبة في الأخرى، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ  (الأعراف: 179).

إن قومًا لم تدُلَّهم تلك الحواسُّ إلى الخير لفِي خسارٍ مُبينٍ وبوار؛ فإن من أهمِّ ما تُستثمَرُ به تلكُم الحواس: تكاملُ خصلَة الوعي لدى صاحبِها، وسلامة إدراكه ودقَّته في النأْي بها عن المُؤثِّرات المُغيِّبة للمنطقِ والحقيقة.

الوعيَ والحذَر

     ومما لا شكَّ فيه أن مَن أحسنَ الوعيَ أحسنَ الحذَر، واستطاعَ أن يقرأَ ما بين سُطور الأحداث والمُدلهِمَّات، فإن الوعيَ والحذَر أمران زائِدان على مُجرَّد السمع والإبصار. فما كلُّ من يُبصِر يعِي ويحذَرُ ما يُبصِرُه، ولا كلُّ من يسمَعُ كذلك،  {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج: 46).

إداراك قيمة الوحدة

     وبما أن الأمةَ في هذه الآوِنة تعيشُ أحداثًا مُدلهِمَّة، ونوازِل تتكاثَرُ حثيثة، وتلِيهَا أُخرى حُبلَى بما لا يُدرَى ما الله كاتِبُه فيها، وإن الأفرادَ إذا وُفِّقُوا في وعيِهم وُفّّقُوا في حذَّرهم، ومن ثمَّ يكون المُجتمع بعُمومه مُجتمعًا واعيًا يُدرِكُ قيمةَ الاجتِماع والوحدة حين تدلهِمُّ الخُطوب، فيطرَحُ كثيرًا من خلافات التنوُّع جانبًا، وربما أجَّل الحديثَ عن اختلاف التضادِّ لكَون الخطَر الداهِم أكبر، ودفعُه أَولَى.

الطيِّب  والخبيثَ

فتلك هي الأمةُ الواعِيةُ، وذلكم هو المُجتمع الناجِح الذي يَميزُ الخبيثَ من الطيِّب، والعدوَّ من الصديق، لذلك أوصَى الله - جل وعلا - المؤمنين بقوله:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}(النساء: 71).

     إن وعيَ الأمة وحذَرها كفيلان - بتوفيق الله - لجَعلها أمةً قويَةً ذات شوكةٍ ومنَعَةٍ أمام أعدائِها وخُصومها الذين يتربَّصُون بها الدوائِر، فتعلَمُ حينئذٍ متى تحلُم، وتعلَمُ متى تحزِم، وتعلَمُ متى تنأَى، ومتى تعزِم. فإن السهلَ أحيانًا يُوطَأُ ويُمتَهَن، وإن في الحَزم هيبَةً، وفي العزم قوَّةً ونجاحًا - بعد توفيق الله -.

وسائل القوة

فإن الله - جل وعلا - أوصَى الأمةَ المُسلِمةَ بتحصيل وسائل القوة، حتى لا تكون نهبًا للطامِعين، ولا هدفًا للمُتربِّصين، فقد قال - جلَّ شأنُه -: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الأنفال: 60).

مُقوِّمات القوة

     لتشمل كلَّ مُقوِّمات القوة، اقتصاديةً كانت، أو سياسيةً، أو علميةً، أو اجتماعيةً، أو عسكرية، فإن قوةَ الدولة هي القُدرة على التأثير؛ بحيث تكون حالَ وعيِها وحذَرها بسبب هذه القوة من أهمِّ دعامات تأثيرها، وإثبات وجودها، فتستعمل مصادر قوَّتها لتكون رَسمًا مُتناسِقًا تستطيعُ من خلاله أن تُحدِّد موقِفها وقت السِّلم كيف يكون؟ وكيف يكون وقت الشدائد؟ على حدِّ قول القائل:

ووضعُ النَّدَى في موضِع السَّيفِ بالعُلا       مُضِرٌّ كوَضعِ السَّيفِ في موضِعِ النَّدَى

إن المُجتمع المُسلم إذا جعلَ للوعي حظوةً وكان من أولوياته، فلن يُخفِقَ - بأمر الله - في الأزمات؛ إذ يعرِفُ متى يرفعُ بصرَه حينئذٍ ومتى يُرخِيه؟ ويعرِفُ مصلحةَ دفع الأخطار قبل وقوعها، وأنها أعلى وأَولَى من رفعها بعد الوقوع.

ثاني العدوين

     المُجتمع المُسلمُ الواعي - عباد الله - هو من يُوفَّق في ألا يترُك له عدوًّا من داخلِه ليكون ثانيَ العدُوَّين. نعم، إنه يكون عدُوًّا داخليًّا بأنانيَّته وأثَرَته، يكون عدُوًّا داخليًّا بالنِّزاع والاختلاف والفُرقة، حتى كأنَّه رسولٌ للعدوِّ الخارجيِّ، والمُقرَّرُ شرعًا أن كل ذلكُم يُتَقى وجوبًا حالَ ظُهور العدُوِّ الخارجيِّ وتكشيرِه عن أنيابِه؛ لذلك قال الله تعالى: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ }(الأنفال: 45، 46).

أحسنَ الحديث كتابُ الله

     فاتَّقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأُمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يدَ الله على الجماعة، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}(النساء: 115).الأرض المُبارَكة محسُودةٌ

     ثم اعلَموا - يا رعاكم الله - أن هذه الأرض المُبارَكة محسُودةٌ مقصُودة، تُحدِقُ إليها أبصارُ الطامِعين في خيراتها واستِقرارها، وعرصَاتها المُقدَّسة في الحرمين الشريفين، فينظرُون إليها نظرَ غيرةٍ وشذَر، ملؤُهما الأطماعُ الاقتصاديَّة والسياسيَّة والجُغرافيَّة، التي يُرادُ من خلالها تطويقُ المنطقة برُمَّتها، والاستِحواذُ على خيراتها ومُقوِّماتها ومُقدَّساتها، والاستِئثارُ بما وُهِبَت به بلادُ الحرمين الشريفين من رعايتهما، والتشرُّف بهما.

     فلم يهدَأ للطامِعين بال، ولم تُغمَض للحاسِدين عين، فأخذُوا يُثيرُون الزَّعزَعة والتدخُّل فيما لا يعنِي، حتى إنهم ليُجادِلون في حماية الأنفُس وهم جزَّارُوها، ويتلاعبُون بالدماء المعصُومة ثم هم يتورَّعون عن قتل الذباب في الحرَم. لقد قابَلُوا الإحسانَ بالإساءة، والحلْمَ بالجهل، والأناةَ وطُولَ النَّفَس بالحماقة وضيقِ العَطَن.

الحزم والعزم طريق النهوض

     وإن بلادَ الحرمين - حرسَها الله - ناهِضةٌ بحزمها وعزمها، قويَّةٌ بقوَّة الله وتوفيقه، ثم بقوَّة وُلاتها وعلمائِها وشعبِها، مُلتزِمةً بثوابتها، مُعتزَّةً بهويَّتها، ولن يضيرَها - بحفظ الله ورعايته - صرخاتُ التهويش والتشويش التي تنطلِقُ في غير ما سبيل، حتى يرجِع صدَى الصُّراخ مبحُوحًا وهو حسير.

{فَالله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(يوسف: 64)، وهو - سبحانه - المُستعان وعليه التُّكلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ لنا إلا به، إليه المفزَع، وبه المُعتصَم، هو مولانا فنِعم المولَى ونِعم النَّصير.

     هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون، فقال - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الأحزاب: 56).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك