رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: خالد بن عبد العال 27 يونيو، 2016 0 تعليق

فضل العشر الأواخر من رمضان

اختص الله تعالى قد اختص العشر الأواخر من رمضان بمزايا عديدة، وفضائل كثيرة، وقد أودع فيها ربنا من رحماته وبركاته خيراً كثيراً؛ فاستعدوا لها يا عباد الله وأخلصوا، وقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها:  «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ: شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» (رواه الشيخان).

والمئزر: هو الإزار. وقولها: «شَدَّ مِئْزَرَهُ»: هو كناية عن اعتزال النساء في العشر الأواخر. وقيل: هو على حقيقته. والمراد بذلك: الجد والاجتهاد في العبادة في تلك الليالي الميمونة المباركة.

وفي صحيح مسلم: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ».

فضائل العشر الأواخر من رمضان:

     من تلك الفضائل الميمونة، والمناقب المعلومة: إنزال القرآن الكريم فيها؛ كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(القدر:1). ومن فضائلها: ليلة القدر: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿٣﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴿٤﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(القدر:2-5). تعظيماً لها وتشريفاً، ورفعةً لها وتكريماً.

     وقد أجمع العلماء على أن ليلة القدر في شهر رمضان المبارك، وأجمعوا على أنها في العشر الأواخر منه، وأجمعوا على أنها في أوتاره. واختلفوا في تحديدها على أقوال كثيرة، تكاد تصل إلى أربعين قولاً،  والجمهور على أنها في ليلة السابع والعشرين، لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه في صحيح مسلم، وأنه كان يحلف على ذلك ولا يستثني.

     من قام تلك الليلة المباركة نال أجراً كثيراً، وغَنِمَ فضلاً عظيماً؛ فالعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والملائكة تتنزل ومعهم جبريل عليه السلام فيها، ويحل الأمن والسلام على أهل الإيمان والقيام، وفيها تُقسم الأرزاق، وتُكتب الآجال، ويُعز أقوام، ويُذل آخرون، ويُرفع أقوام، ويُوضع آخرون، ويُغنى أقوام، ويفتقر آخرون، ويُشفى أقوام، ويمرض آخرون، ويُقبل أقوام، ويُطرد آخرون، ويَسعد أقوام، ويَشقى آخرون. قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه الشيخان).

     وعلى العبد أن يكثر من الدعاء المأثور فيها؛ حيث  قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،  أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: “تَقُولِينَ:  «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي» (رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بسندٍ صحيحٍ). وننبه إلى أن زيادة لفظة: (كريم) بعد (عفو) لا تثبت في الحديث.

ومن الأعمال الجليلة، والخيرات الكثيرة، في تلك الأيام السعيدة: الاعتكاف في المساجد، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}(البقرة: 187).

     يعتكف المسلم – ذكراً كان أم أنثى - في مسجدٍ من مساجد الله، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، طلباً لليلة القدر، وطمعاً فيما عند الله من الأجر. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

     ويباح له الخروج من معتكفه للحاجة التي لابد منها: كطعام أو شراب أو وضوء... ويباح له ترجيل شعره، وحلق رأسه، وتقليم أظفاره، وتنظيف بدنه، وتبديل ملابسه، واغتساله، وتطيبه... كما قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا» (رواه الشيخان). ويباح له أن يزوره أحد من أهله: كزوجة، أو ولد، أو صاحب، وله أن يقلب أهله إلى البيت إن خشي عليها الطريق؛كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية رضي الله عنها في الحديث المشهور.

ويبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة، وبالوطء، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}(البقرة: 187).

ومن العبادات المشروعة والواجبة في العشر الأواخر: زكاة الفطر؛ فلقد فرضها الله تعالى طُهْرةً من اللغو والرفث للصائمين، وطُعمةً للمساكين، وإغناءً للفقراء والمحتاجين.

     فعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِن الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ». (رواه الشيخان).

     وهذا الحديث يدل على وجوب زكاة الفطر على المسلم، المالك لما يزيد عن قوته وقوت عياله يوماً وليلة، وأنها واجبة عليه عن نفسه وعمن تلزمه نفقته: كزوجةٍ، وولدٍ، وخدمٍ، وسواء كان هذا المسلم حراً أم عبداً، ذكراً أم أنثى، كبيراً أم صغيراً،  حتى ولو ولد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان؛ أما إن ولد بعد الغروب فلا زكاة عليه.

وأما الحمل، فقد نقل ابن المنذر - رحمه الله - الإجماع على أنها لا تجب على الجنين، لكنه مستحب عند جماعة من أهل العلم.

     ودل الحديث على أنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، حتى خروج الناس لصلاة العيد، فلا يجوز إخراجها من أول الشهر، ولا يجوز تأخير إخراجها إلى ما بعد صلاة العيد إلا لعذر. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، تخفيفاً على الناس وتيسيراً؛ كما روى البخاري في صحيحه، من طريق نافع، قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا؛ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.

     وليعلم المسلم أن زكاة الفطر عبادة مقصودة مخصوصة، يجب عليه أن يخرجها صاعاً من الأصناف التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب.

ويلحق بها ما في معناها مما يقتاته الناس كالأرز والذرة، ونحوهما مما يعد قوتاً. وأما القيمة فغير مجزئة عند عامة الفقهاء، عدا أبي حنيفة - رحمه الله - فإنه جوزها نقوداً، وقول جماهير العلماء أولى وأبرأ. ثم الصاع يقدر بكيلوين ونصف تقريباً.

ومما ينبغي التذكير به في هذا المقام: صلاة العيد، تلك الشعيرة الشرعية، والمناسبة السعيدة الزكية، وهدية الصائمين المرعية.

     فلقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالخروج لصلاة العيد، وبالغ في ذلك حتى أمر الحُيَّضَ والعواتق وذوات الخدور بالخروج لها، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وأمر المرأة الحائض أن تعتزل المصلى. فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ. قَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» (رواه الشيخان).

ويستحب أن يُصلَّى العيدُ في الخلاء، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يفعلون، وأن لا يُصلّى في المسجد إلا لضرورة، كمرضٍ، أو مطرٍ، أو بردٍ.

 ويستحب أن يغتسل لها، ويتطيب – إلا المرأة فحرام عليها الطيب إن خرجت من بيتها -، ويلبس أحسن ما يجد من الثياب، ويخالف الطريق ذهاباً وإياباً، ويفطر في يوم الفطر قبل خروجه على تمرات ونحوها. هكذا جاءت سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .

ويستحب له أن يكبر الله في العيدين بالمأثور عن السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، في الفطر من حين خروجه لصلاة العيد حتى يصلي، وفي الأضحى من صبيحة يوم عرفة حتى عصر آخر أيام التشريق. وفي المسألة أقوال أخرى.

وصفتها: ركعتان، يكبر فيهما ثنتي عشر تكبيرة، سبعاً في الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، وخمساً في الثانية قبل القراءة، وفيها أقوال أخرى.

     ومن فاتته صلاة العيد صلاها على هيئتها وصفتها كما لو صلاها مع الإمام في الجماعة، وكذا النساء في البيوت، إذا صلين في البيت. ومن فاتته ركعة فإنه يأتي بها بعد سلام الإمام ويصنع فيها كما صنع الإمام؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (رواه الشيخان).

     ومن أحكام صلاة العيد: أنها إذا اجتمعت مع الجمعة فإنه يُرخص في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد مع الجماعة، ويصلي أربع ركعات بدلاً من الجمعة، وإن حضرهما جميعاً كان خيراً، إلا الإمام فعليه أن يشهدهما جميعاً. وقد ورد في ذلك أحاديث عدة في أسانيدها مقال، قد ترقى بمجموعها إلى الاحتجاج بها، وعن عددٍ من الصحابة بأسانيد صحيحة، ذكرتُها جميعاً وتكلمتُ على عللها وفقهها في كتابي: (أعذار التخلف عن الجمعة والجماعة ص179-185). فانظره غير مأمور.

     ومن أحكامها: أنه لا بأس برفع الأيدي في التكبيرات الزوائد. ومنها: أنه لا أذان لها ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة. ومنها: تحريم صيام أيام العيد. ومنها: أنه لا بأس بالتهنئة بالعيد، كقول: تقبل الله منا ومنك، أو عيدك مبارك .. وما أشبه ذلك. فقد ثبت هذا عن عدد من السلف. قال ابن قدامة في (المغني): قال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك. ومنها: مشروعية الترفيه واللعب والغناء المباح في العيد. هذا باختصار شديد، والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك