رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 10 أغسطس، 2022 0 تعليق

عصمة للفرد والمجتمع من الانحراف والضلال – عقيدتنا الإسلامية

 

 

تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن

العقيدة تنشئ في النفوس الحذر من اتباع غير سبيل المؤمنين وتحمي أصحابها من الانحراف

قبول الأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد وكمال أعماله على كمال التوحيد

العقيدة الصحيحة عقيدة واضحة سهلة يفهمها كل أحد العامي وغير العامي

في ظلال عقيدة صحيحة يتذوق الإنسان طعم السعادة التي يرجوها كل الناس

العقيدة الصحيحة تورث تعظيمًا للرب فيعظم في نفس الإنسان فيَخشىَ اللهَ فلا يعصيه

 

تعد أركان الإيمان في الإسلام، التي تتمثل في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، الركيزة الأساسية التي تبنى عليها العقيدة الإسلامية، والمحور والأساس الذي يرتكز عليه تربية المسلم، في جوانب تربيته كافة.

فالعقيدة أهم ركن من أركان التربية؛ لأن التربية في الواقع لا تعني الثقافة بمعناها المحدود القائم على العلوم والمعارف فقط، ولكنها تضم إلى الثقافة سلوكًا وممارسةً عملية على ضوء هذه العلوم والمعارف، فهي منهج متكامل يعتمد على هاتين الركيزتين، العلم والعمل والسلوك والأخلاق.

 

     ويزعم بعض المغالطين أن التمسك بالعقيدة الإسلامية رجعية، وأنَّ الوقوف على ذلك نوع من الجمود والتخلف الحضاري، وأنه تعصب للموروثات القديمة، ويستدلون على ذلك بحال المسلمين الآن وواقعهم الأليم، ولا شك أنَّ هذه شبهة واهية وفرية مكذوبة.

أولاً: معنى العقيدة

     أصل العقيدة في اللغة: من عقد الحبل، والبيع، أي: شده، والعقد: هو العهد، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)، ومعناها: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، وتعريفها في الاصطـلاح بأنهــا: «الجانـب النظـري الـذي يطلـب الإيمـان بـه - أولا قبل كل شيء - إيمانا لا يرقى إليه شك، ولا تؤثر فيه شبهة، ومن طبيعتها تضافر النصوص الواضحة على تقريرها، وإجماع المسلمين عليها من يوم أن ابتدأت الدعوة».

ثانيًا: مصدر العقيدة الصحيحة

     مصدر العقيدة الصحيحة هو النص الديني الصحيح، المدعوم بالموافقة العقلية، والانسجام مع الفكرة الإنسانية، فضلا عن الإجماع الإسلامي العام، منذ الج يل الأول وإلى يومنا هذا على الأصول والكليات الكبرى المتفق عليها، فيما يتعلق بتلك العقيدة.

ثالثًا: أهمية العقيدة الصحيحة

للعقيدة الإسلامية الصحيحة أهمية كبيرة في المجتمع نذكر منها ما يلي:

1- إن جميع الرسل أرسلوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).

2- إن تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن، قال -سبحانه وتعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)

3- إن قبول الأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد، وكمال أعماله على كمال التوحيد، فأي نقص في التوحيد قد يحبط العمل أو ينقصه عن كماله الواجب أو المستحب.

4- إن النجاة في الآخرة -ابتداءً أو مآلاً- متوقفة على صحة العقيدة، مما يبرز أهمية تعلمها واعتقادها على المنهج الصحيح. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».

5- إن هذه العقيدة تحدد العلاقة بين العبد وخالقه: معرفة، وتوحيدًا، وعبادة شاملة لله -تعالى-: بالخوف والرجاء، والمراقبة والتعظيم، والتقوى والإنابة، ورعاية تامة من الله للعبد: نطفة، وصغيرًا، وكبيرًا، في البر والبحر، رزقاً وإنعاماً، وحفظاً وعناية.

6- إن السعادة في الدنيا أساسها العلم بالله -تعالى-؛ فحاجة العبد إليه فوق كل حاجة، فلا راحة ولا طمأنينة إلا بأن يعرف العبد ربه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

7- إن هذه العقيدة تجيب عن جميع التساؤلات التي ترد على ذهن العبد، ومن ذلك: صفة الخالق، ومبدأ الخلق، ونهايته، وغايته، والعوالم الكائنة في هذا الوجود، والعلاقة بينها، وموضوع القضاء والقدر.

8- تركيز القرآن والسنة على موضوع العقيدة: بياناً وتقريراً، وتصحيحاً، وإيضاحاً، ودعوةً.

9- إن العقيدة الصحيحة سبب الظهور والنصر والفلاح في الداريْن؛ فالطائفة المتمسكة بها هي الطائفة الظاهرة والناجية والمنصورة التي لا يضرها من خذلها. قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».

10- العقيدة الصحيحة هي ما يعصم المسلم من التأثر بما يحيط به من عقائد وأفكار فاسدة.

رابعًا: آثار العقيدة الصحيحة

للعقيدة الإسلامية الصحيحة آثار واضحة في حياة المسلمين أفرادًا وجماعات، شرط أن تكون ماثلة في أذهانهم، حاضرة في نفوسهم، حية في قلوبهم، ومن آثارها ما يلي:

(1) تُحرر المسلم من عبودية غير الله

     العقيدة الصحيحة تحرر المسلم من كل ولاء لغير الله، وهذا توجيه الخالق - عزوجل - ينبض بكل هذه المعانى؛ حيث قال -تعالى-: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88 القصص)، وقد وصف القرآن الكريم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو حامل لأوسع الرسالات وأعمها بالعبودية لله في مقام الرفعة، فقال -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء: 1).

(2) تُحرر العقل من الأوهام والخرافات

     اتجهت العقيدة الصحيحة إلى العقل، وعملت على تحريره من التقليد الأعمى، والخضوع للأفكار والعقائد والعادات الموروثة، وأقام الإسلام عقيدته على اليقين، قال -تعالى-: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم:28)، كما اتجهت إلى تحرير العقل من الأساطير والخرافات والأوهام والجهل والسلبية، قال -تعالى-: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (يونس: 101).

(3) تغرس في نفس المسلم الاستقامة

     تظهر آثار العقيدة الإسلامية الصحيحة عندما يلتزم المسلم بها؛ لأنه يستشعر تلك الصلة الدائمة مع خالقه، فيستحيي أن ينحرف، ويحاول تطهير نفسه وشعوره وجوارحه من الآثام، فتصبح نفسه عند الالتزام بالعقيدة حساسة تحس بالمنكر والإثم حينما تستمع إلى قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق:16).

(4) تغرس روح التضحية والبذل والعطاء

     العقيدة الإسلامية الصحيحة تجعل الإنسان يستخلص أعز ما يملك من النفس أو المال أو الولد في سبيل الله، ولعلنا نتذكر كلمة خالد بن الوليد لملك الروم: «أتيتكم بقوم يحبون الموت حبكم الحياة»، وهي العقيدة الإسلامية التي أخرجت حنظلة في ليلة عرسه إلى صفوف المجاهدين يوم أحد ليرتفع شهيدا في سبيل الله، والعقيدة الإسلامية هي التي جعلت امرأة من بني ذبيان تقول عندما أخبرت باستشهاد زوجها وأخيها وأبيها: «ماذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: هو بخير، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشاروا لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل».

(5) تكسب الإنسان روح الانضباط والمسؤولية

     تضبط العقيدة الصحيحة سلوك المسلم وفق أوامر الله وتوجيهاته، فتجعله عبدًا لله -تعالى-، لا عبدًا لشهواته قال -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس)، كما تجعله يشعر بالمسؤولية؛ لأنه مستخلف وصاحب رسالة، عليه أن يقوم بواجبها، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: 30).

(6) تبعث على السعادة والطمأنينة والأمن

      في ظلال عقيدة صحيحة، يتذوق الإنسان طعم السعادة، التي يتمناها كل الناس، ويسعون إليها بكل جهد، وباتباع شتى الأساليب، وفي ظلها يبتعد عن الندم على ما فات، والقلق على ما هو آت، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)، والعقيدة الإسلامية تجعل الإنسان المسلم يعلم كل العلم أن المآب إلى الله -عز وجل- وأن ليس للإنسان إلا عمله، قال -تعالى-: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} (النجم).

خامسًا: مزايا العقيدة الصحيحة

للعقيدة الإسلامية الصحيحة مزايا لا تتوافر لغيرها من العقائد ومن تلكم المزايا ما يلي:

(1) عقيدة واقعية

      العقيدة الصحيحة عقيدة واقعية تتعامل مع المسلم وقدراته المحدودة، فلم تكلفه شططا، ولم تعنته، ولم تأمره أن يعتقد محالا، أو أن يؤمن بما لا يتوافق مع العقل، بل إن العقائد الإسلامية كلها جاءت لتعبر عن احتياجات النفس الإنسانية الواقعية للإيمان؛ فالإنسان يحتاج إلى الإيمان بالله وبوحدانيته؛ حيث نجد أن عقيدة التوحيد تتوافق مع نزوع النفس الإنسانية نحو الوحدة لما فيها من معاني السلام الداخلي، والأمان النفسي، والإنسان بحاجة إلى الإيمان باليوم الآخر؛ حيث تتحقق معاني العدالة التي قد يجدها ضائعة مهدرة حياته الدنيا.

(2) عقيدة إيجابية

     العقيدة الصحيحة عقيدة إيجابية؛ ذلك أنها تربط بين قلوب معتنقيها برباط الإيمان والمحبة والتراحم، وهو رباط لا يعدله أي رباط آخر من جنس أو لغة أو قومية أو مصلحة مشتركة، فهذه العلاقات تظل سطحية لا تقوى أمام المحن والهزات الاجتماعية والاقتصادية، أما معاني الأخوة في العقيدة والوحدة الإيمانية فتحول الكثرة إلى وحدة، والأثرة إلى إيثار، والفرقة إلى اجتماع، فوجودها سبب في علو المجتمعات والأمم، فهي ليست خيالية يصعب تطبيقها، ولا تطلب من الإنسان فوق طاقته، قال -تعالى-: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286).

(3) عقيدة سالمة من التحريف

     فمن جهة أنها سالمة من التحريف؛ لأن الله قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). والله سيحفظ الدين كله أصولًا وفروعًا، ومن ذلك ما يتعلق بأمور الاعتقاد، فإذًا العقيدة الصحيحة من مزاياها أنها محفوظة ما فيها تبديل، ولا تغيير، ولا زيادة، ولا نقصان.

(4) عقيدة واضحة للجميع

     العقيدة الصحيحة عقيدة واضحة سهلة يفهمها كل أحد، العامي وغير العامي، إذا قلت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) أو {اعْبُدُوا اللَّهَ} (نوح: 3). وغير ذلك من العقيدة، فإنه يفهمها فهمًا ويستقر في نفسه، دع عنك الفرعيات والرد على أهل البدع، قد لا يفهم الرد على الأشاعرة، لكن أي عامي يفهم أُسس هذه العقيدة، لو شُرحت له وقُدمت إليه، بخلاف بقية المذاهب لو تعرف العقيدة عند الأشاعرة مثلًا لعرفت أنه العذاب الأليم، لا يمكن أن يفهم الكلام العامي، قائمةٌ على فلسفاتٍ، وعلى قاعدة في علم الكلام والمنطق، بخلاف العقيدة السلفية الصحيحة التي يمكن للعامة أن يفهموها بكل سهولة.

 

(5) عقيدة سالمة من كل نقص

     كذلك فإن العقيدة الصحيحة عقيدة سالمة من كل عيب ونقص، لا يوجد شيءٌ تخجل من ذكره، لكن أهل العقائد الباطلة عندهم أشياء يخفونها، إلا العقيدة السلفية ليس فيها أسرار، ليس فيها شيء يُخشى منه، ولا شيء يُخبأ، كل شيء مكشوف واضح، أما عقائد أهل البدع فيها كثير من هذا القبيل.

(6) عقيدة موافقة لفطرة الإنسان

     العقيدة الصحيحة عقيدة موافقة لفطرة الإنسان، لا يشعر المسلم صاحب الفطرة السليمة بأي حرج من أي شيء فيها؛ لأن الله قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: 30). فإذًا موافقة للفطرة، لكن بعض العقائد فيها أشياء كثيرة مخالفة لفطرة الإنسان، لا تستقيم مع فطرته، فيتعذب حتى يتعلمها.

(7) عقيدة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير

     كذلك فإن هذ العقيدة الصحيحة ثابتة لا تتغير، وتتطور بمرور الأزمان وتعاقب الأجيال، ليس فيها مجال للإضافات، أما العقائد الأخرى، كالأشاعرة؛ متقدموا الأشاعرة غير المتوسطين والمتأخرين، فيقول مثلًا: جرت إضافات على هذا المذهب وتعديلات وتنقيحات، وهكذا، إذا نظرت إلى عقائد أهل الباطل تجد فيها زيادات وأشياء تنقيحية، وأما عقيدة السلف هي هي، عقيدة أبي بكر الصديق والصحابة -رضوان الله عليهم-، هي عقيدة محمد بن عبدالوهاب، هي عقيدة الإمام أحمد، هي عقيدة ابن تيمية، هي عقيدة كل العلماء، العقيدة لم تتغير.

(8) عقيدة مبرهنة واضحة الأدلة

     العقيدة الصحيحة عقيدة مُبرهنة، قائمة على الأدلة والبراهين، وليست مسألة تسليم أعمى كما يشترط أهل العقائد الباطلة على أتباعهم، فإذا استفسر عن شيء قيل له: سَلِّم فقط، والله سبحانه قد قال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111)، ولا ينافي هذا الإيمان بالغيب، لو قال قائل: نحن عقيدتنا ليس فيها تسليم، بل فيها تسليم، فإثبات أن هناك غيبا بالأدلة ممكنٌ، شيء موجود ولا تراه، فبالبراهين نثبت ذلك، فإذًا الإيمان بالغيب لا يتعارض مع كون هذه العقيدة عقيدة براهين وأدلة، فكُلُّ شيء غيبي في العقيدة تدلُّ عليه أدلة صحيحة من القرآن والسنة.

(9) عقيدة وسط

     وكذلك فإن العقيدة الصحيحة عقيدة وسط لا إفراط ولا تفريط، هي وسط بين الذين ينكرون كل ما وراء الطبيعة مما لم تصل إليه حواسهم، وبين الذين يثبتون للعالم أكثر من إله، بل يحلون روح الإله في الملوك والحكام! بل في بعض الحيوانات والنبات مثل الأبقار والأشجار! وهي عقيدة وسط في صفات الإله، فليس فيها الغلو ولا توحي بخوف أو رجاء كما فعلت الفلسفة اليونانية فكل ما وصفت به الإله أنه ليس بكذا وليس بكذا، من غير أن تقول ما صفات هذا الإله الإيجابية؟ وما أثرها في هذا العالم؟ ويقابل هذا أنها خلت من التشبيه والتجسيم الذي وقعت فيه عقائد أخرى كاليهودية، التي جعلت الخالق كأحد المخلوقين من الناس، ووصفته بالنوم والتعب والراحة، والتحيز والمحاباة والقسوة.. و.. وجعلته يلتقي ببعض الأنبياء فيصارعه فيغلبه ويصرعه، فلم يتمكن الرب من الإفلات منه حتى أنعم عليه بلقب جديد!

(10) عقيدة تبعد المسلم عن الشك والوهم

     العقيدة الصحيحة تبتعد بالمسلم عن الشكوك والأوهام، وتجعله آمنًا مطمئنًا، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (الحجرات: 15). فغير أهل السنة يعيشون في حيرة وضلال، وقلق، وتنقل، ولهذا قال الإمام مالك لما طُرحت عليه قضية الجدل: «أرأيت إن جاء من هو أجدل منه، أيدع دينه كل يوم بدين جديد؟»(جامع بيان العلم وفضله: 2/942).

(11) عقيدة تدفع صاحبها لتعظيم النص

     من مزايا العقيدة الصحيحة من فوائدها وثمارها أنها تجعل المسلم معظمًا للنصوص، لا يرد نصًا شرعيًا، ولا يتلاعب بتفسير النصوص، أما أهل البدع يتلاعبون، إذا قيل لك يقول الله -تعالى-: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} (القيامة: 23-24). على حسب التفسير فكل واحد من أهل العلم يعرف هذه الآية، ويقول: تنظر إلى الله، ويقول أهل البدعة ناظرة منتظرة، وكذلك قوله -تعالى-: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء: 164)، فيفهم صاحب العقيدة الصحيحة أن الله كلم موسى كلامًا حقيقيًا، وأكد ذلك بقوله تَكْلِيمًا، والمبتدعة يقولون: كَلَّمه جرحه بأظافير الحكمة؛ لأنهم يريدون نفي الكلام، وهذا سخيف جدًا، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5).

(12) اتباع سبيل المؤمنين

     هذه العقيدة تنشئ في النفوس الحذر من اتباع غير سبيل المؤمنين، وتحمي أصحابها من الانحراف، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 6- 7).

(13) عقيدة تعظم الرب -سبحانه وتعالى

     العقيدة الصحيحة تورث تعظيمًا للرب، فيعظم في نفس الإنسان فيَخشىَ اللهَ فلا يعصيه، ويقوم بما أوجب عليه، أما عقيدة المتكلمين الذين يقولون: قواعد علم الكلام، والفلسفة لا تورث تعظيمًا للرب ولا خشية، بل تورث قسوة في القلب، ولذلك ممكن تجد كتاب المواقف للإيجي من كتب الأشاعرة، لا تكاد تجد آيةً ولا حديثًا إطلاقًا، أما كتب عقيدة أهل السنة والجماعة كلها آيات وأحاديث؛ لأن كلَّ شيء من المعلومات الموجودة في العقيدة تستند على آية أو حديث.

 

الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله :

حقيقة الإيمان بالله

     الإيمان بالله هو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود (بحق) وحده دونما سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم، ولا يحصل الإيمان لأحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وللإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها، وهو يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، ونفيه لا يدل على الخروج من الإسلام.

الشيخ ابن باز -رحمه الله

عقيدة أهل السنة والجماعة

     عقيدة المسلمين التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي ما بين الله لعباده في كتابه العظيم، وبينه رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتلقاه الصحابة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وبلغوه للناس، هو دين الله وهو توحيد الله وطاعته، واتباع رسوله، وترك ما نهى عنه والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والعمل بذلك قولا وعملا وعقيدة، عن محبة وانقياد وإخلاص وموالاة ومعاداة.

الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله:

العقيدة الصحيحة

     العقيدة الصحيحة للمسلمين هي ما أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره». هذه هي العقيدة الصحيحة التي يتقبل الله بها من المسلمين، وتتضمن هذه العقيدة تمام القبول والانقياد، وذلك بأن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحينئذٍ يكون مسلماً تصح منه الصلاة وسائر العبادات.

الشيخ صالح الفوزان:

العقيدة دعوة وتعليما وعناية

     اهتم العلماء المحققون والدعاة المصلحون بالعقيدة دعوة وتعليمًا وعناية قبل غيرها، فأي دعوة لا تبنى على عقيدة التوحيد ولا تهتم بها فهي دعوة فاشلة ودعوة باطلة؛ لأنها على غير أساس، وإنما تكون لمقاصد أخرى، فالواجب الاهتمام بهذه العقيدة وتدريسها وتعليمها للناس في المدارس وفي المساجد وفي المجالس وفي وسائل الإعلام حتى تترسخ وتتبين ويتبين للناس شأنها وكيفيتها.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك