رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى مال الله فرج 16 فبراير، 2021 0 تعليق

علمـاء ثبتــوا عنــد الابتلاء ولم يخرجوا علــى الأمـــراء (1) حـــــــقــــيــقـــــــة الابتــــــلاءات والمــــــــحــــــن والموقــف مــنــــــــهــــــــــــــــا

 

سدا لباب الفتن، وإيصادًا لطريق الخروج على الولاة، الذي هو أصل فساد الدنيا والدين، فلقد أمرنا الله بطاعة ولاة الأمور بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء:59)، فالسلطان هو زمام الأمور، ومع الأسف فبعد أن كثرت المحن وتعددت الفتن، وسقط بعض من كان يظن به أنه من أهل العلم والدعوة إلى الله -تعالى-، وظن بعض الناس بأهل العلم والدعاة الظن السيء، أصبح لازمًا إبراز النماذج التي يجب الاحتذاء بها، وأنهم القدوات الذين عانوا كثيرا من الابتلاءات إلا أنهم ثبتوا، ولم يشقوا عصا الطاعة، ولم يثيروا الناس أو يحملوهم على الخروج على الأمراء.

     إن الله -عز وجل- يبتلي عباده بالسراء والضراء، وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم، ومضاعفة حسناتهم، كما يفعل بالأنبياء والرسل والصالحين من عباد الله، فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟، فقال: «الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة، خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد، حتى يمشي على ظهر الأرض وما، عليه خطيئة». وتارة يفعل ذلك -سبحانه- بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال -سبحانه-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعا في الدرجات وتعظيما للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصاب المسلم من هم ولا غم، ولا نصب ولا وصب، ولا حزن ولا أذى، إلا كفر الله به من خطاياه، حتى الشوكة يشاكها»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من يرد الله به خيرا يصب منه»، كما في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة».

تعريف البلاء

- البلاء لغة: بلاء: (اسم) من مصدر بلا، لم يعرف إلا البلاء والمحن: المصاعب والمصائب، والبلاء: الغم والحزن، والبلاء: الجهد الشديد في الأمر .

- البلاء اصطلاحا: هو الاختبار والامتحان، والبلاء يكون في الخير والشر، كما قال الله -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، قال أبو الهيثم: «البلاء يكون حسنا ويكون سيئا، وأصله المحنة»، والله لن يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره.

الصبر عند الابتلاء في القرآن الكريم

     قال -تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمران:186). لتُختبرن - أيها المؤمنون- في أموالكم بإخراج النفقات الواجبة والمستحبة، وبالجوائح التي تصيبها، وفي أنفسكم بما يجب عليكم من الطاعات، وما يحل بكم من جراح أو قتل وفقد للأحباب.

الصبر عند الابتلاء في السنة النبوية

     عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يصب منه»، وعن فاطمة بنت اليمان -رضي الله عنها- قالت: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعوده في نساء، فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه، مما يجده من حر الحمى، فقلنا يا رسول الله، لو دعوت الله فشفاك! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».

صبر السلف عند الابتلاء

عن مسروق، قال: إن أهل البلاء في الدنيا إذا لبثوا على بلائهم في الآخرة، إن أحدهم ليتمنى أن جلده كان قرض بمقاريض، وعن مالك بن أنس قال: قال عمر بن عبدالعزيز: ما أغبط أحدا لم يصبه في هذا الأمر بلاء.

التفريق بين العلماء وبين أدعياء العلم

     العلماء: هم العارفون بشرع الله، المتفقهون في دينه، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، الذين وهبهم الله الحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، والعلماء هم الذين جعل الله –عز وجل- عماد الناس عليهم في الفقه والعلم، وأمور الدين والدنيا، والعلماء هم فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال من الحرام، والعلماء هم أئمة الدين، نالوا هذه المنزلة العظيمة بالاجتهاد والصبر، وكمال اليقين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.

يعرفون بعلمهم

     إن العلماء يعرفون بعلمهم؛ فالعلم هو الميزة التي تميزهم عن غيرهم؛ فهم إن جهل الناس نطقوا بالعلم الموروث عن إمام المرسلين، يقول الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: «إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا؛ لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة».

يعرفون بجهادهم ودعوتهم

      إن العلماء يعرفون أيضا بجهادهم، ودعوتهم إلى الله -عز وجل- وبذلهم الأوقات، والجهاد في سبيل الله، ويعرفون بنسكهم وخشيتهم لله -عز وجل-؛ لأنهم أعرف الناس بالله، يقول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، ويعرفون باستعلائهم على الدنيا وحظوظها، قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن له في الأمة لسان صدق عام، بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجی، ومما يعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم، فقد دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان على توريث علومهم لتلامذتهم، الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم الريادة، والإمامة في الأمة، ولا يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم، وإذنهم لهم بالتصدر، والإفتاء، والتدريس، قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحیى بن سعید فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت».

التفريق بين العلماء والقراء

     قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قدم على عمر - رضي الله عنه - رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا، فقلت: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا بمنزلة، ولا أراني إلا قد سقطت من نفسه، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، فبينا أنا على ذلك قيل لي: أجب أمير المؤمنین فخرجت، فإذا هو قائم على الباب ينتظرني، فأخذ بيدي، ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فإني أستغفر الله، وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت، قال: لتخبرني، قلت: متی ما يسارعوا هذه المسارعة يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، قال: لله أبوك، لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها.

      فابن عباس -رضي الله عنهما- خاف على الناس المسارعة في القراءة دون فقه وفهم، والمسارعة إلى ذلك قد تؤدي إلى انحراف عن الحق، ولقد كان الخوارج يقرؤون القرآن ولكنهم لم يكونوا أهل فهم وعلم، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم: «يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك