رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: خالد السبت 1 نوفمبر، 2022 0 تعليق

فساد الدين بالحرص على المال والشرف في الدنيا

 

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ، بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»، هذا مثل عظيم جدًّا ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - لفساد دين المؤمن بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس دون فساد الغنم بذئبين ضاريين باتا في الغنم قد غاب عنها رعاتها ليلًا، فهما يأكلان الغنم ويفترسانها، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه قليل، فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا.

الحرص على المال نوعان

النوع الأول: شدة محبة المال

      شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة، والمبالغة في طلبه، والجد في تحصيله واكتسابه من وجوهه مع الجهد والمشقة، فالحريص يضيع زمانه الشريف، ويخاطر بنفسه في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره، ويبقى حسابه عليه، فيجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يعذره، قال الشاعر:

وَمَنْ يُنْفِقِ الأَيَّامَ فِي جَمْعِ مَالِهِ

                                                                   مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الفَقْرُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ الفَقْرَ فَقْراً مِنَ الغِنَى

                                                                          وَلَكِنَّ فَقْرَ الدِّينِ مِنْ أَعْظَمِ الفَقْرِ

النوع الثاني: طلب المال من الوجوه المحرمة

      أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول، حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة، ويمنع الحقوق الواجبة، فهذا من الشح المذموم، قال -تعالى-: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (الحشر:9).

       وفي سنن أبي داود من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ! فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا».

      قال طائفة من العلماء: الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على أن يأخذ الأشياء من غير حلها، ويمنعها حقوقها، وحقيقته أن تتشوف النفس إلى ما حرم الله، ومنع منه، وألا يقنع الإنسان بما أحل الله له من مال، أو فرج، أو غيرهما.

حرص المرء على الشرف

       وأما حرص المرء على الشرف، فهو أشد هلاكًا من الحرص على المال؛ فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها، والرياسة على الناس، والعلو في الأرض، أضر على العبد من طلب المال وضرره أعظم، والزهد فيه أصعب؛ فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف، وهو قسمان:

الأول: طلب الشرف بالولاية والسلطان

       طلب الشرف بالولاية، والسلطان، والمال، وهذا خطر جدًّا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها، وكرامتها، وعزها، قال -تعالى-: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} (القصص:83). وقل من حرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات أن يوفق، بل يوكل إلى نفسه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبدالرحمن بن سمرة: «لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا».

       والحرص على الشرف بطلب الولايات يستلزم ضررًا عظيمًا قبل وقوعه في السعي في أسبابه، وبعد وقوعه بالخطر العظيم الذي يقع فيه صاحب الولاية من الظلم والتكبر، وغير ذلك من المفاسد، ومن هذا الباب أيضًا أن ذا الشرف والولاية يحب أن يُحمد على أفعاله ويُثنى عليها، ويطلب من الناس ذلك ويتسبب في أذى من لا يجيبه إليه، وربما أظهر أمرًا حسنًا في الظاهر وأحب المدح عليه، وقصد به في الباطن شرًّا.

الثاني: طلب الشرف والعلو على الناس

      طلب الشرف والعلو على الناس بالأمور الدينية كالعلم، والعمل، والزهد، فهذا أفحش من الأول وأقبح وأشد فسادًا وخطرًا؛ فإن العلم والعمل والزهد إنما يُطلب بها ما عند الله من الدرجات العلا والنعيم المقيم، والقرب منه، والزلفى لديه. قال الثوري: إنما فضل العلم لأنه يُتقى به الله، وإلا كان كسائر الأشياء.

طلب العلم للدنيا على نوعين

وطلب العلم للدنيا على نوعين: فإذا طلب بشيء من هذا عرض الدنيا الفاني، فهو أيضًا نوعان أحدهما:

الأول: أن يطلب به المال

       فهذا من نوع الحرص على المال وطلبه بالأسباب المحرمة. روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - يَعْنِي رِيحَهَا».

الثاني: طلب الرئاسة على الخلق والتعاظم عليهم

       من يطلب بالعمل، والعلم، والزهد، الرئاسة على الخلق والتعاظم عليهم، وأن ينقاد الخلق ويخضعوا له ويصرفوا وجوههم إليه، وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء، أو ليعلوا به عليهم ونحو ذلك، فهذا وعيده النار؛ لأن قصده التكبر على الخلق في نفسه محرم، فإذا استعمل فيه آلة الآخرة، كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان. روى الترمذي في سننه من حديث كعب بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ».

كراهة السلف للشهرة

      ومن هذا الباب كراهة أن يشعر الإنسان بالعلم، والزهد، والدين، أو بإظهار الأعمال والأقوال حتى يراد وتلتمس بركته ودعاؤه وتقبَّل يده، وهو محب لذلك ويقيم عليه ويفرح به ويسعى في أسبابه، ومن هنا كان السلف الصالح يكرهون الشهرة غاية الكراهة، منهم: أيوب، والنخعي، وسفيان وأحمد،.. وغيرهم، كان أويس وغيره من الزهاد إذا عُرفوا في مكان ارتحلوا عنه، وكان خالد بن معدان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة، وقال الإمام أحمد بن حنبل: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أُعرف؛ قد بليت بالشهرة، وكان كثير منهم يكره أن يُطلب منه الدعاء ويقول لمن يسأله الدعاء: أي شيء أنا؟ وكتب رجل إلى أحمد يسأله الدعاء، فقال أحمد: إذا دعونا نحن لهذا، فمن يدعو لنا».

      وأما تسابق بعض الناس وتنافسهم على الظهور الإعلامي سواء كان في القنوات، أم شبكات التواصل، أم غيرها من الوسائل وحب التكاثر في أعداد المتابعين والحرص على ذلك، فإنه يخشى على صاحبه مما سبق ذكره عن السلف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك