رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 13 يونيو، 2018 0 تعليق

علي بنات.. وفرصة التغيير

 

     انتشر خلال الأسبوعين الماضيين مقطع فيديو يحكي قصة وفاة المليونير المسلم (علي بنات) بعد أن تبرع بماله كله للفقراء في أفريقيا وغيرها من بلاد المسلمين، وقد انتشر هذا المقطع انتشارا كبيرا، وتأثر به عدد كبير من المسلمين كبارًا وصغارًا، وبدأت قصة (بنات) في عام 2015، حينما تم تشخيص إصابته بالسرطان، وهنا كانت البداية؛ حيث حدث تغيير إيجابي شامل في حياته، وقد أُبلغ بنات في البداية أنه لم يعد لديه سوى سبعة أشهر للعيش، إلا أنه عاش في النهاية أكثر من عامين، قضاها في خدمة المسلمين الفقراء في جميع أنحاء العالم.

     وقد عاش بنات في السنوات التي سبقت مرضه، حياة باذخة مليئة بالسيارات السريعة، والملابس باهظة الثمن، وممتلكات أخرى لا تعد ولا تحصى، ولكن بعد أن أدرك أنه مريض، قال: إنه أدرك أنه كان يسير في الطريق الخطأ، في فيلم وثائقي قصير على YouTube، يصف مرضه بأنه (هدية)، وعند سؤاله عن اختياره لكلمة (هدية)، قال: إنها هدية؛ لأن الله أعطاني فرصة للتغيير، ولنا مع هذه القصة المؤثرة وقفات:

- توفيق محض من الله؛ فمن إكرام الله -تعالى- وتوفيقه لعبده، إلهامه التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته ووفاته، وذلك من علامات حسن الخاتمة، أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب -سبحانه-، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، وما يدل على هذا المعنى الحديث الذي بين أيدينا، قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عز وجل- بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ -عز وجل- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 17438، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

- من المحن تأتي المنح؛ فالمحن تؤدى بصاحبها إلى مراجعة النفس ومعرفة مسارها؛ فيصحح الإنسان مساره ويقاوم عيوبه؛ فيصبح شخصًا آخر، يقر بالحق ولا يعاند بالباطل؛ فيقر بخطئه، ويعترف بذنبه، ويتوب إلى ربه، وإن هذا المثل كمثل رجل عنده ولد فهو يحبه، لكنه يجده يخطئ ويتنكب الطريق، ومازال يتنكب حتى يخشى عليه من العثرات؛ فهو من فرط حبه له، وإشفاقه عليه، يقسو عليه ويلزمه بأمور شديدة حتى يصنع منه رجلاً. 

- هذه هي حقيقة الدنيا، فمهما تنعم المرء وامتلك من كنوزها؛ فلن يخرج منها إلا بالعمل الصالح؛ لذلك على الإنسان أن يعرف هذه الحقيقة، وأن الدنيا بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «فواللهِ ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخْشَى عليكم أن تُبسَط عليكم الدنيا كما بُسِطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم». البخاري في (الرقاق).

- الأخوَّة الإيمانية كنز المؤمن: من أعظم نعم الله على العبد أن يجد إخوة في الله، يعينونه على تقوى الله وطاعته، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ويُذكِّر بعضهم بعضًا، والأخوَّة الإيمانية ليستْ مجردَ كلمة تلفظها الأفواه، بل هي معنًى عظيمٌ، ودين يُرجى من الله ثوابُه؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله -عز وجل-: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نور، يغبطهم النبيُّون والشهداء»، وقد جعل الله الأخوةَ فيه أوثقَ عُرى الإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما روى الطبراني من حديث ابن عباس-: «أوثقُ عرى الإيمان: الموالاةُ في الله، والمعاداةُ في الله، والحبُّ في الله، والبغضُ في الله»، ومن أهم ثمرات الأخوة الإيمانية أنك في الوقت الذي ينفض عنك أهل الدنيا، تجد أهل الإيمان يلتفون حولك يدعمونك ويواسونك ويساندونك.

- لا نغتر ولا نيأس؛ فعن أَنَسٍ رضي الله عنه ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)؛ فالمؤمن يسأل ربه الثبات على الإيمان والثبات على الحق؛  فالله -جل وعلا- بيده تصريف الأمور وتقليب القلوب كيف يشاء، هذا يقلب قلبه فيرتد عن دينه، وهذا يقلب قلبه فيسلم، وهذا يقلب قلبه فيقع في المعاصي؛ فالقلوب بيد الله -جل وعلا-، هو الذي يصرفها كيف يشاء.

وأخيرًا؛ فقد منح الله -تعالى- هذا الرجل فرصة للتغيير، لعله اطلع على قلبه فوجد فيه خيرًا، فما هو حال قلوبنا؟ وهل نستحق أن نعطى مثل هذه الفرصة؟ سؤال يجب أن نقف أمامه كثيرًا!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك