رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 12 سبتمبر، 2019 0 تعليق

فضل الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم


لما ذكر الله أصنافَ المؤمنينَ في سورة الحشر، قال -تعالى- في حق المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)}، فصَدَقوا بأقوالهم وصدَّقوها بأفعالهم.

     ثم ذكر الأنصار -رضي الله عنهم- من أهل المدينة، الذين أحبوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين -رضي الله عنهم-، وأكرموهم ونصروهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}، فأفلحوا وفازوا في الدنيا والآخرة.

     ثم ذكر من جاء بعدهم فأحب المهاجرين والأنصار، ودعا لهم، ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم ولا حِقْدٌ عليهم، فقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (الحشر).

الأصناف الثلاثة

     وأفراد هذه الأمة لا يخرجون عن هذه الأصناف الثلاثة؛ فنحن لسنا من المهاجرين، ولسنا من الأنصار؛ فلنكن من البقيةِ الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، ولذلك فإن من أصولِ ديننا سلامةَ قلوبِنا وألسِنَتِـنا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم-، إنهم خير القرون، كما شهد لهم بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (متفق عليه).

خير قرون أمته

     لقد بعث الله -تعالى- نبيه في خير قرون أمته، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ أمتي القرنُ الذي بُعثتُ فيهم» (رواه مسلم). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم قرني» (متفق عليه)، فإنهم خيرُ هذه الأمةِ بعدَ نبيِّها - صلى الله عليه وسلم -، وهم السابقون الأولون الذين قال الله -تعالى- عنهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة 100). فذكر الله -تعالى- أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار، وأنهم في جنات الخلود تجري تحتهم الأنهار، بإذن الله -تعالى- ورحمته وفضله، ولذلك فإن المؤمنين إذا ذكروا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ترضوا عنهم.

الصحابةُ الأبرار

     إنهم الصحابةُ الأبرار، -رضي الله عنهم وأرضاهم-، كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقَها فهما، وأرسخَها علما، وأقلَّها تكلفا، وأقومَها هَدْيًا، آزروا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ونصروه، وعزروه ووقروه، ونشروا دينَه في حياته وبعد وفاته، فجزاهم اللهُ عن أمتهم خيرَ الجزاء، وعدالتُهم متقررةٌ في نفوس المؤمنين، كيف لا؟ والقرآن لم يصل إلينا إلا من طريقِهم، والسنةُ ما بَلَغَتْنَا إلا بروايةِ العُدولِ الأثْبَاتِ عنهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم عن أمة الإسلام ما وعدهم من حُسن الجزاءِ والأجرِ العظيم.

    وعلى كل مسلم حفظُ فضلهم، وذكرُ سابقتهم، والترضي عنهم، فقد مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راضٍ عنهم، ونهانا عن التعرض لجنابهم، وقال: «لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدَكم لو أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدركَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه» (متفق عليه)، فلنعرف لهم قدرَهم؛ فإن الله قد اختارهم لصحبةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واختارهم ليبلغوا دينه الذي ارتضاه لعباده إلى قيام الساعة.

تبشيرهم بالجنة

     بَشَّرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعضَهم بالجنةِ وهو يمشي على الأرض، فقال: «أبو بكرٍ في الجنة، وعمرُ في الجنة، وعثمانُ في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحةُ في الجنة، والزبيرُ في الجنة، وعبدُالرحمنِ بْنُ عَوْفٍ في الجنة، وسعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ في الجنة، وسعيدُ بنُ زيدٍ في الجنة، وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ في الجنة» (رواه الترمذيُّ وأحمدُ والنَّسائي)، وروى البخاري في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ جبلَ أُحُدٍ هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمان، فرجف بهم، فقال: «اُثْبُتْ أُحُدُ! فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان».

الصديق هو أبو بكر - رضي الله عنه 

والصديق هو أبو بكر - رضي الله عنه -، خليفةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وثاني اثنين قبل البعثة، وعند البعثة، وبعد البعثة، وفي مكة، وفي الهجرة، وفي الغار، وفي المدينة، وفي الحجرة. وهو صاحبُ المكانة العظيمة عند الله -تعالى-، وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي قلوب المؤمنين.

أمير المؤمنين عمرُ - رضي الله عنه 

     وأما أمير المؤمنين عمرُ الفاروق رضي الله عنه فقد أعز الله المسلمين بدخوله الإسلام. قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إيهٍ يا ابنَ الخطاب! والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطانُ سالكا فجا إلا سلك فجا غيرَ فجِّك» (متفق عليه). وهو الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم-: «لقَدْ كَانَ فِيمَا كان قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثونَ»، أي: يُلهمون الصوابَ مِن غيرِ وحي، قال: «فَإِنْ يَكُ في أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» (رواه البخاري).

أميرُ المؤمنين عثمانُ - رضي الله عنه 

     وأما أميرُ المؤمنين عثمانُ - رضي الله عنه - فهو الكريم الحيي، صاهر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين فكان زوجَ ابنتيه رقيةَ وأمِّ كُلثومَ -رضي الله عنهما-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحي منه، ويقول: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (رواه مسلم)، عثمان الكريم السخي، كان سباقا في مرضاة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وليس بها ماءٌ يُستعذبُ غيرُ بئرِ رُومة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بئر رومة فيجعلَ دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمانُ - رضي الله عنه - من ماله وبذلها للمسلمين، وحينما ضاق المسجد النبوي بالمصلين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يشترى بقعةَ آلِ فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - وزادها في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما زال المسلمون يصلون في تلك البقعة التي زادها عثمان - رضي الله عنه - في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم .

     وحين جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشَ العسرة جاء عثمانُ - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفِ دينارٍ في ثوبه، فصبها في حَجْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها في حَجْرِهِ، ويقول: «ما ضر عثمانَ ما عمل بعد اليوم، ما ضر عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليوم» (رواه الترمذي).

عنه أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب- رضي الله عنه 

     وأما أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فهو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهرُه، وحاملُ راية النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ خيبر، الذي فتح الله على يديه، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بحبه لله ورسوله، وأنه يحبه اللهُ ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -، فقال في غزوة خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب اللهَ ورسولَه، ويحبه اللهُ ورسولُه» (متفق عليه)، فرضي الله عنه وعن جميع صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأولئك هم أئمة المهاجرين، أما الأنصار فقد تبوؤوا الدار والإيمان، ويحبون إخوانهم المهاجرين، كما شهد الله لهم في سورة الحشر. وشهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجعل محبتهم من آيات الإيمان، فقال: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يُبْغِضُهُم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (متفق عليه).

ولبقية صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالهم ونسائهم، من آل بيته وغيرِهم، فضائلُ كثيرةٌ وعظيمة، وَكُلًّا وعد اللهُ الحسنى.

     وبشر الله -عز وجل- رسولَه - صلى الله عليه وسلم- بتوبته عليهم، ورضاه عنه وعنهم، فقال -تعالى-: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة 117).

فتمت بشارةُ الله ِلنبيه - صلى الله عليه وسلم- بتوبته عليه وعلى أصحابِه جميعِهم، وَقُرَّتْ عَيْنُهُ بِرِضَاهُ عنهم جميعِهِمْ في آخرِ حياته الشريفة - صلى الله عليه وسلم -، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

     ونسأل الله -تعالى- أن يرزقنا حبهم، وأن يحشرنا في زمرتهم {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء 69). فإن المرء مع من أحب. جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، كيف تقولُ في رجل أحب قوما ولم يلحقْ بهم؟ فبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «المرء مع من أحب» (متفق عليه).

فاللهم إنا نشهدك أنا نحب رسولَك - صلى الله عليه وسلم -، ونحب صحابتَه وآلَ بيته، فاجعلنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر 10).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك