فالله خيرٌ حافظًا
قال -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22)، وقال -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (التغابن: 11)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إن أصابته سراءُ شكرَ؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر؛ فكان خيرًا له».(رواه مسلم).
فصاحب الإيمان بالله قلبه مطمئن في كل أحواله؛ لأنه يعلم أنه ما يكون من شيء إلا بتقدير الله -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر 49)، ويعلم أن الله -تعالى- لا يقدر لعبده المؤمن إلا ما فيه خيرٌ له؛ فإنَّ أمرَ المؤمنِ كلَّهُ له خيرٌ.
فالمؤمن في خير دائما، سواءً كان في شدة أم رخاء، ولكنَّ ذلك -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ».
مواجهة البلاء
فالواجب علينا في مواجهة ما نراه من البلاء، أن نحسن الظن بالله -جل في علاه-، وأن نلتزم صفات المؤمنين، الذين يؤمنون بتدبير الله -تعالى- في هذا الكون، ومن ذلك ما نراه من إصابات بالمرض الذي يخشى العالَمُ انتشارَه ووصولَه إلى درجةِ الوباء -والعياذ بالله-، ونحن نحسن الظن بالله، ونتوكل على الله، ولا نقول إلا ما يرضي الله، ونبذل الأسباب التي أمرنا بها الله، ونلتزم بآداب دين الله -جل في علاه.
الأسباب المادية
فمن الأسباب المادية التي أباحها الله: إجراءات الطبِّ الوِقائي، والطبِّ العلاجي؛ فالطب الوِقائي هو ما يقي من الأمراض- بإذن الله تعالى-، كالتطعيمات، وإجراءات التعقيم والنظافة، والتزامِ التعليماتِ الصحيةِ، التي تقلل من فرص الإصابة بالأمراض -بإذن الله-، أما الطب العلاجي فهو الاستفادة من الأدوية والإجراءات الطبية، التي ثبتت فائدتُها في معالجة المصابين بالأمراض، فلا مانع من تعاطيها، ما دامت أنها مما أباحه الله -تعالى-، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا عبادَ اللهِ، تداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لم يضعْ داءً إلا وَضع له شفاءً؛ غيرَ داءٍ واحدٍ»، قالوا: وما هو يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الهَرَمُ». (رواه البخاري في الأدب المفرد)؛ فالهَرَمُ، والشيخوخة،ُ والاضمحلالُ، بسبب تقدمِ العمر، هي التي لم ينزل اللهُ لها دواء، وأما ما دونها من الأمراض والأدواء؛ فقد أنزل الله برحمته لها الدواء، علمه من علمه، وجهله من جهله.
بذلَ أسباب الوقاية
ولذلك فإن بذلَ أسباب الوقاية من الأمراض، وكذلك التداوي للاستشفاء منها، لا ينافي حقيقةَ التوكلِ على الله. قال الإمامُ ابنُ القيمِ -رحمه الله- عن بذل الأسباب الصحيحة: «فإنَّ تَرْكها عجزٌ ينافي التوكلَ، الذي حقيقتُه اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفعِ ما يضره في دينه ودنياه؛ ولابد مع هذا الاعتمادِ من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع؛ فلا يجعلُ العبدُ عجزَه توكلا، ولا توكلَه عجزا».(زاد المعاد 4 / 15).
التزامُ النظافة دائمًا
ومن أسباب الوقاية من هذا المرض -بإذن الله-: التزامُ النظافة دائما، ولاسيما غسلُ اليدين، ومنها كذلك تجنبُ الأماكنِ المزدحمة، ومنها كذلك التزام الآداب المعروفة عند الكحة أو العُطاس، وذلك بتغطية الفم بمنديل -لا بالكفين- أثناء ذلك، ومنها مراجعة الطبيب عند ظهور أعراض مرضية، كأعراض مرض الانفلونزا؛ لأن أعراضَهما متشابهة. ومن أسباب الوقاية من الأمراض عموما: إعطاءُ الجسدِ القدرَ الكافي من الراحة، لكي يقوم جهاز المناعة بدوره الطبيعي بمقاومة الأمراض -بإذن الله- يقول أحد الأطباء في مستشفى مايو كلينيك التعليمي الشهير: تبين من الدراسات أن الناس الذين ينامون نوما غيرَ مريح، أو لا يأخذون القدرَ الكافي من النوم، هم أكثر عُرضةً للإصابةِ بالمرض إذا تعرضوا للفيروس، كما أن قلة النوم قد تؤثر على سرعة التعافي من المرض؛ فابذلوا أسبابَ الوقاية من الأمراض، وتوكلوا عليه -سبحانه.
الأسباب الشرعية
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا على أسباب شرعية، تقينا من المصائب -بإذن الله-، من ذلك أن نقول كلَّ صباحٍ ومساءٍ ثلاثَ مرات: بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَن قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ، ثلاثَ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي». (رواه أبو داود).
قراءة الإخلاصِ والمعوِّذتين
ومن ذلك أن نقرأ سورةَ الإخلاصِ والمعوِّذتين ثلاثَ مرات كلَّ صباح ومساءٍ؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبَه عبدَاللهِ بنَ خُبَيبٍ رضي الله عنه بأن يقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ والمعوِّذتَين حين يُمسي ويصبحُ ثلاثَ مراتٍ، وقال عنها: «تكفِيكَ من كلِّ شيءٍ». (رواه الترمذي).
آيتان من سورة البقرة
ومن ذلك أيضًا أن نقرأ كل ليلة آخرَ آيتين من سورة البقرة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ». (متفق عليه) أي: حَفِظَتاه مِنَ الشَّرِّ، ووقَتَاه مِنَ المكروهِ. وهما قوله -تعالى-: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلى آخر السورة.
دعوات مباركات
ومن ذلك ما أخبر عنه عبدُاللهِ بنُ عمرَ -رضي الله عنهما-، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يكُنْ يدَعُ هؤلاءِ الدَّعواتِ، حينَ يُمسي وحينَ يُصبِحُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العفوَ والعافيةَ في دِيني ودُنياي وأهلي ومالي، اللَّهمَّ استُرْ عَوْراتي، وآمِنْ رَوْعاتي، اللَّهمَّ احفَظْني مِن بَيْنِ يدَيَّ، ومِن خَلْفي، وعن يميني، وعن شِمالي، ومِن فَوقي، وأعوذُ بعظَمتِكَ أنْ أُغتالَ مِن تحتي». (رواه ابنُ حبان وأبو داود وابنُ ماجه).
الوصية العامة
كما أوصيكم ونفسي بالوصية العامة، التي أوصى بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ابنَ عمه عبدَاللهِ بنَ عباسٍ -رضي الله عنهما-: «احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ». (رواه الترمذي).
لاتوجد تعليقات