رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 30 ديسمبر، 2018 0 تعليق

عـلم الجهل والتجهيل -1

منهج التربية الإسلامية ينبغي أن يكون متكاملاً للفرد المسلم، فيعرف فيه معاني كلام الله -تعالى-، ومعاني حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك ينبغي أن يلم بتأريخه الإسلامي، وينبغي أن يكون واعياً لما يدبّره أعداء الإسلام من كيد للمسلمين، والذين يغفلون الجانب الأخير من جوانب التربية؛ وهو تربية الفرد المسلم على الوعي، وعلى ضرورة تتبّع مخططات أعداء الإسلام، يخسرون كثيراً؛ لأنهم سيعيشون في زاوية مظلمة لا يشعرون بما يُحاك حولهم، وهذا المعنى مهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان حريصاً على تربية أصحابه رضوان الله عليهم على ذلك، وكان القرآن ينزل على رسول الله مبيناً خطط المنافقين وكيد أعداء الدين، من هذا المنطلق فإن هذا المقال يتناول هذا الجانب وهو بعنوان علم الجهل.

هل هناك فعلا علم اسمه (علم الجهل)؟

     يقول د. عبدالوهاب المسيري: في كتاب (العالم بعيون غربية) يذكر أن بعض الجامعات الغربية تعلم هذا العلم للأطباء تحديدا؛ لأنهم وما يصيبهم من غرور وادعاء أن بعض الأمراض ليس لها علاج ثم ينكشف العلاج بعد ذلك، والهدف هو كبح كبر هؤلاء الأطباء» وقد ألفت في ذلك مجموعة من الكتب بعضها تناول الموضوع تناولا مباشرا بعضها الآخر أشار إليه ومن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر: (هجوم على العقل (ال غور) ووثيقة سرية بعنوان أسلحة صامتة لحروب هادئة اختصره ناعوم تشومسكي، وكتاب التضليل الإعلامي –ذياب الطائي، وهندسة الجهل- نعمات أحمد، وكتاب العالم بعيون غربية- عبدالوهاب المسيري).

تعريفه

1- علم یدرس غرس ثقافة الجهل أو الشك أو الوهم، ویجري من خلاله نشر بیانات غير صحيحة أو َ مخطئة أو غیر كاملة.

2- وفي تعريف آخر هو: نشر لمعلومات أو حذف لها من أجل التأثیر على تفكیر الجمهور والحصول على نتائج یستفید منها أصحاب المصالح.

صناعة الجهل

     ليس الهدف كما يظن بعضهم أن تكون أميا تجهل القراءة والكتابة، بل أن تكون مثقفًا محيدًا عن مسارات لا يريدك المستهدف أن تعرفها، وكل ذلك وفق طرائق سنتحدث عنها لاحقا، كان في السابق فقر وشح في المعلومات وكيف نوصل المعلومة للناس، لكن الآن المعلومة متوفرة، والمهم كيف نحرِّف المعلومة ونجهضها! ركز علم التجهیل تركيزا مباشرا على كیف؟ ولماذا؟ یجب أن تكون بعض الحقائق مخفیة لا تسلط عليها الأضواء أو بمعنى آخر أن یتم تجاهلها بطرائق احترافية تخفى على الجماهير سواء كان ذلك بالعرض المنقوص أم المحرف أم المبالغ فيه، أم التلاعب بمفهوم النصوص أي بمعانيها لا مبانيها.

إدارة الفهم والإدراك

وباختصار وكل ذلك ليشكل لنا ماذا نعرف، وماذا یجب ألاّ نعرف!

     أي إدارة الفهم والإدراك من خلال نشر معلومة وحذف أخرى من أجل التأثير على تفكير الجماهير وقناعاتها، والحصول على نتائج، والنتائج هنا هي بمثابة (قناعات)، والقناعات هنا بمثابة منتج تم بعد دورة إنتاج طويلة يستفيد منها أصحاب المصالح التجارية أو السياسية.

     لكن النشر والحذف لا يتم بطريقة عشوائية بل یتطلّبان أسالیب دقیقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، فضلا عن التعلق بشكل أو آخر بالظاهرة الزمانية أو المكانية وغالبا تكون مدعومة باستدلالات لها وجهة علمية.هو نوع من أنواع هندسة العقول من خلال إعادة تأسيس العقل البشري بمؤثرات متعددة وأهمها الإعلام بأنواعه.

هذه الدورة المخبرية يطلق عليها الغرب (ادارة الفهم). وهي في كينونتها المعرفة أو الحقيقة الخداج المنقوصة أو لك أن تصفها بالمعرفة المجهضة أو وهم المعرفة.

حذر رسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من هذا الصنف الذي يتلاعب بالعواطف ويسعى ومن طرف خفي إلى التلاعب بالألفاظ أو الزيادة فيها أو النقص منها وكل ذلك بسبب سلب حق الآخرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لماسَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا».

أقسام الجهل

1- جهل بسيط هو عدم المعرفة، وضده: المعرفة.

2- جهل مركب: وهو معرفة الشيء على خلاف الواقع، وضده مطابقة الواقع. هل كل المعلومات التي في رأسك هي صحيحة 100%، طبعا لا، إذا عندك قدر لا بأس به من الجهل المركب.

المعلومة التي تصل إلى عقلك أولا هي التي تتحكم فيك ولاسيما إذا كانت غير صحيحة، وهذا يدخل في باب الجهل المركب.

وقالوا قديما برمجة العقل بناء على الظاهرة المكانية لكن هذا غير مقبول حاليا، فالأثير الفضائي تجاوز الحدود والجمارك والجيوش، وبه نطق الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- بقوله: «الثقافة جيش لا يعرف الحدود».

وأسرع وسيلة في الوقت المعاصر وقد فاقت سرعة الصواريخ والطائرات النفَّاذة، هي وسائل الإعلام وبذلك عبر الكاتب الأمريكي (هربرت شيللر) حين قال في كتابه (المتلاعبون بالعقول):  «مَنْ يسيطر على وسائل الإعلام..يسيطر على العقول».

     وقد يكون شبيه ذلك تماما في واقعنا المعاصر ما دونه (ال غور) في كتابه (هجوم على العقل) السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، وعلى رأسها التلفاز الذي جعل من المحال على الأفراد المشاركين فيما يفترض أنه حوار قومي، المشاركة ولو بقدر يسير في هذا الحوار، ويؤكد أن الأفراد أصبحوا يستقبلون ولا يمكنهم الإرسال، ويمتصون ولا يمكنهم المشاركة، ويسمعون ولا يمكنهم الكلام، ويرون حركة مستمرة، لكن لا يمكنهم تحريك أنفسهم، ويزيد في تأكيده على ذلك المعنى فيقول: إن جماعة المواطنين الواعية تواجه خطر التحول إلى جمهور مفروغ منه، وفي الحقيقة يمكن وصف ذلك بالاستبداد والدكتاتورية الفكرية الناعمة.

أهم وأخطر وسيلة

     الإعلام هو أهم وأخطر وسيلة ساهمت في تلويث الفطر البشرية على مستوى الكرة الأرضية، بل لا يقل خطرا عن دور الوالدين الذين تنكبا طريق الهداية في تحريفها لفطر أبنائهم كما أخبر عن ذلك النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: 30).

منظومة سياسة التجهيل

     القرآن الكريم يستعرض أمة من سبعين أمة تم قيادتها وفق منظومة سياسة التجهيل: قال -تعالى- عن فرعون وقومه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} جاء في تفسيرها كما قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَعْنَى فَاسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ من القبط فَأَطَاعُوهُ بِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ، وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ، ويؤكد فرعون للجماهير القبطية التي عرف تميزها في كثير من المعارف العلمية كالطب والفلك والعمارة وغير ذلك أن رأيه هو الصواب المحض فقال لهم: {... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ}.

بل تصل درجة الاستغباء لقومه أن منح لنفسه السلطة والسيطرة على مظاهر كونية يعلم بها شعبه سلفا أن لا قدرة له على خلقها أو التصرف بها كما قال: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}.

حق امتلاك المعرفة

على مر الأزمنة، تصارع المخلوقات على حق امتلاك المعرفة ومصادر المعلومة:

1- الجن كانت تتسابق في الحصول على المعلومة جاء ذلك في قوله -تعالى-: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (9)}. لكنهم قد حبسوا وقت مبعث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم- عن خبر السماء، لمس السماء: لمس أبوابها؛ فكانوا يلمسون أبوابها؛ ليفتحوها؛ فيدخلوا فيها؛ فيستمعوا إلى الأخبار وينقلوها إلى رؤسائهم من الجن وأتباعهم من السحرة والمشعوذين من الإنس.

     وقد اختبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذب ابن صياد وزر ما جاء به عن طريق الجن فقال له أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبْأ» قَالَ: هُوَ الدُّخ. فَقَالَ لَهُ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ: وخبأ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -َ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}.

2- وهناك نوع من المخلوقات الأخرى التي حرصت الحرص كله وبمهارة عالية في جلب المعلومة وبتفاصيل دقيقة الهدهد رئيس طيور مملكة نبي الله سليمان غاب عن مجلسه ليتحسس له أخبار الممالك الأخرى، فقال كما أخبر الله -تَعَالَى-: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا، أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ، أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)}. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X