رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 18 أغسطس، 2015 0 تعليق

فضيلة الشيخ أسامة خياط: يحسَبون أن قتلَ المُناجِين ربَّهم في الصلوات يُرضِي ربَّ الأرض والسموات

متى كان القتل والترويع أمراً مشروعاً في هذا الدين؟

متى كان البغي والعدوان على المساجد طريقاً إلى رضوان الله؟

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (تحريم البغي وقتل النفس المعصومة)، وتحدَّث فيها عن البغي والعُدوان الذي وقع في منطقة عسير، وما تبِع ذلك من مقتل العديد من رجال الأمن وإصابة آخرين، مُبيِّنًا حُرمة قتل النفس المعصومة، وخطورة الغدر وعاقبته يوم القيامة، كما ذكر بعضَ أقوال أهل العلم في الخوارِج ومذهبهم الفاسِد، وحذَّر في آخر خطبته من ترك العناية بالشباب وتعليمهم وتثقيفهم للتصدي لهذا التطرُّف والانحِراف.

     ألا وإن ضلالَ السعي ضُروبٌ وألوانٌ لا يكادُ يحدُّها حدٌّ، أو يستوعِبُها بيان. غيرَ أن من أقبَحها وأشدِّها نُكرًا، وأعظمها ضررًا: شقَّ عصا الطاعة، ومُفارقَة الجماعة، والتردِّي في حمئَة التمرُّد والعِصيان، واستِباحة الدماء المعصُومة، وقتل النفسِ التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحقِّ، بالتأويلات الباطلة، والآراء الفاسِدة المدخُولة، والفتاوى المُغرِضة التي لا تستنِدُ إلى دليلٍ صحيحٍ، ولا ترجِعُ إلى فقهٍ ولا نظرٍ سليمٍ قويمٍ.

ترويع الأمنين

ومن ذلك - يا عباد الله -: ما حدثَ في منطقة عسير، مما جاء خبرُه، واتصلَ بكم نبؤُه، فأحدثَ شرًّا ونُكرًا وفسادًا عريضًا، لا يُمكن لمُؤمن صادقٍ يحذرُ الآخرةَ ويرجُو رحمةَ ربِّه أن يقبَل به، أو يدعُو إليه، أو يحُضَّ عليه. كلا والله، لا يُمكن ذلك أبدًا.

إذ متى كان القتلُ والترويعُ أمرًا مشروعًا في هذا الدين، وفي كتابه المُنزَّل من حكيمٍ حميد؟! يقولُ ربُّنا - سبحانه -: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32).

     ومتى كان البغيُ والعُدوانُ على المُسلمين طريقًا إلى رِضوان الله، وسبيلاً إلى جناته؟! ومن المُنتفِعُ بهذه الأعمال على هذه الحقيقة - يا عباد الله -، من المُنتفِع؟! وكيف يرضَى أحدٌ لنفسِه أن ينقلِبَ إلى أداةٍ طيِّعةٍ بيد أعداء دينِه، وخصوم وطنه وأمَّته، يبلُغون بها ما يُريدون من الشرِّ والخَبال، وهم قارُّون موفورون لم يمسَسهم سُوءٌ؟! وكيف لا تقرُّ أعينُ هؤلاء الموتورين وهم يرَون من يُقاتِلُ عنهم، ويضرِبُ بسلاحهم، ويتحيَّزُ إلى فئتهم؟!

     ثم ألم يُحذِّرنا ربُّنا من طاعة الشيطان واتباع خُطواته، فقال -عزَّ من قائل-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } (فاطر: 6)، وقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } (البقرة: 208). وما عسَى أن يكون هذا العملُ وأمثالُه مما سبقَه، ما عساهُ يكونُ إن لم يكُن موالاةً للشيطان وطاعةً له، واتباعًا لخُطواته؟!

سوء المنقلب

ألم يتفكَّر هؤلاء في سُوء مُنقلَب من أصابَ دمًا حرامًا، كما في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في (صحيحه)، عن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزالُ المُؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا».

     ثم ألم يطرُق سمعَ من فعلَ هذه الفعلَة النَّكراء ما جاء من الوعيد الصارِخ على لسان نبي الرحمة والهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - لكل من قتلَ نفسًا أو قتل رجلاً غدرًا؟! وذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»، وابن ماجه في «سننه»، وابن حبان في (صحيحه) بإسنادٍ صحيحٍ، عن عمرو بن الحمِق، أنه سمعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أمَّن رجلاً على دمِه فقتلَه فإنه يحملُ لواءَ غدرٍ يوم القيامة».

ولفظُ ابن حبان: «أيُّما رجلٍ أمَّن رجلاً على دمِه ثم قتلَه، فأنا من القاتل بريءٌ وإن كان المقتولُ كافرًا».

وفي (الصحيحين) عن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم -: «يُنصبُ لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُقالُ: هذه غدرةُ فلانٍ بن فلان».

وفي هذا من الفضيحة - يا عباد الله - لصاحبَ الغدر، وفيه من التشهير به على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ما لا مزيدَ عليه، مع ما أُعِدَّ له من شديد العقاب.

تقتلون المصلين

     وما زال هؤلاء البُغاةُ الضالُّون سادِرين في غيِّهم، يُخِبُّون ويُوضِعون في الإثم والعُدوان الذي يتجلَّى في أبشَع صُوره وأشدِّها نُكرًا، بقتل أهل الإسلام المُصلِّين الراكِعين الساجِدين لرب العالمين، مُزدلِفين إليه بأداء فريضةٍ من فرائضِه التي أخبرَ - سبحانه - عن رِفعة مكانتها، وعِظَم منزلتها بقوله: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه.. الحديث»؛ أخرجه الإمام البخاري في (صحيحه) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

     تلك الفريضة التي أخبرَ رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - عن شرفِها وخيريَّتها بقوله: «استقيمُوا ولن تُحصُوا، واعلموا أن خيرَ أعمالكم الصلاة، ولن يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمن»؛ أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»، وابن ماجه في «سننه»، والدارمي في «سننه»، وهو حديثٌ صحيحٌ بمجموع الطرق.

وشتَّان - يا عباد الله - شتَّان بين من يقدُم على ربِّه راكعًا ساجدًا مُصلِّيًا، وبين من يقدُم عليه مُحادًّا لله ولرسولِه بقتل نفسه، وبقتل النفس التي حرَّم الله قتلَها بغير حقٍّ. إن بين الخاتمتين لموعظةً وذكرى للذاكرين، وإن بينهما لمُدَّكرًا لقومٍ يعقِلون.

الأخسرون أعمالا

     وما أحسنَ ما قال بعضُ السلَف في الخوارِج: «إنهم هم المذكورون في قوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف: 102- 105)».

هم الأخسَرون أعمالاً؛ إذ يحسَبون أن قتلَ المُناجِين ربَّهم في الصلوات يُرضِي ربَّ الأرض والسماوات، ولم يعلَموا أنه من أكبر الكبائِر والذنوب المُوبِقات، والعظائِم والخطيئات، وأنه مما زيَّنه لهم شياطينُ الإنس والجنِّ. والله المسؤولُ أن يعصِمَنا منهم بحولِه وقوَّتِه.

وما أحسنَ قولَ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين قال: «الخوارِجُ دينُهم المُعظَّم: مُفارقَةُ جماعة المُسلمين، واستِحلالُ دمائِهم وأموالِهم».

فانظروا إلى دينهم المُعظَّم هذا - يا عباد الله -.

     عباد الله: إن لنيران الحقد ضِرامًا تطيشُ معه العُقول، وتُصمُّ الآذان، وتعمَى الأبصار. فلا ينتفعُ صاحبُه بعقلِه ولا بسمعِه ولا ببصرِه، لا ينتفعُ بعقلِه حين لا يضعُ الأمورَ في نِصابها، ولا يتفكَّرُ في مآلِها، ولا ينظرُ في عواقِبِها، ولا ينتفعُ بسمعِه حين يُصمُّ أذنَيه عن سماع النُّصح، ويُولِّي مُستكبِرًا مُعرِضًا عن قبول التذكير الذي ينفعُ المُؤمنين، ولا ينتفعُ ببصرِه حين يُغلِقُ عينيه عن النظر إلى البيِّنات والهُدى الذي يُبصِرُ به طريقَ الحقِّ.

هنالك تكونُ العاقبةُ شرًّا ووبالاً عليه، وخُسرانًا يبوءُ به، وضلال سعيٍ لا يُغادِرُه، ونهايةً تعِسةً مُظلمةً خائبةً تنتظِرُه، كما هو حالُ هؤلاء الضالِّين.

أمر مرفوض

     أيها الإخوة: إن هذه الأحداث الأليمة التي تقَضُّ لها مضاجِعُ أُولِي النُّهى، وتهتزُّ لها أفئدةُ أُولِي الألباب، وإن هذا العُدوان الذي تعرَّضَت له هذه البلاد المُبارَكة هو أمرٌ مرفوضٌ، لا شكَّ في رفضِه عند كل العُقلاء، أمرٌ مرفوضٌ يُنكِرُه كل العُقلاء أشدَّ الإنكار؛ لأنه مُحرَّمٌ بنُصوص الكتاب والسنة، ولأنه تعدٍّ لحدود الله، وانتِهاكٌ لحُرماته، وعُدوانٌ على عباده، ولأنه فسادٌ نهَى الله عنه، وأخبرَ أنه لا يُحبُّه، وأنه لا يُصلِحُ عملَ المُفسِدين، وتوعَّدهم عليه بالعذاب الأليم.

ولذا فإن من ولاَّه الله بأمر هذه البلاد قد قام - بحمد الله -، وسوف يقوم بما وجبَ عليه من إطفاء نار الفتنة، وحماية الحَوزة، والحِفاظ على الوَحدة، وصيانةِ كِيان الأمة بالنزول على حُكم الله وتحكيم شريعته، لقطع دابِر الفساد والمُفسِدين، وإعادة الحقِّ إلى نِصابه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك