رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 30 ديسمبر، 2018 0 تعليق

فتنة الغلو في الصالحين

 

     قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}(البقرة: 143)، والمعنى المراد في الآية هو الاعتدال في السلوك، والتوسط في الأمور كلها، أمرنا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن نستقيم على أمره الذي شرعه لنا؛ كما قال -جَلَّ جَلاَلُهُ- مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(هود: 112)؛ فالشرع دعانا الى الالتزام بما جاء في الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.

     والشرع وَحْيٌ مُنَزَّلٌ مِنَ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يجوز للمسلم أن يزيد فيه شيئًا أو يُنقص، بل إن عمله لا يقبل عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسوله[؛ لذا فإن كثرةَ التَّعَبُّدِ وكثرةَ التَّنَسُّكِ لا تُغنِي عن المرء شيئًا إذا لم يَكُن تَنَسُّكُهُ وتَعَبُّدُه وفقًا لِما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولذا فإن النَّصَارى حينما ابتدعوا رهبانية جعلوها على أنفسهم ما كتبها الله عليهم، لم يقبل الله -جَلَّ وَعَلاَ- منهم.

     ولا يظنن أحد أن الغلو زيادة في التقوى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنكر على من عزم على الغلو في الصيام، أو القيام، أو الانقطاع عن الشهوة، وأفهمهم أن التوسط هو الأفضل، «أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني».(البخاري ومسلم).ومن أعظم الأمور التي نهانا الشرع عن الغلو فيها هي الغلو في الصالحين، حتى ولو كانوا أنبياء ورسلا، حفاظًا على جناب التوحيد، وقد سدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الباب وهو حي بين أظهر الصحابة فقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم»؛ فإطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى عنه هو الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم ، وذلك بأن يُمدح بما هو من خصائص الله، كأن يرفع إلى مقام الألوهية، أو يعطى بعض صفات الله، كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ فنهاها صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن علم الغيب من خصائص الله وصفاته، وقد أمر الله رسوله أن يقول: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ }(لأعراف: 188).

     قال الشيخ  صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-: فأهل الجاهلية غلوا في الأشخاص حتى رفعوهم عن قدرهم، إلى أن جعلوهم أربابًا مع الله، كما غلا اليهود في عزير وقالوا: هو ابن الله، وكما غلت النصارى في عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- فرفعوه من مرتبة البشرية والرسالة إلى مقام الألوهية، وقالوا: هو الله، وهو ابن الله، وكذلك قوم نوح لما غلوا في الصالحين، وصوروا صورهم وتماثيلهم، رفعوهم إلى مرتبة الألوهية، ثم عبدوهم من دون الله.

     وكذلك غيرهم من طوائف المشركين إلى اليوم، يغالون في الصالحين، ويطوفون بقبورهم، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويستغيثون بالموتى ويستنجدون بهم، يطلبون منهم قضاء الحوائج .والواجب: أن يُعرف للأشخاص قدرهم اللائق بهم؛ فيعرف للرسل رسالاتهم، ويعرف للصالحين صلاحهم، ويعرف للعلماء علمهم، وأنهم أفضل من غيرهم؛ ففضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب؛ فيُنزلون كلاًّ منزله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك