رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مؤمنة معالي 26 مايو، 2015 0 تعليق

عندما يرحل الأبناء بعيدا تنادي الأم – أحتـاج إلى قُـربَـك يا ولــدي!

     جافاهما النوم في ليلة من أواخر ليالي الصيف، فمنذ أول الأسبوع وأبناؤهما يرحلون واحداً تلو الآخر؛ كلٌّ إلى بلد في إحدى نواحي هذه الأرض، فهذا يلتحق بدراسته، والآخر يعود إلى أعماله، وتلك تريد اللحاق بموعد مدارس أبنائها، انتهت إجازة مليئة بكل شيء؛ تعب وفرح، موائد تتسع للجميع صغاراً وكباراً، وكوب قهوة في حديقة المنزل، أولاد يتراكضون هنا وهناك؛ يسقط هذا ويختبئ ذاك وراء جديه خشية صفعة من أبيه، يتصل النهار بالليل لعلّ أحدهم يملأ عينيه من هذه العائلة التي لا تجتمع سوى بضعة أسابيع في العام، كم هي مؤلمة هذه الحياة التي تجبرنا على مرارة البعد كلما بتنا في حاجة لبعضنا أكثر.

     صعد أبو عمر إلى سطح المنزل؛ تبعته أم عمر بخطى متثاقلة، لتقف إلى جانبه وهو يسترق النظرات هنا وهناك وكأن عينيه تخفيان شيئاً.. «لم أكن أتخيل لهذا المنزل أن يصبح موحشاً إلى هذه الدّرجة يوماً ما؛ وأن نبيت أنا وأنتِ يا أم عمر تحت سقف لا يجمعنا بعمر وثائر وحمزة وسعيد ووداد؛ وكأني أتذكر كل تفاصيل ما مرّ بنا من لحظات طوال الخمسة والأربعين عاماً المنصرمة؛ كُنّا مشغولين بالبحث عن الأفضل لهم، وفي وقت فراغنا نُسلّي أنفسنا في تخيّلهم يكبرون، هل تذكرين عندما تبرعتِ بإحدى كليتيك لعُمر عندما مرض وهو في الرابعة عشرة من عُمره؟ أو تلك اللحظات التي كُنتِ تصنعين فيها (الهريسة) لأبيعها ونوفر للأولاد مستلزمات المدرسة؟ كان جُلّ تفكيرنا كيف نتجنب أخطاء الآخرين، ونخرج من هذه الدنيا بأبناء خيرين وصالحين، هل تذكرين يا أم عُمر كم كانت فرحتنا بسعة الكون عندما ينهي أحدهم حفظ جزء من القرآن؟ هل تذكرين كم بتنا في حزن عندما تعرض (ثائر) لحادث وهو في الغربة وكانت كل آمالنا بأن نصل إليه في كندا للاطمئنان عليه والتأكد من تحسن وضعه الصحي؟! أليست أجمل لحظات حياتنا عندما أصبحنا أجداداً لابن عمر، واليوم أشعر بتعلقي الشديد به، وعند كل وداع سفر يتهيأ لي أن روحي تنخلع من نفسي عند سفره. أم عمر، لماذا أنت صامتة؟!»

     “أستمتع بحديثك يا أبا عمر؛ وأتذكر أنا أيضاً عندما مرضتُ وبتُّ لأيام في المستشفى؛ اتصل بي جميعهم ليطمئنوا على وصول الحوالة التي أرسلها لنا (عمر) لدفع تكاليف العلاج، وعندما بكيت من شوقي وأنا أتحدث إلى حمزة، أرسل لي عقداً، وفي كل عيد أعجز عن عدّ قيمة الحوالات التي يعطونني إياها لأشتري لنفسي ما أريد من هدايا، وكلما قلت لعمر: لا تطل الغيبة علينا يرسل لي أموالاً وحاجيات، متى سيفهم أبناؤنا أننا بحاجة إلى قربهم فقط؛ فالمال مهما كثر لن يعوضني عن غربتهم وبعدهم عنّي، ولا عن ساعة واحدة معهم تجعلني فخورة بأن أبنائي الذين أحطتهم بالأمس هم حولي اليوم، عندما قلت هذا لسعيد قال لي: يا أمي أصبح العالم قرية صغيرة ولا يكلفك الاطمئنان على أيّ منا سوى ضغط زرّ الهاتف.. وهل سيمنحني الهاتف حرارة قبلة من أحدهم؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك