رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 19 يونيو، 2014 0 تعليق

غض بصرك وانظر ماذا ترى؟

غض البصر مقدمة لتطهير القلب وإحصان الفرج، ودافع للإنسان للانشغال بما ينفعه في دينه ودنياه، وفي المقابل إطلاق البصر فيما حرم الله مقدمة لمرض القلب بالمعاصي، ودافع للوقوع في الفاحشة، وشاغل للإنسان بتوافه الأمور وما يضره في دينه ودنياه.

الإسلام حين يأمر بغض البصر فإنه يريد للمسلم أن يرتفع إلى قمم الإنسانية، ويحلق في سماء الطهر، أما إطلاق البصر فيهوي به إلى حضيض الشهوة البهيميةّ؛ ليصبح أسيراً للغريزة الحيوانية التي تجعله مسلوب الإرادة فاقد العزيمة.

القابضون على الجمر:

     نعم، لقد كثر التبرج والسفور وامتلأت الشوارع بالمنكرات، وضجت صفحات الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت بالصور الداعية لإطلاق البصر، فاحتاج الأمر إلى عزيمة وصبر، بالنظر إلى الفوائد العظيمة التي يجنيها المسلم من غض البصر والأجر والثواب المترتبين على القابضين على الجمر في زمن قل فيه الناصحون، وعاد الإسلام لغربته الأولى.

كثير من الناس شغل ما يرون من صور عارية ومشاهد منكرة جُلَّ اهتمامهم حتى صار تفكيرهم أسيراً لهذه الصور والمشاهد، ولو غضوا أبصارهم لطهُرت قلوبهم وسخّروا أوقاتهم في طاعة الله تعالى.

وكثير منهم يهونون من أمر النظر إلى ما حرم الله من صور فوتوغرافية أو فيديو، مع أنها قد تستوي في الإثم والضرر مع الصور والمشاهد الحقيقية.

بركة الوقت:

إن وقت الغاضِّ لبصره مبارك؛ لأنه يترك ما لا يعنيه وما يضره، وينشغل بإصلاح نفسه وعيوبه عن الانشغال بعيوب الآخرين، وكما في الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» حديث حسن رواه الترمذي وغيره.

غض البصر حجاب:

     يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ  ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(الأحزاب: 53)، وما دام الحجاب قد استُبْدِل اليوم بالتبرج والسفور وقلة الحياء فإن غض البصر يصبح بمثابة الحجاب الذي يضعه المسلم – أو المسلمة - بينه وبين غيره؛ حتى يطهِّر قلبه ويُحصِن فرجه، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ-قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(النور‏:‏ 30-31‏)‏.

توفيق الله جلّ وعلا:

     والغاض لبصره موفق في أمور دينه ودنياه، بالتزامه تقوى الله جل وعلا، فهو يغض بصره؛ لأنه يعلم يقيناً أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعبد الله كأنه يراه، فاستحق أن يبلغ درجة الإحسان، وأن يكون من الأتقياء، والله تعالى يؤكد معيته للمتقين معيةً خاصةً تعني النصرة والتأييد والتوفيق، لقول الله عزّ وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}(النحل: 128)، قال ابن كثير رحمه الله: (أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه).

  غض البصر والفِراسة:

     ومن غض بصره قوّى الله جل وعلا نور بصيرته، وأورثه فراسة يميز بها بين الحق والباطل، كما قال ابن القيم رحمه الله في فوائد غض البصر: «أنه يورث فراسة صادقة، يميز بها بين الحق والباطل، فالله -تعالى- يجزي العبد على عمله بما هو من جنس العمل، فإن غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة».

     إن فوائد غض البصر أعظم وأجل من أن تحيط بها هذة المقالة القصيرة، ولكننا أردنا بها أن نفتح الآذان، ونلفت الانتباه إلى المكاسب الكبيرة التي يجنيها المسلم من غض البصر، في زمن غفل فيه الكثيرون عن هذه الفوائد العظيمة، وأطلقوا بصرهم فيما حرم الله جل وعلا، فأظلم نور بصيرتهم، وافتقدوا تأييد الله وتوفيقه، وانشغلوا بما يضرهم في دينهم ودنياهم.

ولله درُّ القائل:

   كل الحوادث مبدؤها مـن النظـر

                                                       ومعظم النار من مستصغر الشـررِ

كم نظرة فتكت في قلب صاحبهـا

                                                       فتك السهام بـلا قـوس ولا وتـرِ

والمـرء مـا دام ذا عيـن يقلبـهـا

                                                       في أعين الغِيد موقوف على الخطرِ

يسـر مقلتـه ما ضـر مهجـتـه

                                                       لا مرحبا بالذي يفضي إلى ضـررِ

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك