رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 يوليو، 2012 0 تعليق

«عمر الفاروق».. مسلسل مشبوه يثير جدلاً شديدًا في الأوساط الإسلامية

تمثيل صور الأنبياء عليهم السلام وكبار الصحابة  رضي الله عنهم في الـمسلسلات والأفلام، قضية شائكة أخذت جدلاً واسعًا بين العلماء، ورغم أنها قوبلت بالرفض من جميع الهيئات والـمجامع الفقهية المعتبرة منذ ظهورها على الساحة الإسلامية منذ أكثر من أربعين عامًا، إلا أنه ما زالت تخرج دعوات وتجمعات بين الحين والآخر تدعو لتمويل أعمال تمثل شخصيات الصحابة الكبار في الأفلام والمسلسلات، وكان آخر هذه الدعوات تمثيل صورة الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسلسل تلفزيوني من المفترض أن يتم عرضه في رمضان القادم إن شاء الله.

الـمسلسل الـمشبوه

       فقد قامت قناة «mbc» بإنتاج مسلسل تلفزيوني بعنوان: «عمر الفاروق»، يروي سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو إنتاج مشترك بين القناة المذكورة والمؤسسة القطرية للإعلام، وقد تم تصويره في سوريا بشكل أساسي إلى جانب كل من تونس والهند والمغرب، على أن يُعرض في رمضان المقبل، وكان مخرجه «حاتم علي» قد أقام مؤتمرًا صحفيًا أكد فيه عدم مخالفة المسلسل للشرع واللجان الدينية، مشيرًا إلى أن العمل حصل على جميع التصاريح والموافقات الدينية اللازمة، على حد زعمه.

 

ردود فعل غاضبة

       وقد أثار إنتاج هذا المسلسل ردود فعل غاضبة لدى الهيئات والمؤسسات الإسلامية وعلماء المسلمين؛ حيث وجَّه مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رسالة إلى تلك الفضائيات، مفادها أن يتقوا الله وألا ينفقوا أموالهم في الباطل؛ لأن هذا خطأ وجريمة.

       وأكد أن كل من تبنى فكرة هذا المسلسل ومن شارك فيه مخطئ، معللاً ذلك بأن هذه الأعمال التي تتناول سيرة حياة الصحابة والأنبياء لا يرجى منها خير.

       كما أضاف - حفظه الله - أن تجسيد شخصية الفاروق عمر في عمل فني تجعله موضع نقد وتجريح، وهو ما لا يجوز مع الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله[، مشيراً إلى أن من يريد التعريف بسيرة الفاروق عمر فعليه أن يؤلف في خصاله ودوره وجهاده، ويترجم هذه المؤلفات إلى اللغات العالمية.

الأزهر يؤكد رفضه للمسلسل

       كما أكد الأزهر رفضه عرض المسلسل على شاشة التلفاز المصري، استنادًا إلى قرار مجمع البحوث الإسلاميَّة بتحريم تجسيد الصحابة المبشَّرين بالجنة وآل البيت في الأعمال الدراميَّة، وقال الشيخ علي عبد الباقي، أمين عام مجمع البحوث الإسلاميَّة: «الأزهر يرفض عرض مسلسل «عمر الفاروق»، مؤكدًا أن القرار جاء «استنادًا إلى فتوى مجمع البحوث التي تحرم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدراميَّة».

       وأشار الشيخ عبد الباقي إلى أن الأزهر سيخاطب جميع الجهات المسؤولة؛ لمنع عرض المسلسل في مصر، موضحًا أنه ليس لهم أي سلطة لمنع عرضه خارج مصر، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنه من المقرر أن يتم مخاطبة المسؤولين لمنع عرض المسلسل.

 

التلفاز المصري يلتزم بقرار الأزهر

       من جانبها، قالت نيفين السرجاني، رئيس الرقابة بالتلفاز المصري: «إن الأزهر الشريف له موقف ثابت من قصص الأنبياء والخلفاء الراشدين، يقوم على الرفض الكامل والمطلق والنهائي لتقديمها على الشاشة، وقد تكررت الواقعة في أعمال من قبل ولم يعرضها التلفاز المصري لأننا نطبق المعايير، ونحترم قرارات الأزهر وشيوخه الأجلاء الذين يرون أن أنبياء الله وخلفاءهم أكرم قدرًا وأعلى مقامًا من أن يجسد ممثل شخصياتهم بأي وسيلة من وسائل الأداء».

المسلسل تزييف للتاريخ

       وفي السياق نفسه رأى عميد كلية الشريعة السابق الدكتور محمد الطبطبائي أن مسلسل عمر الفاروق الذي سيعرض في شهر رمضان تزييف للتاريخ، وتعدٍّ على مكانته، موضحًا أنه لا يجوز تمثيل الصحابة تكريمًا لهم.

       وقال الطبطبائي في حسابه الخاص على تويتر: «لا يجوز تمثيل الصحابة الكرام، سواء من الخلفاء الراشدين أم من آل البيت الطاهرين؛ تكريمًا لهم، ومنعًا لتزييف التاريخ».

وأضاف: «لا يجوز عرض مسلسل عمر الفاروق ومشاهدته، الذي سيعرض في رمضان، وهو تزييف للتاريخ، وتعد على مكانته».

فتاوى العلماء

فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

       وقد سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- عن حكم التمثيل ولاسيما تمثيل صور الصحابة وأن هناك مصلحة دعوية من هذا التمثيل، فاستعظم الشيخ هذا وبدأ جوابه بالتكبير، ثم قال:

       النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما كانوا يمثلون، ما كانوا يقولون أنا أبو جهل، وأنا أبو فلان وأنا.. يقولون: قال الله.. قال الرسول، اتقوا الله أيها الناس.. افعلوا كذا.. دعوا كذا.. هذا حلال.. هذا حرام.. هذا ما ينفع الناس! ما ينفعهم إلا واحد يجيء يقول أنا أبو لهب و أنا أبو جهل وأنا أبو بكر وأنا محمد؟! يكذب، ويجيء واحد محلوق اللحية يقول أنا أبو بكر و أنا عمر؟! (أيش) هذا الكلام القبيح المنكر؟؟ أعوذ بالله.

التمثيل محرم وكذب وزور، لا يجوز. نسأل الله العافية .. أعوذ بالله.. نسأل الله العافية، وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا.

فتوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

وقد سئل الشيخ الفوزان: ما حكم التمثيل؟ فقال: التمثيل لا أراه جائزًا؛ لأنه:

- أولا: فيه إلهاء للحاضرين؛ لأنهم ينظرون إلى حركات الممثل ويضحكون، فالغالب من التمثيل مقصود به التسلية فقط وإلهاء الحاضرين، هذا من ناحية.

- ثانيًا: أن الأشخاص الذين يُمَثَّلون قد يكونون من عظماء الإسلام، وقد يكونون من الصحابة، وهذا يعد من التنقّص.

- ثالثًا وهو أخطر: أن بعضهم يتـقمص شخصية كافرة، كأبي جهل وفرعون وغيرهما، ويتكلم بكلام الكفر، بزعمه أنه يريد الردّ عليه، أو يريد بيان كيف كانت الجاهلية؛ فهذا تشبه بهم، والرسول[ نهى عن التشبه بالمشركين والكفار، التشبّه في تقمص الشخصية، والتشبه بكلامهم.

تمثيل الأنبياء والصحابة عبث

       وقد وصفت هيئة كبار العلماء بالمملكة في فتوى لها صدرت منذ 39 سنة تمثيل صور الأنبياء والصحابة بالعبث، وجاء في دورتها الثالثة التي عقدت فيما بين 1 /4/1393هـ و10/4/1393هـ، وكان رئيس الدورة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:

       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد، فإن الهيئة قررت الآتي:

1 - أن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة، وبَيَّنَ منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم به وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها. 

2 - أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعًا للسخرية والاستهزاء به، ويتولاه أناس غالبًا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق الإسلامية، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعًا مزريًا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين.

3 - ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، فهذا مجرد فرض وتقدير؛ فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. 

4 - من القواعد المقررة في الشريعة: أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة؛ فرعايةً للمصلحة، وسداً للذريعة، وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك. 

الـمجمع الفقهي الإسلامي يؤيد قررات التحريم

       كذلك أكد المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي في دورته العشرين التي عقدت بمكـة المكرمـة، في الفترة من 19-23 محرم 1432هـ التي يوافقها: 25ــ29 ديسمبر 2010م على حرمة هذا الأمر، قائلاً: لاحظ المجمع الفقهي الإسلامي استمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إعداد أفلام ومسلسلات فيها تمثيل أشخاص الأنبياء والصحابة، فأصدر البيان التالي: 

       ونظرًا لاستمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إخراج أفلام ومسلسلات تمثل أشخاص الأنبياء والصحابة، فإنَّ المجمع يؤكد على قراره السابق بتحريم إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والإسهام فيها وعرضها في القنوات؛ لأن ذلك قد يكون مدعاة إلى انتقاصهم والحط من قدرهم وكرامتهم، وذريعة إلى السخرية منهم، والاستهزاء بهم. 

       ويُذكِّر المجمع بقرار هيئة كبار العلماء، وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، وغيرها من الهيئات والمجامع الإسلامية في أقطار العالم التي أجمعت على تحريم تمثيل أشخاص الأنبياء والرسل عليهم السلام مما لا يدع مجالاً للاجتهادات الفردية.

ادعاءات باطلة

       وقد ادعى القائمون على هذه الأعمال أنهم يستندون لفتاوى علماء أجلاء أمثال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ ابن جبرين رحمه الله، ولما رجعت إلى هذه الفتاوى تبينت كذبهم، ووجدت أنهم يأخذون منها ما يوافق هواهم، ويتركون ما يهدم دعواهم، ولم يقل أحد منهم ولا من أهل العلم الثقات بجواز تمثيل صور الصحابة ولا الأنبياء؛ حيث إن هؤلاء العلماء أباحوا ما يسمى بالتمثيل الرمزي، والأمثلة الرمزية فقط، وهذا ما ذكره الشيخ ابن جبرين -رحمه الله- حين سئل عن التمثيل فقال: أرى أن التمثيل جائز ومفيد وفيه تصوير للواقع وفهمه فهمًا كاملًا أقوى من شرحه والتعبير عنه، والدليل أن الله تعالى أكثر من التمثيل في القرآن كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا...} الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها...» الحديث.

       ثم قال -رحمه الله- وهذا هو الشاهد: فيجوز تطبيق مثل هذه الأمثلة بأن توقد نارًا في برية وفي شدة ظلام ثم تطفئها، فإن الذين حولها بعد فقدها يبقون حيارى لا يبصرون شيئًا، وهكذا بقية الأمثلة.

       ثم أكد على حرمة التمثيل الذي يفعله أهل الفن قائلاً: ولكن لا يجوز التمثيل الذي فيه تنقص لبعض الشخصيات المحترمة كالصحابة وعلماء الأمة، فإن كان حكايات واقع فلا بأس إذا كان هادفًا مفيدًا، وأما التصوير فلا يجوز في نظري لعموم أدلة منع التصوير، والله أعلم.

       أما الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- حينما أباح هذا الأمر فقال: وإذا رأى أن يُضِيف إلى ذلك أحيانًا وسائل مباحة، مما أباحه الله فلا بأس بهذا، ولكن يشترط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء مُحرّم كالكذب، أو تمثيل أدوار الكفار مثلاً، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة أئمة المسلمين من بعد الصحابة أو ما أشبه ذلك مما يُخْشى منه أن يَزْدَري أحد من الناس، هؤلاء الأئمة الفضلاء، وعلى هذا فأرى أن الصحابة رضي الله عنهم لا يمثَّلون ولا سيما الخلفاء الراشدون منهم.

شروط مستحيلة التطبيق

        وإذا أمعنا النظر في كلام من قال بالإباحة نجد أنه قد اشترط شروطًا أرى أنه يستحيل تطبيقها على أرض الواقع، فقد قالوا إن هذا التمثيل يكون حرامًا إذا لم تتوافر بعض الشروط، وهي:

(1) ألا يكون فيه كذب كما في فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

(2) ألا يكون فيه تمثيل للكفار كما في فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

(3) عدم الإكثار منها و ألا تجعل هي الوسيلة إلى الدعوة إلى الله بحيث يتعلق بها الناس، فإنها تصبح حرامًا في فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

(4) أن يكون التمثيل واقعيًا وضربًا للأمثلة كما في فتوى الشيخ ابن جبرين رحمه الله.

(5) ألا يكون فيه تمثيل للأنبياء والصحابة والأئمة الفضلاء كما في فتوى ابن عثيمين رحمه الله.

(6) ألا يكون فيه تشبه الرجال بالنساء ولا تشبه النساء بالرجال كما في فتوى ابن عثيمين رحمه الله.

(7) ألا تمثل شخصيات حقيقية وينسب إليها الكلام كما في فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

رموز الأمَّة خطوط حمراء

       أخيرًا فإن رموز الأمة من الأنبياء والصحابة خطوط حمراء سواء من جهة الاعتقاد، أم من جهة العبث بسيرتهم عن طريق التمثيل في أفلام أو مسلسلات أو مسرحيات؛ لأنهم ليسوا مجرد شخصيات يقوم بتمثيلها من عُلم حاله بعد أو قبل تقمص شخصياتهم، بل أي شخصية منهم رضوان الله عليهم هو صورة، وسمت، وحركات، وسكنات، وهيئة، لا يمكن تقريب صورتها في أذهان الناس مهما كان قدر هذا الممثل أو شأنه، ومن الجدير بالذكر أن القائمين على إنتاج فيلم يسوع المسيح اشترطوا على ممثله ألا يقوم بالتمثيل مرة أخرى تمامًا؛ حفاظًا على هيبة الشخصية وقداستها، فكيف بنا نرى شخصًا يُعْرَض له فيلم وهو في أحضان امرأة، وفي اليوم نفسه نراه يمثل صورة صحابي سواء من الخلفاء أم من غيرهم، فلا شك أن هذا عبث واستخفاف لابد أن نقف له بالمرصاد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك