عودة ودعوة وموت الظلمات
- يضرب الله مثلا لرجلين: (الأول) كان في الضلالة ثم هداه الله، وبدأ ينشر ما عنده من العلم للناس كافة، و(الآخر) بقي في الضلالة لا يستطيع أن يخرج منها ويظن أنه على حق! فيقول –تعالى- في الآية 122 من سورة الأنعام واصفا هذا المثال بقوله -سبحانه-: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
- فوصف الله الضال كالميت (أومن كان ميتا)، والموت حالة توقف الكائنات الحية نهائيا عن النمو والنشاطات الوظيفية الحيوية (مثل التنفس والأكل والشرب والتفكير والحركة و...). و(طبيا) هناك (الموت السريري): وهو حالة الانعدام الفجائي للتنفس والوعي ودوران الدم في الأوعية الدموية. و(الموت البيولوجي/ الدماغي): وهو حالة انعدام وظائف النخاع الشوكي والدماغ وجذعه انعداما كاملا ونهائيا. وقيل الموت عبارة عن خروج الروح من جسم الإنسان والانتقال إلى مرحلة الحياة الأخرى.
- فالضال منقطع الصلة بالله نهائيا؛ فكل سكناته وحركاته في غير مرضاة الله؛ فهو ينتقل من ظلمة إلى ظلمة أشد، ويظن أنه على خير! والهداية عكس ذلك تماما؛ فهي حياة القلب بالإيمان والسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) الأنعام. وبهذا تكون حياة المسلم من عبادات وأعمال وبر وطاعات كالصلاة والأضحية في حياته ومماته - أي ما أوصى به بعد وفاته - هي كلها لله- سبحانه وتعالى.
- وامتن الله على هذا المهتدي بأن جعل له نورا {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، وهذا النور هو الإسلام؛ فهو قائم به في نفسه، وداعٍ فيه إلى غيره، أو هو القرآن المعين الصافي الذي به يعرف الطريق المستقيم والعمل الصحيح. قال -تعالى- واصفا المؤمنين: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} (الحديد:12).
- ثم قال -تعالى- واصفا حالة الذي بقي في الضلالة ولا يستطيع أن يخرج منها، ويظن أنه على حق! {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أي: في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} أي: لا يهتدي إلى منفذ، ولا مخلِّص له مما هو فيه، قال -تعالى-: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 257). وكما قال -تعالى-: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الملك: 22)، وقال -تعالى-: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ} (فاطر). وقوله -تعالى-: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: حسَّن لهم ما هم فيه من الجهالة والضلالة، قدرا من الله وحكمة بالغة، لا إله إلا هو ولا رب سواه.
- ووجه المناسبة في ضرب المثلين هاهنا بالنور والظلمات ما تقدم في أول السورة من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام: 1).
لندن 8/7/2019م
لاتوجد تعليقات