رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ناصر نعمه العنيزان 16 يونيو، 2015 0 تعليق

فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة

يذكر المؤلف دوافعه من جمع الكتاب وتدوينه فيقول: «لما رأيت حاجة الناس إلى فتاوى علماء الأمة في الأمور النازلة المدلهمة التي بها النجاة من الفتن وسلامة الدين والعرض والبدن في أوقات ينسى فيها العلم، ويندر الحلم، ويقل الاتباع، ويكر الابتداع، وتنشق الألفة، وتحل الفرقة، وينزل فيها البلاء، وتراق فيها الدماء، فيها... يتبرأ من أهل الولاء، ويتولى أهل البراء ولا مخرج من الفتن إلا بالاعتصام بالسنة والأثر ومراجعة التاريخ والسير والعلم بأن هلاك أمة محمد هو بالبعد عن الهدى النبوي وورثته والتنكب عن العلم وحملته.

وتناول الكتاب تسعا من النوازل المدلهة في هذا الزمن، وبين فتاوى العلماء فيها وفق الآتي:

حكم التفجيرات

     قدم المؤلف بين يدي الفتاوى بقوله: إن الله -عز وجل- حفظ للناس أبدانهم وأرواحهم وأموالهم وأعراضهم بما شرع لهم من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة: 33)، وبين من خلال الفتاوى المتواترة للعلماء: أن هذه التفجيرات عمل إجرامي بإجماع المسلمين؛ لما فيها من هتك لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة، وهتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمة الأمن والاستقرار.

ثم وجه الأنظار إلى أنواع الخيانات المستترة وراء هذا الفعل الشنيع من غدر وخيانة وبغي وعدوان وإثم وترويع للمسلمين وغيرهم؛ وهذه قبائح يأباها الله ورسوله والمؤمنون.

     وبين بعد ذلك أيضا من خلال فتاوى العلماء أن الإسلام بريء من هذا العمل وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه؛ وهذا العمل إنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة؛ فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحسب على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة والمتمسكين بحبل الله المتين. ومن خلال ما صدر من العلماء في هذا الموضوع من فتاوى نرى توجيه العلماء للمسلم وكيف ينبغي أن يكون فقال: إن الإنسان المسلم، العارف مقاصد الشرع، العالم بما تنطوي عليه الشريعة الإسلامية من الشفقة والرحمة لعباد الله يرى أن هذه الأعمال من أخبث الأعمال وأشدها ضررا على بني الإنسان.

فيجب على الجميع التعاون في القضاء على هذا الأمر الخطير؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به.

حكم الخروج على ولاة أمر المسلمين:

     يتضح لنا الحكم الشرعي في هذه المسألة من فتاوى العلماء المبنية على الدليل الشرعي بأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء: 59)  فالآية نص صريح في وجوب طاعة أولي الأمر .

وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال دعانا رسول الله[ أن يبايعنا على السمع والطاعة في مكرهنا ومنشطنا وعسرنا وألا ننازع الأمر أهله, قال: إلا أن تروا كفراً, عندكم فيه من الله برهان.

ويبين المؤلف بوضوح مذهب أهل السنة بأنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم؛ لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة.

وأما ما يقع من ولاة الأمر من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس.

     ثم ما غفل المؤلف عن إظهار الوجه السيئ والجانب المظلم والخراب والدمار والفساد والاستعباد الذي يتخفى وراء الشعارات التي ترفعها الخوارج ومن ينحو نحوهم من الذين يرون الخروج على ولاة الأمر فنقل كلاما ملخصه: الخروج على ولاة الأمر يسبب فساداً كثيراً، وشراً عظيماً، فيختل به الأمن وتضيع به الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم ولانصر المظلوم، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم القدرة، أما إذا لم يكن عندهم القدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر؛ فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة. 

     حكم المظاهرات: يقول الشيخ ابن باز  -رحمه الله-: لا أرى المظاهرات... من العلاج، لكن أنا أرى أنها من أسباب الفتن والشرور، ومن أسباب بغض الناس، والتعدي على بعض الناس بغير حق... لكن الأسباب الشرعية: المكاتبة، والنصيحة، والدعوة إلى الخير بالطرائق الشرعية التي شرحها أهل العلم وشرحها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه بإحسان.

حكم الاغتيالات:

سئل الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: عن داعية ألف كتابا يدعي فيه بأن الاغتيالات من السنن المهجورة!! ويحتج بقصة قتل كعب بن الأشرف... فما رأي فضيلتكم في ذلك؟

     فقال: الجواب: ليس في قصة قتل كعب بن الأشرف دليل على جواز الاغتيالات، فإن قتل كعب بن الأشرف كان بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو ولي الأمر، وكعب من رعيته بموجب العهد، وقد حصلت منه خيانة للعهد؛ اقتضت جواز قتله كفاً لشره عن المسلمين ، ولم يكن قتله بتصرف من آحاد الناس؛ أو بتصرف من جماعة منهم من دون ولي الأمر؛ كما هو حال الاغتيالات المعروفة اليوم في الساحة، فإن هذه فوضى لا يقرها الإسلام؛ لما يترتب عليها من المضار العظيمة في حق الإسلام والمسلمين.

     حكم اختطاف الطائرات : وهنا يكتفي المؤلف بنقل كلام نفيس وفصل للعلامة ابن باز -رحمة الله عليه-: «إن اختطاف الطائرات... من الجرائم العظيمة العالمية التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة والأضرار العظيمة ما لا يحصيه إلا الله»، ثم يبين من خلال بقية الفتاوى إن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة و طائفة دون طائفة، بل يعم العالم كله، ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة فإن الواجب على الحكومات والمسؤلين من العلماء وغيرهم ... أن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره والقضاء عليه.

حكم الإضرابات والاعتصامات :

     أجاب فضيلة الشيخ محمد بن الصالح العثيمين - رحمه الله - عندما سئل عن حكم الإضراب عن العمل فقال:  إن قضية الإضراب عن العمل سواء كان هذا العمل خاصاً أم بالمجال الحكومي لا أعلم له أصلا من الشريعة ينبني عليه, ولاشك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة حسب حجم هذا الإضراب شمولاً وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة .

حكم العمليات الانتحارية :

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو قاتل لنفسه ، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم، خالدا فيها مخلدا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء يعذب به في نار جهنم .

     وعجبا من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات، وهم يقرؤون قول الله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(النساء: 29)، ثم يفعلون ذلك، هل يحصدون شيئا؟ هل ينهزم العدو؟ أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود؛ حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكا بعنجهيتهم . ولكن من فعل هذا مجتهدا ظاناً أنه قربة إلى الله فنسأل الله -تعالى- ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل . وأما الاستدلال بقصة الغلام، فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام، لا نكاية في العدو، فحصل فيه إسلام أمة عظيمة، فلو حصل مثل هذه القصة لقلنا إن هناك مجالا للاستدلال.

حكم التكفير:

     بين المؤلف من خلال إيراد فتوى هيئة كبار العلماء التي نقلها أن التكفير حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله؛ فلا يجوز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة؛ فهو حكم شرعي لا يتم إلا بوجود الأسباب والشروط وانتفاء الموانع .  فقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر ولا يكفر من اتصف به ، وقد ينطق المسلم كلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر لعدم القصد.

     ويردف قائلا موضحا عواقب التسرع في التكفير: إن التسرع في التكفير له خطره العظيم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف: 33)،  وما نجم عن هذا الاعتقاد الخطأ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت فهذه الأعمال محرمة شرعاً.

ثم يبين مخاطره فيقول: التكفير خطير ولا يجوز لكل أحد أن يتفوه به في حق غيره إنما هو من صلاحيات الحاكم الشرعي ومن صلاحيات أهل العلم الراسخين في العلم الذين يعرفون نواقض الإسلام، ويعرفون الأحوال، ويدرسون واقع الناس والمجتمعات، فهم أهل الحكم بالتكفير وغيره.

أما الجاهل وأفراد الناس وأنصاف المتعلمين فهولاء ليس لهم حق إطلاق التكفير على الأشخاص أو على الجماعات أو على الدول؛ لأنهم غير مؤهلين لهذا الحكم .

 حكم الطعن في العلماء:

     لأهمية الموضوع العظيمة وما يقع فيه من التساهل كان المؤلف موفقا؛ حيث وضع ضمن هذه الفتاوى هذا الموضوع الذي بين فيه من خلال آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وكلام أهل العلم  أن الطعن في العلماء، واتهام أهل العلم بالمداهنة والتقصير، وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله، وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه من أخطر الأمور وأعظمها عند الله .

     ولم يدر هولاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وإثم مبين {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }(الأحزاب: 58).  أقلوا عليهم لا أبا لأبيكموا من اللوم  أو سدوا المكان الذي سدوا فإذا سمع المنصف هذه الآيات، والأحاديث، والآثار، وكلام المحققين من أهل العلم والبصائر، وعلم أنه موقوف بين يدي الله, ومسؤول عما يقول ويعمل، وقف عند حده, واكتفى به عن غيره.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك