رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 مارس، 2018 0 تعليق

فتاوى في طلب العلم- اللقاء المفتوح مع سماحة الشيخ الدكتور صالـح الفوازن بمسجد قباء (2)- طلب العلم شاق يحتاج إلى عزم وصبر

 

ألقى سماحة الشيخ العلامة د. صالح الفوزان -عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء- محاضرة ليلة الثلاثاء الثاني عشر من شهر جمادى الأولى للعام 1439 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (الموافق:30/1/2018)، في مسجد قباء، في وقت أحوج ما يكون الناس فيه للعلم الشرعي المؤصل؛ حيث لا يخفى ما للعلم من فضل العلم تعلما وتعليما؛ فالله يقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، ويقول -سبحانه-: {وما يعقلها إلا العالمون}، ويقول -سبحانه-: {آيات للعالمين}، ويقول -سبحانه-: {وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير}، وغيرها من الآيات الكريمة؛ أما في السنة نجد قول النبي صلى الله عليه وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء، الأنبياء لم يورثو دينارًا ولا درهمًا؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

- ما أفضل شروحات كتاب التوحيد بالنسبة للمبتدئ؟

- أفضل شرح لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- فتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن، (فتح المجيد) هو تهذيب لكتاب التوحيد الذي أسماه، الأصل أن الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، هو الذي شرح كتاب التوحيد تيسير العزيز الحميد، ولكنه لم يكمله؛ حيث قتل -رحمه الله- فلم يكمله؛ فجاء الشيخ عبدالرحمن بن حسن فأخذه وهذبه وكمله بكتاب فتح المجيد، وهو أفضل شرح لكتاب التوحيد.

- ما أفضل متن يحفظ في الفقه الحنبلي؟

- متن (زاد المستقنع في اختصار المقنع) هذا أفضل متن يحفظ، وبعده متن (فقه الدليل في شرح التسهيل)، لكنه أقل منه؛ فمسائل متن الدليل أقل مسائل من متن الزاد؛ فمتن الزاد مشحون بالمسائل والفقه.

- ما الكتب التي تنصحون بها طالب العلم المبتدئ؟

- قلنا لكم إن كان السائل في الدراسة النظامية يقرأ المقررات المقررة عليه، وإن كان في غير الدراسة النظامية، فإنه يسأل العلماء الذين يجلس إليهم ويقرأ عليهم؛ فيختارون له الكتب التي تناسبه.

- كيف أحقق التدرج في الطلب مع وجود دروس شتى، وفي فنون متنوعة أأكتفي بفن واحد؟

- بأن تنضم إلى كلية أو معهد علمي، وتقرأ المقررات التي فيه من كتب العلم وتحصل على خير كثير إن شاء الله.

- هل الأفضل لي البقاء في المدينة النبوية لتحصيل الرزق والعلم، أو الذهاب إلى بلدي بنية الدعوة إلى الله؟

- أن تبقى لتتعلم أولا، وتكمل تعليمك، فإذا تحصلت على علم تثق به؛ فإنك تذهب إلى بلادك، تدعوهم إلى الله وإصلاح العقيدة، و(تبين لهم التوحيد، تنهاهم عن الشركيات وعن البدع والمحدثات عملا بقوله -تعالى-: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}، يعني لطلب العلم: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}، تعلموا أولا في هذه البلاد وفي غيرها من بلاد المسلمين: التوحيد، والعقيدة، وأركان الإسلام الخمسة، وما زاد عن ذلك من العلم حسب ما يوفقكم الله له، وتعملون به في أنفسكم ثم تذهبون به إلى بلادكم، دعاة إلى الله معلمين ومفقهين، فتحصلون على هذا الأجر العظيم: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، هذا أحسن القول.. (دعا إلى الله).

- ما أفضل شرح للعقيدة الواسطية؟

- شروح العقيدة الواسطية كثيرة، وكلها جيدة، ولا أفضل بعضها على بعض، اقرأ ما تستفيد منه من هذه الشروح.

- هل من كلمة توجيهية لأصحاب الفضيلة الخطباء؟

     الخطباء لا شك أن عليهم مسؤولية؛ لأنهم يوجهون الناس في الخطب، ويقفون أمامهم في كل جمعة؛ فعليهم أن يعدوا الخطبة إعدادا جيدا حسب الحاجة، حاجة البلد، فلا تخطب في الناس لتذكر لهم أحوال العالم، وأحوال الدنيا، أو تذكرهم بكل شيء، ثم يخرجون دون فائدة، عليك أن تركز على واقعهم، وما يحتاجون إليه، وما هم واقعون فيه من الخطأ؛ لأن الخطبة شرعت من أجل هذا.

- هل من كلمة توجهونها إلى طلاب العلم حول ما يحصل بينهم من تراشق وتهاجر وتقاطع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها؟ وماحكم استغلال المساجد في هذا الغرض؟

- ليست هذه صفة طلبة العلم، فطلبة العلم يتواصلون فيما بينهم، ويتعاونون على البر والتقوى، ويتحابون في الله وإلا ما فائدة العلم إذا كانوا يتعادون ويتقاطعون ويحصل بينهم شقاق؟ أين يذهب عوام الناس إذا رأوا طلبة العلم هكذا؟ الواجب على طلبة العلم أن يكونوا قدوة صالحة، وأن يعملوا بعلمهم، وأن يتواصلوا فيما بينهم، ويتعاونوا على الدعوة إلى الله وعلى البر والتقوى، وأن يجعلوا بينهم اجتماعات يتشاورون فيها ويديرون فيها المشكلات التي تحصل، ويلتمسون لها الحلول، هذا واجب طلبة العلم.

- ما نصيحة سماحتكم لطلاب الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية؟

- هؤلاء مشايخ وطلبة علم نريد النصيحة منهم.

- ما الأسباب التي تعين على طلب العلم ومواجهته للفتن؟

- العزيمة الصادقة، والصبر، فعلى طالب العلم أن يعزم ويصبر؛ لأن طلب العلم شاق، يحتاج إلى صبر؛ فيصبر حتى يرزقه الله العلم.

- هل طلب العلم أفضل من قراءة القرآن؟

- لا يتعارضان! اطلب العلم، واقرأ القرآن، والقرآن هو أساس العلم، وقراءته من طلب العلم.

- ماذا يفعل طالب العلم بعد حفظ القرآن؟ هل يتجه لحفظ المتون التفصيلية أو لحفظ الصحيحين؟

- ليس طلب العلم بالحفظ، إنما طلب العلم بالجلوس إلى العلماء، إما بالدراسة  النظامية في الفصول، وإما في المسجد في مجالس العلماء، أما الحفظ دون أن ترتبط بالعلماء؛ فهذا ليس طلبا للعلم، ولو حفظت المتون كلها! ليس هذا هو طلب العلم، فالعلم يُتلقى عن العلماء، ولا يُتلقى عن الكتب.

- هل من كلمة توجيهية في فضل الدعوة الى الله؟

- قال الله -جل وعلا-: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله} إلى الله: انتبهوا إلى الله يعني يكون مخلصا في دعوته لا يقصد رياء ولا سمعة، ولا يقصد طمعا دنيويا، وإنما يدعو إلى الله -عز وجل- طلبا لطاعته ومرضاته.

- بماذا تنصحوني بعد أن انتهيت من الدراسة وسأسافر إلى بلدي؟

- أن تدعو إلى الله هناك، وترشد من أمامك من أهل بلدك، تعلمهم العقيدة، وتعلمهم العلم وتدعوهم إلى الله.

- هل من وصية لكثرة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي والانشغال بها؟

- لا تشغل نفسك بالمواقع الاجتماعية؛ فهي تشغلك عن عملك، وعن دراستك، وعما ينفعك. اتركها؛ فإنها مشغلة ولا فائدة فيها، بل فيها مضرة.

 

الفوزان: العلم قبل القول و العمل

      ينبغي للعبد أن يتعلم قبل أن يعمل، قال -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}(محمد: 19)، قال الإمام البخاري -رحمه الله-: باب العلم قبل القول والعمل، وذكر الآية. وبدأ الله بالعلم قبل القول والعمل؛ لأن العلم هو الأساس الذي يبنى عليه القول والعمل؛ فعمل دون علم ضلال، كما أن العلم دون عمل ضلال أيضا، والعالم الذي لا يعمل بعلمه مذموم عند الله -تعالى- ولهذا قال -سبحانه وتعالى- معلما عباده في آخر سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}( الفاتحة: 7). فالمنعم عليهم هم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، والمغضوب عليهم هم الذين أخذوا العلم وتركوا العمل، والضالون هم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم.

     فأنت تسأل الله في كل ركعة حينما تقرأ هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة أن يهديك طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم، وهم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وطريق الضالين وهم الذين يعملون دون علم. ولهذا بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالعلم النافع والعمل الصالح، وهما قرينان لا يفترقان، العلم والعمل. ولهذا حث الله -سبحانه وتعالى- عباده على طلب العلم والتفقه في الدين، قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(التوبة: 122) (فلولا نفر) هذا حث من الله -سبحانه وتعالى- لعباده، بأن تنفر طائفة لطلب العلم والتفقه في دين الله، يطلبون العلم في أي مكان يسافرون إليه في مكانه أينما وجدوه؛ فيتفقهون في دين الله؛ فيحصلون على بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: «من يُرد اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين». فهؤلاء مَنَّ اللهُ عليهم بهذه الميزة؛ لأنهم اجتهدوا في طلب العلم وتفقهوا في دين الله، ورجعوا إلى بلادهم وأهليهم ينذرونهم ويعلمونهم هذا العلم الذي تحملوه، فكانوا دعاة إلى الله على بصيرة، عاملين بعلمهم وداعين إليه. هذه طريقة أهل النجاة وأهل الفلاح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة»، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع؛

     فالذي يسعى في طلب العلم ويسلك طريقه؛ فإنه يسهل الله طريقه إلى الجنة، وكفى بهذا فخرًا وعِزًا في الدنيا والآخرة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». والعلم لا يحصل عفوًا بدون طلب، بل لابد من طلبه، ولا يحصل عفوًا للإنسان أو إلهامًا أو تلقائيًا كما يقول أهل التصوف، وإنما بالسعي في تحصيله والصبر على تلقيه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك