عقول لكنها معطلة!
ميز الله -تبارك وتعالى- الإنسان بعقله عن باقي المخلوقات، ولكن هناك من يريد أن يعيش دون عقل، فلا هو ممّن استفاد ولا ممّن أفاد غيره، دائم السكر وتعاطي المخدرات والمفترات، وآخر يسلّم عقله لغيره فيذهب إلى الساحر والعراف فيأتمر بأمره وينتهي بنهيه فيكون أسيرًا لديه، وثالث سلم عقله إلى ما توارثه اعوجاج في عقيدته؛ فيعبد البقر، والحجر، والأضرحة، ورجالات الكهنوت والسادة والكبراء، فيسجد، وينذر، ويذبح، ويمارس الطقوس حسبما أرادها الأحبار والرهبان، ومثل ذلك الذي بايع الفرق الباطنية أو التفجيرية، الإرهابية، فهو أسيرهم ينفذ رغباتهم دون وعي، ومثله الذي لا هم له إلا متابعة وسائل التواصل ويتأثر بها، ومواصلا الليل بالنهار دون فائدة من تحقيق الهدف الأسمى الذي من أجله خلقنا الله تبارك وتعالى، ولا يقل عنه تلك العقول المعطلة التي ينتقد صاحبها كل من لايتفق معه انتقاداً لاذعاً وسباباً ولعناً وطعناً وتجريحاً!!.
مسؤوليتك كبيرة وعظيمة، قال ربنا {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وقال: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، أي لتعملوا في شتى مناحي الحياة على أساس الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق العدل بين الناس، ودفع الفساد والظلم والحذر من الشيطان وشركه وجنوده - وقال تعالى: {ًالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }(الملك:2) ما جعلك الله -تبارك وتعالى- عالة على الناس، أو خلقك من غير هدف، بل خلقك لغاية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).
ولتكون مهمتك عظيمة في العلم وتعليمه وتبليغه وإقامة الحجة على الناس، بخطاب ديني وسطي بعيداً عن الغلو أو المجافاة، واستخدامه طيلة الوقت وليس فقط في حالة الأزمات والفتن.
فكم من إنسان مستهلك وضار ومؤذ، ولاهم له إلا كسب الأموال واتباع الشهوات والملذات، واتباع الموضة في كل شيء، ومستفز وعاق لولديه، يدعو عليه الناس للتخلص منه؛ لأن ضرره على نفسه وأسرته يصل إلى المجتمع برمته!! فالأمانه التي حملها الناس عظيمة، تتضمن المقاصد وتحقق المصالح وتكملها، وتقلل المفاسد، وتسخر الطاقات للنهوض بالبشر وصناعة الوطن، والتعاون على البر والتقوى لتحقيق ذلك.
ينبغي مراجعة أسباب الهزائم التي مرت بالدول الإسلامية حتى نتحاشاها، ويجب أن تكون العلاقة بين أهل السنة والجماعة على أساس التعايش وبيان الحق والتحذير من الباطل.
وتكون العلاقة تكاملية أو تنافسية دون إلغاء الآخر، فإذا كانت الدولة الإسلامية تعيش فيها ملل ونحل فهل يعقل أن الرحمة والرفق انعدما بين أهل السنة والجماعة وأصبحنا محط سخرية واستهزاء عند الخصوم والأعداء؟ فأين العقول الراسخة والقدوات الصالحة؟
والخطاب عند أصحاب المنابر والأقلام يجب أن يكون هدفا إصلاحيًّا، وليس نقداً لاذعاً حاداً مستبداً يجذب الشباب بعيداً عن حملات عاطفية موجهة تدافع عن الحزبية أو التعصبات الجاهلية، أو المطالب الدنيوية، ولا توظيف الجهود للمطالبة الدينية التي هي الأساس {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة :50).
هاجسنا جميعا تكوين قناعات ليس لها خيار آخر إلا الإصلاح والنهوض بالأمة والالتفاف حول العلماء. لنعيش كالجسد الواحد، وننظر في أحوال الضعفاء من الأيتام أو المبتلين بالإدمان أو المرضى وغيرهم، ولابد أن يكون الحوار هو الأساس بيننا فضلا عن استثمار المواهب والطاقات لخدمة الإسلام وأهله، وأن نتعاون جميعا في وضع حلول لمشكلاتنا، ولاننتظر من الدول غير الإسلامية أن تقدم الحلول لنا؛ لأنهم لن يكونوا أحرص منا على أنفسنا.
لاتوجد تعليقات