رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ضاري المطيري 17 أبريل، 2012 0 تعليق

عضو هيئة كبار العلماء السعودية عبدالله بن سليمان المنيع: المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية نابعة من إيمان وتفعيل للعقيدة

 

من سماحة الإسلام مع الأقليات أن ساوى بين دم المعاهد والمسلم في القتل الخطأ بفرض الدية والكفارة

بيّن عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عبدالله بن سليمان المنيع أن الإسلام ينادي إلى مجتمع قريب من المثالية، ظاهره الخير والأخلاق الحميدة والتقاليد الإسلامية، ويبرز فيه الحكم الشرعي على غيره من الأحكام، لافتا إلى أنه لم يوجد منذ عهد آدم عليه السلام وإلى الآن مجتمع مثالي يخلو من المخالفات الشرعية والشذوذيات، بل ولا في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك شرعت العقوبات لتزجر وتقلل هذه السلبيات لا أن تقضي عليها كليا.

وأشار إلى أننا لسنا متعبدين بمذاهب معينة، وإنما علينا العمل بالقول الراجح من المذاهب الموافق لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة، موضحا أن لولي أمر المسلمين حسم الخلاف باختيار مذهب معين مستمدة أحكامه من الإسلام ليحصر التقنين في القضاء.

وأكد المنيع أن التوهم أن الشريعة تظلم الأقليات غير المسلمة لا يصدر إلا ممن يجهل التاريخ الإسلامي، مشيرا إلى أن النبي  صلى الله عليه وسلم لم يسن في المدينة تشريعات تضر باليهود والنصارى، بل عاهدهم وأبقاهم على نشاطهم بالعبادة والمعاملات وعاملهم بالعدل، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

- ينادي بعض نواب مجلس الأمة الكويتي بضرورة توافق قوانين الدولة مع الشريعة الإسلامية، لكن بعضهم يتخوف من أن الشريعة قد تظلم الأقليات غير المسلمة، فما حقيقة هذا التخوف برأي فضيلتكم؟

- المناداة بأن تكون جميع الأنظمة والتعليمات والتقنينات منبثقة من ديننا هي نابعة عن إيمان وعقيدة، فالحمد لله على هذا الاتجاه الجيد، فهو اتجاه مبني على سلامة العقيدة وعلى صحة التدين، ونحن حين نطالب بذلك، أو نقف مع من يطالب بهذه المطالبة إنما نحن في الواقع نطبق ونفعّل عقيدتنا، فالإسلام هو أولا شرع الله، رب العالمين، ونحن عباد الله، والله سبحانه وتعالى خلقنا، وهو العالم بأحوالنا، والعالم بما يصلح هذه الأحوال، ولا يمكن أن تقارن حكمة الله وعلمه بحكمة عباده وعلمهم، فالفارق كبير، أكبر مما بين السماء والأرض، وبناء على هذا فنحن نشكر إخواننا الذين طالبوا بشرع الله، ونتوجه إلى إخواننا الآخرين الذين يشكون ويظنون أن التشريعات الإسلامية قد تظلم الأقليات الأخرى، فنقول: إن هذا الظن في الواقع لا يصدر إلا ممن يجهل التاريخ الإسلامي.

         فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء المدينة وفيها غير المسلمين، من اليهود، وهم بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع، فماذا كان منه  صلى الله عليه وسلم  ؟ هل سن عليهم تشريعات أضرتهم؟ أم إنه عاهدهم وأبقاهم على ما هم عليه من نشاطهم العبادي ونشاطهم في المعاملات؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه يتعاملون معهم معاملة مبنية على العدل، حتى إن النبي  صلى الله عليه وسلم  توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في مبلغ بقيمة 30 صاعا من شعير، اشتراه منه  صلى الله عليه وسلم  فأرهنه درعه، فهذا مما يدل على أن الأقليات غير الإسلامية لا يظلمهم الإسلام، بل الإسلام يحترمهم، ويرعى حقوقهم.

        والله سبحانه وتعالى قال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصّدّقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}، فساوى النص القرآني بين دم غير المسلم المعاهد، ودم المسلم في قتل الخطأ، وجعل جزاءه أن عليه الدية والكفارة.

       ونحن إذا نظرنا في الدول الإسلامية التي تلت الدولة الإسلامية الأولى، دولة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، والخلفاء الراشدين، أقصد مثلا الدولة الأموية والعباسية والدول الإسلامية المتتابعة، نجد أنها نشأت في بلاد فيها أقليات من اليهود والنصارى، كما في الشام والمغرب والأندلس، ونجد أن الإسلام أعطى هذه الديار من المرونة والأفكار القانونية والأفكار الحقوقية الشيء الكثير، وبالواقع لو كانت هناك جهات منصفة للنظر في القوانين الدولية الحالية لوجد أن الكثير منها مستمدة من الشريعة الإسلامية.

على الراجح من المذاهب

- لكن على أي مذهب إسلامي يمكن إقامة الشريعة في ظل اختلاف وتعدد المذاهب؟

- في الواقع، لسنا متعبدين بمذاهب معينة، وإنما الأمر في ذلك قول النبي  صلى الله عليه وسلم  «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي»، فإذا جاء تقنين أو جاء قانون عام على ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم  ، فإننا لا نقول يجب أن يكون على المذهب المالكي أو الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي.

        بل يجب أن يكون على الراجح من هذه المذاهب، فإذا رأيت مثلا أن البلاد تتمذهب بالمذهب المالكي، ثم رأيت أن في المذهب الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي ما هو أرجح في مسألة معينة مما هو في المذهب المالكي، أي أرجح دليل نقل أو عقل أو تحقيقا للمصلحة والمقاصد الإسلامية فعليك أن تذهب إلى الراجح، فلست متعبدا بمذهب معين، وإنما أنا متعبد بالانصياع والأخذ بقول الله تعالى وقول رسوله [، وبما هو عليه أصحابه رضي الله عنهم.

لولي الأمر الاختيار

- وهل لولي الأمر اختيار مذهب واحد من المذاهب الإسلامية والتحاكم إليه لإنهاء الخلاف الفقهي في القضايا المعروضة؟

- حينما يأتي ولي أمر من أولياء أمور المسلمين، ويختار مذهبا معينا، فإننا نسأل: هل هذا المذهب المعين استمد أحكامه ومبادئه وقواعده من الإسلام أم من غير الإسلام؟ فإذا كان استمدها من كتاب الله، وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم  فله ذلك، فكونه يحصر التقنين في الحكم أفضل من أن يجعل المسائل مفتوحة معلقة، فلو قيل لنا في مسألة: إن الإمام الشافعي يقول كذا، والإمام أحمد يقول كذا، والإمام مالك يقول كذا، والإمام أبوحنيفة يقول كذا، فأنا ماذا أعمل حينها؟

      كون الحاكم لأي مجتمع من المجتمعات الإسلامية يختار مذهبا معينا لا يعد ذلك تعارضا مع الإسلام وأحكامه، بل هذا المذهب بالواقع ما هو إلا نوع اختيار لأقوال متوافقة لمجموعة كبيرة من أئمة المسلمين، وهذا لا يعني إلغاء اجتهاد القاضي، فمثلا لدينا في المملكة العربية السعودية ولي الأمر أمر أن المذهب الحنبلي هو المعتمد، في نفس الوقت عندما يأتي قاض ويقول ان هذه القضية المنظور فيها لدي المذهب الحنبلي يقول كذا وكذا، ولكني أقول ان العدل والحكم في هذه القضية من المذهب المالكي أو الشافعي او الحنفي أو من أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ثم بعد ذلك يحكم به، لا يمكن في الواقع أن ينقض حكمه، أو يقال هذا الحكم مخالف للمذهب ما دام أنه مبني على دليل قوي من كتاب الله، أو من سنة رسوله، أو متفق مع المقاصد والقواعد العامة.

قريب من المثالية

- بعضهم يزعم أنه ليس في التاريخ دولة إسلام نموذجية يمكن الاقتداء بها، فكيف نرد على هذه المزاعم؟

-  القول إننا نتكلم عن حكم خيالي أو حكم نظري، أو إن الإسلام ينادي بإيجاد مجتمع مثالي خال من المخالفات، غير صحيح، بل لا يمكن أن نقول إنه وجد مجتمع مثالي خال من أي مخالفات شرعية، ولا حتى في عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ؛ حيث وجد في عهده السارق، وشارب الخمر، والزاني، وقاطع الطريق، والمشركون أنفسهم، فليس في الدنيا دولة مثالية، بل حتى مملكة أفلاطون التي يقولون انها مملكة مثالية لم توجد، وإنما كانت في رأسه ولم تطبق، ومنذ عهد آدم عليه السلام إلى وقتنا هذا والظلم موجود، ابنا آدم ماذا كان منهما؟ تقاتلا فيما بينهما في ظل أول شريعة بشرية، ولو أراد الله الدولة المثالية لقال «كن» فيكون، وإنما الله أعطى البشر عقولا، كما قال: {وهديناه النجدين}، فأعطاه طريق الخير وطريق الشر، وبين أن طريق الخير له آثاره الإيجابية، وأن طريق الشر له آثاره السلبية، وإنما نحن ندعو إلى مجتمع قريب من المثالية، مجتمع ظاهره الخير، ظاهره التقاليد الإسلامية، ظاهره الأخلاق والرحمة والمحبة والمودة، ويمكن أن يكون فيه شواذ، وإلا فلماذا أوجدت الآن المحاكم؟ ولما وجدت العقوبات؟ جاءت هذه العقوبات زاجرة ورادعة ومقللة أمر هذه الشذوذيات، لا أن تكون نتيجتها القضاء عليها مطلقا، وإيجاد مجتمع مثالي، فمهما يكن من مجتمع فلابد أن يكون فيه من شذوذيات، وإنما العبرة بالحكم العام، وظهور الحكم الشرعي على غيره من الأحكام.

مراعاة مطالب المضربين

- نعيش في الكويت دعاوى إلى الإضرابات طلبا لزيادة الرواتب ورفع الظلم، فما نصيحتكم وتوجيهكم تجاهها؟

- يجب على ولي الأمر إذا كان هناك مثل هذا الشعور العام بالظلم أن يتلمس آثاره، وأن ينظر إلى أسبابه، فيمكن أن يقال بأنه بعيد جدا أن يتفق الجمهور أو الناس كلهم على إيجاد احتجاجات على غير أسباب مبررة، فإذا وجدت مثل هذه الاحتجاجات فيجب أن يهتم بأمر أصحابها، فإذا كانت القدرة ممكنة فينبغي إيجاد الحلول، فلا يجوز لمن كان قادرا من حكام المسلمين على النفع أن يبخل أو يضن.

المناصحة ووسائل الإعلام

- هذا ما يخص ولي الأمر، لكن ما نصيحتكم للمتضررين أنفسهم؟

- أولا، عندنا الآن وسائل إعلام يمكن اللجوء إليها بدلا من الإضراب، مثل ما يتعلق بالصحافة والقنوات الفضائية، وكذلك مواقع الإنترنت، فينبغي علينا نحن أن نبدأ بالأسهل فالأسهل، ويمكن كذلك أن يوجه إلى ولاة أمور المسلمين النصح، ففي الحديث: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، والنصح ينبغي أن يكون مبنيا على آدابه؛ فلا ينبغي التشهير بالوزير أو المسؤول بداية، وقذف الاتهامات من سب وشتم، فهذا غير معقول أبدا حتى لو كان لدى المسؤول شيء من الاستجابة، الله عز وجل يقول: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

       يبغي أن يكون بين الراعي والرعية من مناصحة، وتعاون، وأن يسلك في النصح المسالك الجالبة للرحمة والتفاعل والقبول والسمع والطاعة، لتكون النتائج خيرا، أما قضية مقابلة الشر بالشر فما هي نتيجة الآن؟ نحن الآن عندنا 6 أو 7 دول كلها جربت الجرأة والقوة والغطرسة والقسوة، فما نتيجة ذلك؟ نتيجة ذلك أننا نراهم اليوم يتقلبون في مصائب من اضطرابات الأمن، وكما هو معلوم أن أهم ما عند الناس الأمن والاستقرار.

      عندنا مبدأ لمعاوية -رضي الله عنه- في السياسة لا يمكن أن يسلكه سالك من ولاة الأمر إلا ويجد آثاره الحسنة، يقول رضي الله عنه «لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها، إذا جذبوها أرخيتها، وإذا أرخوها جذبتها»، فالمسألة سياسة؛ لذلك ينبغي في سياسة الشعوب أن تبنى على الحكمة والعدل والمنطق واللين والرفق، فإذا اجتمعت هذه الأمور فلا شك أنها ستنتج الخير الكثير.

-  هل من كلمة أخيرة في نهاية اللقاء؟

- أحمد الله أني في بلادي، فالكـــويت والسعودية هما بلد واحد، فهناك مجموعة من الروابط التي تربط بين الشعبــين، وأهم هذه الروابــــط وحدة الدين، وهناك روابط أخرى هي وحدة الأخـــلاق، ووحدة التقاليد، بالإضافة إلى وجود الترابط الأسري بين البلدين، فمجموعـــة كبيرة من سكان الكويت ترجع أصولهم إلى المملكــــة العربية السعوديـــة، من نجد وغيرها، ولاتـــزال هذه الأصول محل اعتبـــار، ومحــل تمسك وتأصل.

 

 

عبدالله المنيع في سطور

- عبدالله بن سليمان بن محمد المنيع من فخذ الحراقيص من قبيلة بني زيد القضاعية القحطانية.

- حصل على الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1377هـ.

- حصل على درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية عام 1389 هـ.

-  شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم هم كل من الشيخ محمد بن إبراهيم، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبد الرزاق عفيفي، وعبدالله بن حميد، وعبدالعزيز بن باز، وعبدالعزيز بن رشيد.

مسيرته

- له دور كبير في تحول بنك الجزيرة إلى الصيرفة الإسلامية التامة، فضلاً عن إسهامه في قيام البنك الأهلي التجاري بتحويل 264 فرعا إلى المصرفية الإسلامية، وساهم في فتح طريق تعامل العلماء مع البنوك، مما أفضى إلى وجود الهيئات الشرعية والمنتجات الإسلامية، ويؤمن بأن السبيل الوحيد لتحول البنوك نحو المصرفية الإسلامية يأتي عن طريق الحوار والتعامل المباشر معها، وإيجاد الحلول الإسلامية البديلة لمنتجاتها الربوية.

من أعماله ومناصبه

- في المجال الأكاديمي أشرف على العديد من رسائل الدكتوراه، واشترك في نقاش العديد من الرسائل الجامعية من الماجستير والدكتوراه.

- عضو في الإفتاء.

-  عضو المجمع الفقهي الإسلامي بجدة.

- انتدب للعمل القضائي في الهيئة العلمية وفي الهيئة القضائية العليا اللتين حل محلهما المجلس الأعلى للقضاء.

- نائب عام لسماحة الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

- قاضي تمييز بالمنطقة الغربية في مكة المكرمة.

-  مستشار في الديوان الملكي في المملكة العربية السعودية.

- عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.

- عضو في المجلس الأعلى للأوقاف.

- عضو في المجلس الأعلى لرعاية الأربطة.

- عضو في المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة.

- عضو في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

- عضو اللجنة الاستشارية العليا لقناة الرسالة.

- وكذلك هو عضو في البنوك والشركات التالية:

- مجموعة سامبا المالية.

- البنك الأهلي التجاري.

- البنك السعودي الفرنسي.

- البنك السعودي الاستثمار.

- البنك العربي الوطني.

- بنك ساب.

- بنك الرياض.

- بنك الجزيرة.

مؤلفاته

- له العديد من المؤلفات منها:

- الورق النقدي: حقيقته وتاريخه وحكمه.

- حوار مع المالكي في رد ضلالاته ومنكراته، وترجم إلى عدة لغات ووزع في الهند وباكستان وغيرهما.

- العقد الفريد في نسب الحراقيص من بني زيد.

- أحاديثي في الإذاعة.

- فتاوى في الصلاة والصوم والحج.

- بحوث في الاقتصاد الإسلامي.

- رسالة في زكاة عروض التجارة.

- حوار مع الاشتراكيين في ضوء الشريعة الإسلامية.

- القول الميسر في جواز ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر.

- ولفضيلته العديد من المشاركات الإعلامية من صحافة وإذاعة وتلفزة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك