رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 5 أكتوبر، 2015 0 تعليق

عقلية الصرف.. وعقلية الاستثمار

منذ اكتشاف النفط ونحن نعيش عقلية الصرف، في ذلك الزمان كنا فعلا بحاجه إلى تلك العقلية لبناء الكويت الحديثة ولتوزيع الثروة على المواطنين الكويتيين ولوضع أسس الدولة الحديثة من خدمات عامه وغيرها، وهذا -ولله الحمد- تم بامتياز في ذلك الوقت، ومع ذلك لم يفت آباءنا عقلية الاستثمار والادخار للأجيال القادمة؛ حيث تم إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي في لندن لدعم الاقتصاد البريطاني المتهالك بعد الحرب العالمية الثانية ولاستثمار الفوائض النفطية، وللأسف أن عقلية الصرف مستمرة إلى يومنا هذا ولكن على نهج أسوأ بالأخص في الأمور المالية؛ فالمشاريع أصبحت طريقا للتكسب والاستفادة، والاحتكار يضرب أطنابه في الاقتصاد؛ ولذلك نرى جودة المنتجات منخفضة عن نظيراتها في الدول الأخرى.

     وانتشرت في مؤسسات الدولة عقلية التوفير غير المسوغ والمضر جدا على حساب جودة الخدمة، مثل: عندما نأتي بالمدرسين من الخارج نضع أضعف الأسعار، ونأتي بنوعية ضعيفة جدا أضرت إضراراً كبيراً بمخرجات العملية التعليمية، وبالعمالة الوطنية التي تدير مؤسسات الدولة وبالتالي انخفاض الإنتاجية ومستوى الخدمات المقدمة، وهذا الضرر لم يصب القطاع التعليمي بل أصاب كثيراً من مخرجات الخدمات العامة مثل استيراد عمالة رخيصة في القطاع الطبي؛ مما جعل الخدمات الطبية تنحدر إلى الحضيض، وزادت الطلبات على العلاج في الخارج حتى تعدت ميزانية وزارة الصحة نفسها، ومن أهم القطاعات التي تأثرت بعقلية الصرف أيضا المناقصات المركزية التي أصبحت تعطي موضوع السعر الأهمية على موضوع الجودة؛ مما نتج لدينا مشاريع مهلهلة ليست على مستوى نظيراتها في دول مجلس التعاون.

      ولعل الجهة المسؤولة عن تغيير عقلية الصرف إلى عقلية الاستثمار هي وزارة المالية التي يجب أولا أن تغير ميزانيتها من ميزانية البنود إلى ميزانية البرامج والمشاريع، عقلية الاستثمار التي تتوجه نحو بناء قطاعات منتجة في الاقتصاد وإيجاد مصادر بديلة للنفط، وتنظر إلى جودة المنتجات والخدمات ونوعية القوى البشرية المستخدمة بالدرجة الأولى ذات كفاءة ومهنية وعطاء تبني دولة الكويت الحديثة دولة المعلومات والمعرفة، يجب أن نتجه إلى الداخل في استثماراتنا الخارجية فلا داعي تماما أن نستثمر 400 مليار دولار في الخارج، وندعم الاقتصاديات في الدول الأخرى واقتصادنا بابه مخلع، ويعاني من قلة الاستثمار والمشاريع، ومن المآسي أن نبني محطات كهربائية لدول أخرى ونحن نعاني انقطاع الكهرباء، ومن المصائب أن نبني مصافي نفط ومصانع بالمليارات في الخارج وهي قليلة في الكويت، ونصدر ثلاثة ملايين برميل يوميا خام فبدلا من بيعه 50 دولار للبرميل نستطيع بيعه بـ700 دولار بعد تصفيته وتصنيعه.

     من المشكلات أن نساهم في البنوك العقارية العالمية وأبناؤنا يصطفون دوراً 15 سنة أو أكثر للحصول على الرعاية السكنية، بصراحه إنها عقلية الصرف المدمرة، في دراسة أجرتها (هارفارد) على شركتين الأولى أمريكية تعمل في ماليزيا وطبعا الأرباح ترحل لأمريكا، والشركة الأخرى يابانية تعمل في أمريكا والأرباح بالطبع ترحل إلى اليابان أكثر فائدة أفيد للاقتصاد الأمريكي؟ بعد الدراسة تبين أن الشركة اليابانية أكثر فائدة للاقتصاد الأمريكي؛ لأنها تشغل العمالة الأمريكية، وتنقل إليهم معرفه ومهارات جديدة، وتتداول أموالها في التصنيع داخل الاقتصاد الأمريكي بالطبع هذه العقلية نحن بحاجه إليها لإعادة الاستثمار، في بلدنا وبناء اقتصاد منتج ومصادر بديلة للدخل..لا بد من ربط العطاء بالإنتاجية وتطوير جهازنا الوظيفي لاستيعاب عقلية الاستثمار فلنتصور استثمارنا للنفط الخام الذي تدخل فيه ثلاث آلاف صناعة فطبعا بدلا من مبيعاتنا التي توازي 30 مليار دينار سنويا والتي يمكن أن تصبح 100 مليار سنويا وأن نقوم باستيعاب ما لا يقل عن 100 ألف من العمالة الوطنية في هذا القطاع، العملية ليست صعبة وليست سهلة في الوقت نفسه ولكن إن صدقت النوايا، وكانت هناك عزيمة الآباء والأجداد فلا شك أننا في الطريق الصحيح، وسنحقق ما نريده وما نصبو إليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك