عليكم بسنتي
إن مما هو معلوم في دين الله، أن الأفعال إذا كانت في أمور العادات والمعاملات، كالأكل والشرب، واللباس، والبيع، والشراء؛ فالأصل فيها الإباحة، ما لم يأت دليل من الشرع يحرم بعضها، أما أفعال العبادات؛ فالأصل فيها التوقيف؛ فلا يجوز منها إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله -تبارك وتعالى-، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والطواف ببيت الله، والذبح لله، ودعاء الله؛ فلا يُعبد اللهُ إلا بما شرعه، لا بما ابتدعه الناس، وإن قصدوا به التقرب إليه، وهل ضل الناس في دينهم إلا بسبب ذلك؟! فكيف ضل قوم نوح، وقوم إبراهيم، ومن عبد العجل من قوم موسى، ومن عبد المسيح من دون الله؟ كل ذلك بسبب ابتداعهم في دين ربهم.
ولذلك؛ فإن كل عبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها خلفاؤه الراشدون، ولا بقيةُ أصحابه -رضي الله عنهم-؛ فإنها لا يمكنُ أن تكون عبادة؛ فإنها لو كان خيرا لسبقونا إليه! فقد كانوا أبر الناس قلوبا وأحرصهم على الخير.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: «أما بعدُ؛ فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ». (رواه مسلم).
كمال الدين
ذلكم أن الله -تبارك وتعالى- قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا نعمته، وذكر هذه المنةَ العظيمةَ في هذه الآية التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته الشريفة، وتحديدا في حجة الوداع؛ فقال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3).
أعظم نعم الله علينا
إنها أعظم نعم الله علينا، أن أرسل إلينا رسله، وأنزل علينا كتبه، لنعرف ربنا، ولكي نعرف كيف نعبدُه، وذكر الله منته الخاصةَ على عباده المؤمنين، ببعثة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم : {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم والناس يسجدون للأصنام، ويعبدون القبور، ويدعون أصحابها من دون الله- تعالى-، ويتقربون إليه بأفعال ما أنزل الله بها من سلطان.
إخلاص الدين لله -تعالى
والرسل ما جاؤوا إلا بإخلاص الدين لله -تعالى-، وجاء خاتمهم صلى الله عليه وسلم، ليبين للناس مخالفاتهم في حق ربهم -تبارك وتعالى-، وليعيدهم إلى جادة التوحيد، جادة الحق، وليس بعد الحق إلا الضلال، جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليُعرّف الناسَ بمعبودهم الحق؛ فيحققوا لا إله إلا الله، فلا معبود بحق إلا الله، وهذه دعوة كل الرسل -عليهم الصلاة والسلام-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء 25).
الهدف من الخلق
وجاء ليبين للناس الهدفَ من خلقهم، كما قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات: 56)، وكما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟»، «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا». (متفق عليه)، وجاء ليبين لهم كيف يحققون هذا الهدفَ؛ فيعبدون ربهم -تبارك وتعالى-، فعلمهم بالسنة القولية وأراهم بالقدوة العملية كيف يعبدون ربهم، كما قال -تعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 7)؛ فالعبادات الأصل فيها التوقيف، لا نعبد الله إلا بما شرعه، ولا نتقرب إليه إلا بطريقة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما الزيادة على ذلك فهو محرم.
من أخطر الأمور
ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من أخطر الأمور، وكذلك الابتداع في العبادات؛ ولذلك فقد حذر -عليه الصلاة والسلام- من ذلك أشد التحذير؛ فقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». (متفق عليه). أي مردود على صاحبه، ولا يقبله الله- تعالى.
أعظم الخسران
وما أعظمَ خسارةَ من يأتي يوم القيامة بأعمال في صحيفته يظن أنها قربات؛ فلا يقبلها الله منه، بل يجدُها مردودة، وأولئك هم الأخسرون أعمالا والعياذ بالله، قال -تعالى-: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} (الكهف).
النجاة في الاتباع
اتباعِ خيرِ الهدي، هديِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والخسرانُ في الابتداع، والانحرافُ عن جادته صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بهديه، وهديِ خيرِ من اتبع هديَه، وهم الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم-، قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات؛ فإن كل بدعة ضلالة».(رواه ابن ماجه).
أعظم أسباب الفتنة
وأما مخالفة هديه وسنته فهي أعظم أسباب الفتنة والعذاب، قال -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور 63)؛ فما لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمور العبادات؛ فهو ليس من أمره، بل هو مخالفة عن أمره صلى الله عليه وسلم .
من المحدثات
من المحدثات عبادةُ القبور، ودعاءُ أصحابها الميتين وإن كانوا صالحين، ومنها النذرُ والذبحُ لغير الله، ومنها اعتقادُ الضرِّ والنفعِ في أشياءَ لم يثبت لها ذلك، كمن يعتقد في أحجار، في أنها تنفع أو تضر، أو من يتشاءم من بعض الأرقام، أو من يقرأ ما يسمى بالأبراج، أو الكف، أو الفنجان، وكل ذلك إن لم يكن من الشرك؛ فهو طريقه والعياذ بالله، وهذا كله بسبب انتشارِ الخرافاتِ والجهلِ بحقيقة التوحيد الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخرافاتُ والجهلُ لا يدفعهما إلا العلمُ بكتاب الله، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من أشد المحدثاتِ خطرًا
الابتداع في دين الله من أشد المحدثاتِ خطرًا؛ لأن البدع تهدم الدين؛ من حيثُ إن الناس يظنون أنهم يتقربون بها إلى رب العالمين؛ ولذلك كان العلماء يرون أن الابتداعَ أشدُّ خطرا من بقية المعاصي؛لأن العاصي يعلم أنه على خطأ؛ فترجى له التوبة، لكن المبتدع يظن أنه على حق، ويدعو إلى بدعته؛ فيَضِلُّ ويُضِلُّ.
تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليهِ أن يَدُلَّ أُمَّتَه على خيرِ ما يُعلِّمُه لهم، ويُنذِرَهم شرَّ ما يُعلِّمُه لهم. وإنَّ أمتَكم هذه جُعل عافيتُها في أولها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها». (رواه مسلم)؛ فهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فحافظوا على دينكم، وإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حذر كذلك من المبالغة في مدحه، وإطرائه بما لا يليق بمنزلته التي جعلها الله له؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تُطْروني كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ؛ فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه». (رواه البخاري)، نعم، نحب النبي صلى الله عليه وسلم، ونوقرُه، لكن في حدود ما شرعه؛ فمن أحب الله، ومن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فليتبع هداه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: 31)، وأما الدين فقد اكتمل والحمد لله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
لاتوجد تعليقات