رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 17 أغسطس، 2022 0 تعليق

فضائل المسجد الأقصى وواجب المسلمين نحوه

 

المسجد الأقصى في ديننا وعقيدتنا جزء لا يتجزأ من مقدساتنا بل هو أهم مقدساتنا بعد الحرمين الشريفين

واجب المسلمين اليوم أن يجتمعوا على هذه القضية مهما كانت الخلافات بينهم ومهما كانت النزاعات

علينا أن نحافظ على هوية المسجد الأقصى قدر ما نستطيع وأن نبقي قضيته حاضرة في قلوب المسلمين

إن أخطر ما يتهدد الأقصى اليوم هو نسيان المسلمين له فتنشأ أجيال وقد نسيت قضيته ورضيت بالأمر الواقع

 

من الأماكن التي فضلها الله -تبارك وتعالى- وشرفها واختصها عن بقية الأماكن: بقعة فيها من الخير والبركة، وكانت مهبطا للرسالات، وموطنا للنبوات، ومنزلا لوحي الله -تبارك وتعالى-، ارتبطت هذه البقعة ببداية الخليقة، وفيها تكون أحداث النهاية، إنها «أرض الشام»، وعلى وجه الخصوص منها أرض فلسطين، وعلى وجه الخصوص منها: «الأرض المقدسة» التي احتضنت فيها بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يئن اليوم، من احتلال اليهود الغاصبين.

     لهذه الأرض الطيبة مكانة خاصة في ديننا وعقيدتنا فهي بقعة ارتبطت بديننا، وارتبطت بعقيدتنا ارتباطا وثيقا، كيف لا؟ وفيها المسجد الأقصى، وما أدراك ما المسجد الأقصى.

ثاني مسجد بني على وجه الأرض

     إنه ثاني مسجد بني على وجه الأرض، هو ثاني مسجد وجد في تاريخ البشرية كلها، يسأل أبو ذر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول له: «أي مسجد وضع في الأرض أولا؟» فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «المسجد الحرام» فيقول: ثم أي؟ قال: «ثم المسجد الأقصى» قال: كم كان بينهما؟ قال: «بينهما أربعون سنة».

 

بناه آدم -عليه السلام

     كما رجح كثير من العلماء أنّ آدم -عليه السلام-، هو الذي بنى المسجد الحرام، وهو الذي بنى المسجد الأقصى، ثم جاء بعده إبراهيم فرفع البيت الحرام، وقد كانت أسسه موجودة من عهد آدم، ولهذا ربنا -تبارك وتعالى- يقول: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127)، فالأسس كانت موجودة، وإنما جاء إبراهيم فرفعها وجدد بناءها.

جدد بناءه سليمان -عليه السلام

     ثم جاء سليمان بن داود -عليه وعلى أبيه السلام- فجدد بناء الأقصى، ورفع بناء هذا المسجد الذي صلى فيه، وزاره كثير من أنبياء الله ورسله، ومن لم يتمكن منهم من زيارته تمنى أن يزوره، حتى أن موسى -عليه السلام- لما حضره الأجل، وعلم أنه لن يصل إلى المسجد الأقصى دعا الله -عز وجل-، وسأله أن يدنيه منه، حتى يكون منه بمقدار رمية حجر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فلو كنت ثم» أي لو كنت هناك: «لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» حب وشوق ولهفة لهذا المسجد المبارك.

أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إليه

     هذا المسجد الذي ارتبط بحدث عظيم جدًا في تاريخ أمة الإسلام ألا وهو إسراء النبي - صلى الله عليه وسلم -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1) هذه المعجزة الإلهية والآية الربانية التي أكرم الله -سبحانه وتعالى- بها محمدا - صلى الله عليه وسلم .

أولى القبلتين

     المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، فأول ما فرضت الصلاة على المسلمين كانوا يصلون إلى المسجد الأقصى، يقول البراء بن عازب - رضي الله عنه -: «مكثت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، نصلي إلى المسجد الأقصى، ثم صرفنا إلى القبلة» (أي إلى بيت الله الحرام) وهذا الحديث في الصحيحين.

تشد إليه الرحال

     قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال» (أي لا يسافر أحد إلى مسجد ليصلي فيه تعبدا وتقربا) «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا» (يعني المسجد النبوي) «والمسجد الحرام والمسجد الأقصى»، هذه هي الثلاثة المساجد التي تشد الرحال إليها وأما ما عداها فلا يشد رحل إليه، فهو ثالث مساجد الأرض، فضلا ومنزلة ومكانة وشرفا عند الله -سبحانه وتعالى.

 

الصلاة فيه مضاعفة

     سأل أحد الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في المسجد الأقصى، والصلاة في المسجد النبوي: أيتهما أفضل؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقَيْدُ سَوْطٍ أَوْ قَالَ: قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه» يدل على أن الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة؛ لأن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة.

رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سكناه

     كذلك رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سكن تلك البلاد الطيبة؛ عندما أتي حذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرانه في المنزل: أين يذهبان؟ وأين يسكنان ويذهبان؟ فأومأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام، فسأله مرة أخرى، فأومأ إلى الشام، فسأله المرة الثالثة فأومأ إلى الشام، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالشام؛ فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه، وإن الله تكفل لي بالشام وأهله»، ولهذا نجد في سير الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- وفي سير التابعين والعلماء والأئمة أن كثيرا منهم قد ذهبوا إلى بلاد الشام، وعلى الخصوص إلى بيت المقدس سكنوه، ونزلوا فيه، وعاشوا في أكنافه، وماتوا في تلك البلاد الطيبة المباركة، التماسا للخير والبركة التي فيها، وامتثالا لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم .

مسرح لأحداث عظيمة

     بالنسبة لنا -معاشر المسلمين- أهم أحداث آخر الزمان ستكون في بيت المقدس، عندما يخرج الدجال، ويفتن الناس بشبهاته وتلبيسه، ويكثر أتباعه وجنوده، يتوجه إلى بيت المقدس، وإن كان لن يتمكن من دخول المسجد الأقصى، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال عن الدجال: «إنه يلبث فيكم أربعين صباحا، يذهب إلى كل مكان إلا أربعة أماكن أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد الطور، والمسجد الأقصى، لا يتمكن من دخوله يتوجه إليه فينزل عيسى -عليه السلام- ينزله الله -تبارك وتعالى- ويهبطه إلى الأرض عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيتوجه للقاء الدجال، ويأتي للمسلمين وهم يتهيئون لصلاة الفجر، فيصلي معهم -عليه السلام- ويؤم المسلمين إمامهم ولا يؤمهم عيسى -عليه السلام-، فبعد أن ينتهوا من صلاتهم يأمر بفتح الأبواب، فتفتح الأبواب، فإذا بالدجال ومعه سبعون ألفا من اليهود، جاؤوا لملاقاة المسلمين، فلا يرى الدجال عيسى -عليه السلام- إلا ويزوغ كما يزوغ الملح في الماء، ويفر من عيسى، فيدركه عيسى -عليه السلام- ويقتله، وعند ذلك يتفرق اليهود ويفرون هاربين، ويختبئون وراء الحجر والشجر، فينطق الله -سبحانه وتعالى- الحجر والشجر، وينادي كل منهم: «يا عبدالله يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود».

الخلافة في آخر الزمان

     بل أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الخلافة في آخر الزمان ستكون في تلك الأرض الطيبة المباركة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي حوالة الأسدي -وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأس أبي حوالة- قال: «يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت بالأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك»، وكانت يده على رأس ابن حوالة.

جزء لا يتجزأ من مقدساتنا

     هذا هو المسجد الأقصى في ديننا وعقيدتنا جزء لا يتجزأ من مقدساتنا، بل هو أهم مقدساتنا بعد الحرمين الشريفين، ولأَن الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- أدركوا هذه الحقيقة فقد اهتموا واعتنوا بفتح بيت المقدس، عمر - رضي الله عنه - كان يسير إلى كل ناحية جيش من جيوش المسلمين حتى جاء إلى بيت المقدس فلم يكتف بجيش واحد، بل سير أربعة جيوش، عليه أربعة من أعظم قادة المسلمين: أبو عبيدة بن الجراح، وشراحبيل بن حسنة، وعمرو العاص، وخالد بن الوليد.

تسلم مفاتحه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه 

     ولم يكتف عمر - رضي الله عنه - بتسيير هذه الجيوش، بل ذهب بنفسه لأجل أن يتسلم مفاتيح بيت المقدس تحقيقا لوعد الله -تبارك وتعالى- بأنه سيورث الأرض لعباده الصالحين، قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128)، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105)، فأورث الله -تبارك وتعالى- تلك الأرض الطيبة المباركة أورثها لعباده الصالحين المؤمنين الذين قاموا بأمر الله، فمكنهم الله -عز وجل- في الأرض.

واجبنا نحو المسجد الأقصى

     إذا عرفنا أهمية المسجد الأقصى ومنزلته فإنه يلح على الأذهان سؤال مهم جدًّا: ما واجبنا نحو المسجد الأقصى؟ وما المطلوب من الأمة أن تفعله لأجل المسجد الأقصى؟

     والجواب: أن المطلوب أمر عظيم وشيء كثير، المطلوب من هذه الأمة كلها أن تقوم بتحرير هذا المسجد الأقصى، أن تسترده من أيدي اليهود، وأن تعيده إلى حاضرة الإسلام، كما فعل عمر - رضي الله عنه - حين استعاده من أيدي الروم، وكما فعل صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- حين استعاده من أيدي الصليبيين.

 

الاجتماع على هذه القضية

      إن من واجب المسلمين اليوم أن يجتمعوا على هذه القضية؛ فالله -تعالى- يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103)، ويقول -تعالى-: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46)، مهما كانت الخلافات بين الأمة، ومهما كانت النزاعات بين الدول الإسلامية، فإنه يجب عليها أن تتحد في هذه القضية، وأن تجتمع عليها، وأن تكون فيها على كلمة واحدة، وأن تكون فيها عصبة متمسكة لا تتنازل ولا تقبل في هذه القضية أنصاف الحلول، ولا تعترف بأي سلطة على المسجد الأقصى إلا سلطة الإسلام ولا تقبل بغير هذا أبداً.

على كل واحد منا واجب ومسؤولية

      إن على كل واحد منا واجبًا ومسئؤولية تجاه المسجد الأقصى، ومن أهم هذه الواجبات إحياء هذه القضية في النفوس، وإبقاؤها حاضرة في الأذهان؛ فإن الأقصى لا بد أن يعود، ولا يجوز لنا أن ننساهم في لحظة من اللحظات.

      لقد بقي الأقصى في أيدي الصليبين قرابة التسعين عامًا حتى حرَّره صلاح الدين الأيوبي، وما نسي المسلمون أبداً طيلة تلك السنوات قضية القدس وقضية مسجد الأقصى، فبقاؤها في أذهاننا حاضرة واجب من الواجبات مهما تردت أوضاعنا، ومهما ساءت أحوالنا، ومهما نزل بنا من البلاء، يجب علينا أن نبقى دائمًا متذكرين لتلك القضية العظمى.

أخطر ما يتهدد الأقصى اليوم

     إن أخطر ما يتهدد الأقصى اليوم هو نسيان المسلمين لقضيتهم وانشغالهم عنها؛ فتنشأ أجيال المسلمين، وقد نسيت هذه القضية ورضيت بالأمر الواقع واستسلمت لما هو موجود على الأرض؛ فيترك الأقصى لحاله يفعل به اليهود ما يشاؤون، فكم من بلاد المسلمين كانت محكومة بالإسلام وكانت الغلبة فيها للإسلام فجاء المحتلون فاحتلوها فنسيها المسلمون! ولا تزال تحت الاحتلال منذ عشرات بل مئات السنين، ألم تكن الأندلس يومًا من الأيام إسلامية، ألم تكن الهند يومًا من الأيام محكومة بالإسلام، أليست هذه تركستان الشرقية بلادًا إسلامية، كل قضايا هذه البلاد نسيت ورضي المسلمون بالأمر الواقع، وهذا أخطر ما يتهدد قضية المسجد الأقصى.

تربية أولادنا على حب القدس

     ومما يجب هنا، أن نربي أولادنا على حب القدس وعلى حب الأقصى وعلى التعلق به والتطلع إليه، وأن نربيهم على أمنية عظيمة أن يكتب الله -عز وجل- لهم صلاة في المسجد الأقصى، وأن نعلمهم ما الأقصى؟ وما القدس؟ أن نعرفهم بفضائلها ومكانتها ومنزلتها، وأن نغرس في قلوبهم أن هذا جزء عظيم مهم من أمتنا، بل هو قلب الأمة النابض، إن هذا المكان مكان مقدَّس عند الله -عز وجل- وعند الخلق، لعل منهم من يأتي فيجدد فعل صلاح الدين -رحمه الله.

المساهمة في نصرة الأقصى

     ومما يجب كذلك أن نساهم في نصرة الأقصى بأموالنا بقدر ما نستطيع؛ فإن الجهاد بالمال قدم في القرآن على الجهاد بالنفس، وفي كثير من أغلب المواضع {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} (الأنفال: 72)؛ لأن الجهاد بالمال مقدور عليه عند معظم الناس باختلاف الجهاد بالنفس؛ فنصرة الأقصى بالمال كل واحد بحسب استطاعته، وكل واحد بحسب قدرته واجب على كل مسلم.

الدعاء هو السلاح النافذ

     كذلك الدعاء وهو السلاح النافذ والسهام التي لا تخطئ، وربنا -تبارك وتعالى- يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: 60)، فلعل دعوة صالحة صادقة تخرج من قلب مؤمن موقن يرفع الله -عز وجل- بها عن الأمة البلاء، وتكون سببًا في كشف الغمة عن تلك البلاد المقدسة.

 

الوصول إلى الغاية العظمى

     علينا أن نتخذ كل وسيلة وسبب علمي وعملي من أجل الوصول إلى هذه الغاية العظمي، وهي تحرير المسجد الأقصى؛ فواجبنا أن نحافظ على هويته الإسلامية قدر ما نستطيع بكل وسيلة ممكنة، وأن نبقي قضيته حاضرة في قلوب المسلمين جميعًا، وإنا موعودون -بإذن الله- بالنصر والتمكين، ولكن النصر هذا لا بد له من أسباب؛ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).

 

 

الاعتداء على المقدسات جريمة مخالفة للشرائع السماوية والأعراف الدولية

الخارجية الكويتية: اقتحام المسجد الأقصى يعد انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي ولاتفاقيات جنيف ومدعاة لإذكاء روح العنف والتوتر وتهديدا للأمن والسلم الدوليين

اقتحام المسجد الأقصى يعد انتهاكًا صارخًا لحرية العبادة وحق ممارسة الشعائر الدينية التي كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية

إن وحدة الصف بين أبناء الشعب الفلسطيني بعد توفيق الله تعالى والتوكل عليه تعد الرافعة الحقيقية للصمود

بينت السنة النبوية عظمة بيوت الله -تعالى- وحرمتها وحرمة الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال، فما بالك إذا كانت هذه المساجد لها قدسية خاصة عند المسلمين وارتباطًا تاريخيا وعقائديا؟ فلا شك أنَّ التحريم أشد؛ لذلك فإن استمرار ممارسات سلطات الاحتلال اليهودية بانتهاك حرمة المقدسات الدينية في مدينة القدس، وفي سائر المناطق الفلسطينية المحتلة، والاعتداء على المصلين وقيامها بانتهاك حرية العبادة ومنع المصلين من الوصول الى الأماكن المقدسة وأداء الصلاة فيها، يشكل انتهاكًا صارخًا لحرية العبادة وحق ممارسة الشعائر الدينية التي كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية، ولا سيما الشرعية الدولية لحقوق الانسان.

     كما أن تلك الممارسات تتناقض مع المادة 53 من بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977، التي حظرت الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة التي تعد التراث الثقافي والروحي للشعوب، وقد عدت المادة (8) فقرة ب من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998م تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية من قبيل جرائم الحرب.

اقتحام باحات المسجد الأقصى

     وما حدث مؤخرًا من اقتحام مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة يوم الأحد 7 أغسطس 2022 تحت حراسة مشددة من شرطة الاحتلال، وذلك بعدما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي (يائير لبيد) السماح للمستوطنين -بمن فيهم أعضاء الكنيست- باقتحام المسجد الأقصى المبارك، وتلبية لنداء أطلقته جماعات استيطانية إلى تنظيم اقتحامات كثيفة للمسجد الأقصى بمناسبة ذكرى ما يسمى (خراب الهيكل)، تزامنا مع استمرار الهجوم على قطاع غزة الذي أوقع عشرات الشهداء والجرحى، ها حدث إلا حلقة من حلقات هذه الانتهاكات الإجرامية.

إدانة كويتية

     من جهتها أدانت الكويت بشدة اقتحام عشرات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، الخميس، مطالبة بتحرك دولي تجاه ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين، وأعربت وزارة الخارجية في بيان، عن «استنكارها الشديد لسماح سلطة الاحتلال الإسرائيلي للمتطرفين باقتحام المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال»، وحذرت، من «مغبة استمرار مثل هذه الانتهاكات الخطيرة»، وقالت الوزارة: إن ذلك «يشكل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي ولاتفاقيات جنيف، ومدعاة لإذكاء روح العنف والتوتر، وتهديدا للأمن والسلم الدوليين»، وطالبت مجلس الأمن الدولي «بتحمل مسؤولياته للجم تلك الانتهاكات وإلزام قوة الاحتلال بوقف اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني الشقيق وأرضه ومقدساته».

بيان مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

     أصدر (مركز بيت المقدس للدّراسات التوثيقية) بيانًا حول الاعتداء الصهيوني على قطاع غزة، واقتحام قطعان المغتصبين للمسجد الأقصى المبارك، جاء في البيان: الحمد لله ربّ العالمين، ناصر عباده المؤمنين، ووليّ المجاهدين، ومُعزّ المرابطين، ومُذلّ المعتدين الغاصبين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أمّا بعد:

     فإنّ مركز بيت المقدس للدّراسات التوثيقية، يتابع باهتمام كبير، وبمزيد من الحَنَق والتأثّر والأسى، الفصل الرّاهن من الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة الآثمة الظالمة على قطاع غزة المحاصر؛ إذ تقرع آذاننا مع كلّ ساعةٍ من ساعات هذا العدوان أخبار ارتقاء الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، مع انعدام موارد العيش، والتعطُّل الوشيك لقطاع الخدمات الصحيّة والانقطاع المستمر للكهرباء في مناطق القطاع كافة، وفي الوقت ذاته، قام المئات من قطعان المغتصبين وجنود الاحتلال الصهيوني، باقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك وتدنيسه، وممارستهم طقوسًا تلموديةً في ذكراهم المزعومة (خراب الهيكل المزعوم!)، واستكمال ما يدفعهم إليه تعاطيهم المريض مع تاريخهم المزوّر، وعقائدهم المختلَقة، من استفزاز المسلمين في مقدّساتهم وشعائرهم، وإننا في ظل هذه الاعتداءات والأحداث الخطيرة نؤكّد ما يلي:

-  إنّ حُرمة المسجد الأقصى المبارك وقداسته وخصوصيّته الدّينيّة عقيدة راسخةٌ في قلب كلّ مسلم، ومدينة القدس مدينةٌ إسلاميّة خالصة منذ الفتح العمريّ المبارك لها، هذه حقيقة لا تقبل الجَدَل ولا النقاش ولا التشريك ولا وجهات نظر مغايرة.

- ضرورة الوقوف مع أهلنا في غزةَ خصوصاً وفلسطينَ عموماً، والدّعاء لهم ومؤازرتهم والتخفيف من معاناتهم بجميع الإمكانيات المتاحة، لقول ربنا -سبحانه وتعالى-: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر}(الأنفال:72).

- إنّ وحدة الصّفّ بين أبناء الشعب الفلسطينيّ، ووحدة مواقفه، هو -بعد توفيق الله والتوكّل عليه- الرّافعة الحقيقيّة للصمود أمام هجمات العدوّ المجرم العاتية، وصمام الأمان الذي يجعل كلّ مُناصر لقضيّة فلسطين العربيّة الإسلاميّة يحتفظ بأمله بقُرب الخلاص.

- إنّ الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، هو اعتداءٌ على كلّ المسلمين فردًا فردًا، واستفزازٌ لمشاعرهم، ولم يتّعظ قادة الاحتلال الصّهيونيّ من خطورة ما يترتب على ذلك منذ عقود طويلة من الزمن.

-  إنّنا نؤكّد ما يؤكّد عليه كلُّ مسلمٍ، أنّ السلام المزعوم أكذوبة مفضوحة من هذا الكيان المحتل، وبخلاف ما تشهد به الوقائع والحقائق من دموية هذا الكيان الغاصب وهمجيته. قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 200).

 

 

رابطة العالم الإسلامي:  تصعيد خطير يمس حرمة المقدسات الإسلامية

     أدانت رابطة العالم الإسلامي اقتحام المستوطنين الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى المبارك، في انتهاك خطير للقرارات والقوانين الدولية ذات الصلة، ونددت الرابطة ومجالسها وهيئاتها ومجامعها العالمية، بهذا التصعيد الخطر الذي يمس حرمة المقدسات الإسلامية، محذرة من هذه الانتهاكات المتواصلة التي تهدد بالتصعيد والعنف المتبادل الذي سيدفع ثمنه الجميع، ويعود بجهود السلام للوراء، وأكدت الرابطة أهمية عمل الجميع على مساعي السلام العادل والشامل وإيقاف كل الممارسات التي تقوّض فرص السلام في المنطقة، وصولا إلى حل هذه القضية المصيرية التي تعد في طليعة القضايا الدولية الملحة والمؤلمة.

 

منظمة التعاون الإسلامي: الاعتداء على مكان عبادة خالص للمسلمين

     دانت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بشدة اقتحام مئات المستوطنين اليهود المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته، كما دانت تواصل العدوان العسكري اليهودي على قطاع غزة، وحمّلت المنظمة، إسرائيل، المسؤولية الكاملة عن التداعيات المحتملة لهذه الانتهاكات الخطيرة، وشددت المنظمة على أن المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونما هو مكان عبادة خالص للمسلمين، كما دعت المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن الدولي، إلى التحرك الفوري من أجل وضع حد لهذه الاعتداءات والانتهاكات المتكررة.

 

تاريخ الاعتداءات الصهيونية

- في 15 يونيو 1967، أقام الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي (شلومو غورن)، وخمسون من أتباعه، صلاة دينية في ساحة المسجد.

- في 14 أغسطس 1979، حاولت جماعة (غرشون سلمون) الاستيطانية اقتحام المسجد الأقصى، بعد أيام من طلبها من المحكمة العليا الإسرائيلية السماح بصلوات اليهود في المسجد، ولكنّ المصلين المسلمين أفشلوا الاقتحام.

- في 13 يناير 1981، اقتحم أفراد حركة (أمناء جبل الهيكل) المسجد الأقصى.

- في 11 أبريل 1982، اقتحم الجندي الإسرائيلي (هاري غودمان) المسجد، وأطلق النار على المصلين ما أدى إلى مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة العشرات.

- في 27 يوليو 1982، اعتُقل أحد نشطاء حركة (كاخ) المحظورة، بتهمة التخطيط لنسف مصلى قبة الصخرة.

- في 10 مارس 1983، اعتُقلت مجموعة من المستوطنين، لدى محاولتهم التسلل إلى المسجد ليلا.

- في 9 أغسطس 1989، سمحت الشرطة الإسرائيلية للمتطرفين بأداء الصلوات عند الأبواب الخارجية للمسجد الأقصى.

- في 8 أكتوبر 1990، قُتل 21 فلسطينيا، وأصيب المئات في مجزرة داخل المسجد الأقصى، في أثناء تصديهم للمستوطنين، الذين أعلنوا نيتهم وضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث داخل المسجد.

- شهدت السنوات ما بين 1990 إلى 1999 العديد من الاقتحامات من قبل متطرفين للمسجد.

- في 25 سبتمبر 1996، أعلنت الحكومة الإسرائيلية افتتاح نفق أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى، ما فجّر ما عُرف بـ(هبّة النفق)، في الأراضي الفلسطينية.

- في 28 سبتمبر 2000 اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (أرئيل شارون)، للمسجد؛ ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

- في أبريل 2003، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا أحادي الجانب بفتح المسجد الأقصى أمام اقتحامات المستوطنين رغم احتجاجات دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس ورفضها.

- في 2015 تصاعدت دعوات اليمين الإسرائيلي، للتقسيم الزماني والمكاني، للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.

- في ديسمبر 2016، سمحت الشرطة الإسرائيلية لمتطرفين باقتحام الأقصى، حفاة الأقدام وبلباس المتدينين.

- في خطوة غير مسبوقة، أغلقت الشرطة الإسرائيلية يومي 14 و15 يوليو/ تموز 2017 أبواب المسجد الأقصى إغلاقا كاملا.

- في أكتوبر 2021، سمحت محكمة الصلح الإسرائيلية بما سمتها (الصلاة الصامتة) في المسجد.

- وفي 22 مايو 2022، أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية بالقدس، حكما أوليا بالسماح للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بـ»صوت عالٍ» والقيام بما يشبه الركوع أثناء اقتحامهم لباحات المسجد.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك