رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 16 يناير، 2019 0 تعليق

عقبات النفس الثلاث

 

- يُصبِّر الله -سبحانه وتعالى- نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} (فصلت: 43)، أي أن ما تلقاه من الصد والعناد والتكبر من الكفار، هو ديدنهم وأسلوب تعاملهم مع الحق، وقد وقع مثل ذلك للرسل من قبلك؛  فلا تبتئس ولا تحزن، {ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} (النمل:70)؛ فإن الله مؤيدك وناصرك، ومظهر دينك على من خالفك وعاندك؛ فلا تبال بما يقولون ويفعلون، بل استمر في دعوتك، وعملك، وجهادك، وأن الملتجأ النهائي هو لله الذي من صفاته المغفرة لمن عاد منهم وأناب {إِنَّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَة}، {وَذُو عِقَاب أَلِيم} لمن كابر وعاند.

- وبسبب هذا الكبر والعناد شكك الكفار في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي القرآن الكريم؛ فطلبوا أن يكون القرآن بلغة غير العربية فرد الله -عز وجل- عليهم بقوله: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين} (الشعراء: 198-199)، وكذلك: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} سورة (فصلت:44).

- أي لو أنزلناه أعجميا؛ فإنهم سيستمرون في عنادهم ومراوغاتهم ويقولون: {لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} بجعلها باللغة العربية، ولزادوا أيضا مستغربين: كيف يكون القرآن أعجميا وعربيا؟ أو كيف يكون القرآن أعجميا والرسول عربي؟ وهنا يصعب عليه فهمه!

- ولَمَّا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل، وأرسله الله للناس كافة، وأنزل عليه القرآن بلغته العربية، التي يعرفها ويعرفها قومه، وكان كل رسول يرسله الله بلغة قومه؛ كما قال -سبحانه-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4). وأمره أن يبلغ الناس جميعا دعوته؛ ولذلك وجب تبليغ دعوته إلى أجناس الأرض جميعها بلغاتهم المختلفة.

- ولكن الله -سبحانه- حسم هذا الجدال العقيم بقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} لما في الصدور من الشكوك والريب، {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} اي ثقل في الأذن فهم لا يسمعون بوضوح، أو قد صُمَّت بالكلية فهم لا يفهمون ما فيه، {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} فلا يهتدون إلى ما فيه من البيان، كما قال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الإسراء: 82). وهو أيضا بعيد عن قلوبهم؛ فكأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فهم لا يفهمون ما يقول.

- أفبعد هذه الحواجز والعقبات الثلاث التي وضعوها لأنفسهم يرتجى منهم تصديق وإيمان؟! كما قال -تعالى-: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (البقرة/171).

 

لندن: 9 يناير 2019

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك