رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 7 مارس، 2016 0 تعليق

{فاظفر بـذات الدين}

السعادة مطلب إنساني عام، يختلف سعي الناس في طلبها، وتتنوع مصادرها باختلاف أغراض طالبيها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم  أن من أسباب السعادة -بعد توحيد الله -تعالى- وطاعته- البيئة الهادئة والأسرة المستقرة فقال صلى الله عليه وسلم : «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء» أخرجه الحاكم وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم  أيضا: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله -تعالى- خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله». رواه ابن ماجه

فالزوجة الصالحة التي تجمع بين حسن التدين وحسن الخلق من أعظم أسباب سعادة الإنسان كما قال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.

     قال الطبري في تفسير الآية: «يعني بقوله جل ثناؤه: {فالصالحات}، المستقيمات الدين، العاملات بالخير»، وقوله: {قانتات}»، يعني: مطيعات لله ولأزواجهن، وأما قوله: «حافظات للغيب» فإنه يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم ، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره».

وقد بين ابن عباس وغيره المطلوب من الأزواج إذا رزقوا زوجات صالحات فقال: «فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، فأحسنوا إليهن وأصلحوا».

     وقد كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن أغراض الرجال في النكاح، ومعايير اختيار الزوجات مرشدا إلى أهم تلك الصفات وأعلى المقاصد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم   قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» متفق عليه.

     وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم   فقال:» يا جابر تزوجت؟» قلت: نعم قال: «بكر أم ثيب؟» قلت: ثيب قال: «فهلا بكرا تلاعبها»؟! قلت: يا رسول الله إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن. قال: «فذاك إذاً، إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك».

قال النووي: «الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم   أخبر بما يفعله الناس في العادة؛ فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك.

وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم».

وقال ابن حجر مبينا معاني الحديث:«قوله: «تنكح المرأة لأربع»، أي لأجل أربع».

وقوله: «لحسبها» بفتح المهملتين ثم موحدة أي شرفها، والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم، وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره.

وقيل: المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة. وقيل: المال وهو مردود؛ لذكر المال قبله وذكره معطوفا عليه. ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين ، وهكذا في كل الصفات .

قوله: «وجمالها» يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا أن تعارض الجميلة غير الدينة وغير الجميلة الدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق.

وقوله: «فاظفر بذات الدين» في حديث جابر:«فعليك بذات الدين»، والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون (الدين) مطمح نظره في كل شيء، ولاسيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم   بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية».

قال القرطبي: «معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر بذلك، بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولى».

     وأما قوله: «تربت يداك»، فقال النووي: «وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ : أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَت, وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ, فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك, وَقَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه, وَلَا أُمّ لَهُ, وَلَا أَب لَك, وَثَكِلَتْهُ أُمّه, وَوَيْل أُمّه, وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء, أَوْ الزَّجْر عَنْهُ, أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ, أَوْ اِسْتِعْظَامه, أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ, أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ».

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم   أن الزوجة الصالحة خير ما يعطاه المسلم فقال: «الدنيا متاع، وخير متاعها: المرأة الصالحة». رواه مسلم.

     ولا يعني ذلك أن يتزوج المرء امرأة قبيحة لأنها متدينة فقط؛ لأن حب الجمال فطري، واستقرار الأسرة يستلزم وجود المحبة والسكن بين الزوجين، وذلك يتحقق غالبا برضى الزوج بزوجته من حيث الجمال والاستقامة، فإذا جمعت الزوجة الدين الصحيح مع جمال الخلقة تمت على الزوجة النعمة فليتق الله -تعالى- فيها، وليقم بشكر هذه النعمة الجليلة.

     قال الشيخ ابن باز موجها الخاطب: «أن يكون همك الوحيد، هو صلاح دينها فإذا كان مع ذلك جمال, ومال, وحسب فهذا خير إلى خير، لكن لا يكن همك الجمال, أو المال, أو الحسب, ليكن أكبر الهم وأعظم القصد صلاح الدين واستقامة الأخلاق، تسأل عنها الخبيرين بها فإذا كانت ذات دين بعيدة عن التبرج, وعن أسباب الفتنة, محافظة على الصلاة في أوقاتها فاقرب منها, وإذا كانت بخلاف ذلك فاتركها، المهم أن العناية الكبرى تكون بالدين».

وقال ابن سعدي لما ذكر الحديث: «لما فيها من صلاح الأحوال والبيت والأولاد، وسكون قلب الزوج وطمأنينته، فإن حصل مع الدين غيره فذاك، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة قال تعالى:{فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}».

فصلاح الزوجة واستقامتها نعمة عظمى يغفل عنها كثير من الأزواج مع الأسف، لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من ابتلي بزوجة غير صالحة تقلب حياته شؤما وشقاء، فمن عوفي حق عليه الشكر .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك